جولة حدودية مع الجيش: ساعدونا وإلا سيغرق لبنان بالنازحين

في طريقنا نحو ثكنة الجيش اللبناني في شدرا، ومنها إلى أحد أشهر المعابر الملقبة بـ"معبر أبو جحاش" غير الشرعي في وادي خالد أقاصي عكار، حيث يتسلل مئات النازحين السوريين بواسطة شبكات التهريب، يوحي المشهد العام، أنها أشبه بمقاطعة خارج سلطة الدولة.

التناقض بكل أشكاله، سمة الحياة في القرى النائية هنا. مظاهر الحاجة التي تطبع وجوه الناس، لا تلغي حقيقة أن المنطقة أضحت منجمًا لنشاط المهربين والسماسرة اللبنانيين والسوريين. وهنا أيضًا، مقابل آلاف الأسر الفقيرة، ثمة مسؤولون ونواب وأرباب عشائر وعائلات عتيقة وتجار، راكمت الثروات تاريخيًا، من سبعينيات القرن الماضي، حين ازدهر تهريب البضائع والتبغ على الحدود اللبنانية، وصولًا إلى يومنا هذا، حيث تستثمر الحدود للاتجار بالبشر في تهريب السوريين من وإلى لبنان.

وعلى طول الطريق المُهمل والمتعرج، نتلفت يمينًا وشمالًا، نحو الجبال الشاهقة التي تغزوها المنازل المطلة على سوريا، وتشرف أيضًا على مساحات شاسعة من السهول والأراضي الزراعية في القرى اللبنانية، وهي جديرة أن تكون "جنة الموارد" للاستثمار الشرعي، في حالة مستحيلة.

هنا، يعكس الحضور الكثيف والعلني للجيش، بعناصره وملالاته وحواجزه وأبراج مراقبته، بأن الأمن ممسوك لأقصى أحد. لكن الواقع، أن الأمن في القرى الحدودية شمالًا، مخترق وسائب من الداخل والجانب السوري، لأقصى حد.

 

جولة برفقة الجيش

في خطوة انطوت على رسائل باتجاه الداخل والخارج، نظّمت قيادة الجيش في مديرية التوجيه جولة ميدانية على الحدود الشمالية، لأكثر من خمسين صحافيًا/ة، من الإعلام المحلي والفضائي والوكالات الأجنبية.

هذه الجولة التي بذل فيها عناصر الجيش جهدًا كبيرًا ولافتًا، هدفت لعرض سبل التسلل غير الشرعي للاجئين السوريين، والتحديات الميدانية الهائلة التي تواجه الجيش، عملانياً ولوجستيًا.

وبداية الجولة، كانت من نقطة تجمع الصحافيين في مركز قيادة عمليات فوج الحدود البري الأول، بثكنة سيمون شاهين في بلدة شدرا، بحضور قائد الفوج العميد الركن إيلي مسعود وضباط الفوج وضباط من مديرية التوجيه وقيادة العمليات، والعميد إلياس عاد.

قدم الجيش عرضًا مفصلًا حول رؤيته لواقع التسلل الحدودي، وعرض أرقامًا وخريطة لطبيعة المناطقة، إضافة للصعوبات التي تواجهه ولائحة من المقترحات، التي حملت في كل بند رسالة سياسية مختلفة.

والمثير في عرض الجيش، كان بصور وفيديوهات لعمليات وثق فيها كيفية تسلل السوريين، وهي تعكس مستوى عال من الاحتراف لدى شبكات التهريب من جهة، ومستوى مخاطرة صادم ومواز بحياة السوريين الهاربين إلى لبنان من جهة أخرى. وأظهرت الصور والفيديوهات كيفية تواري السوريين عند الدخول إلى لبنان، في أنابيب للغاز وفي مستوعبات داخل الشاحنات وعلى أسطحها وبين أكوام الحجارة والشوادر. وغيرها من الأساليب التي تجسد تكثيفًا لإذلال السوريين من قبل المهربين على جبهتي لبنان وسوريا، مقابل منحهم فرصة الدخول إلى لبنان.

وكان لافتًا أيضًا، عرض الجيش لصور يظهر فيها شبان سوريون من الأعمار الفتية، وعقّب عليها بأنه يرصد دخول الشباب وحدهم إلى لبنان، وأن الأمر يثير لديه مخاوف أمنية، في إشارة غير مباشرة إلى أن بعض السوريين يدخلون لبنان لأهداف أمنية، وقد يكونوا محملين بالسلاح.

جولة المعبر

وفي باصات تابعة للجيش، اختار نقل الصحافيين/ات، بطريق ضيق ومتعرج، إلى أحد المعابر الشهيرة المعروفة باسم "معبر أبو جحاش"، تيمنًا باسم صاحب الشركة المتحدة (مغلقة) الذي يدعى سامر أبو جحاش، وهو من كبار مهربي المنطقة، في خراج بلدة خط البترول، حيث يطل المعبر عند الضفة اللبنانية لمجرى النهر الكبير.

في معاينة ميدانية، ثمة أسئلة كثيرة تطرح حول أسباب عدم ضبط الواقع الأمني لهذا المعبر، الذي هو عمليًا عبارة عن ممر طويل، ويفصل النهر الكبير -حيث تتسلل فئة من النازحين- بباطون لا يتجاوز طوله نصف متر، غير محمي لا بأسلاك شائكة مثلًا، ولا بحاجز ثابت، بينما يقول الجيش بأن جهوزيته لا تسمح بذلك.

وفي النقطة الأخيرة لهذا الحاجز الباطوني في منطقة البقعية، والمطل على مساحات شاسعة من السهول المشرفة على النهر الكبير، يقف عنصر ملثم، يتولى مهمة معاينة المكان. وهنا، قال العميد عاد: "الطبيعة السهلية تسهل حركة المهربين، ويصعب ضبط المتسللين من مئات النقاط التي يخترقون فيها الثغرات".

يخبرنا عناصر من الجيش بأنه حين يتم إلقاء القبض على سوريين متسللين عند هذا المعبر مثلًا، يقومون بدفعهم إلى الوراء، لكنهم لاحقًا يتمكنون من العبور من نقطة مختلفة.

وبحسب ورقة الجيش، ينتشر فوج الحدود البرية الأول على طول الحدود الشمالية، وعلى قسم من الحدود الشرقية بين لبنان وسوريا، بخط يبلغ حوالى 110 كلم من العريضة غربًا (ارتفاع صفر عن سطح البحر) مرورًا بوادي خالد حتى بلدة الرويمة البستان شرقًا (ارتفاع 1350 متر عن سطح البحر) بعديد عناصر لا يتجاور 1200 عنصر يتوزعون على 31 مركزًا بينها 10 أبراج مراقبة مجهزة بكاميرات حديثة وبأجهزة استشعار رؤية ليلية، وبعمق بمعدل 7 كيلومترات ضمن الأراضي اللبنانية وذلك لمنع التهريب وضبط الداخلين خلسة.

ويعلل ما يشهده هذا الخط، بأن الحدود اللبنانية السورية تحتاج ضمن قطاع مسؤولية الفوج لعشرة أضعاف القوى المنتشرة حاليًا، وبأن تنفيذ مهماته يحتاج إلى ما لا يقل عن 1050 عنصرًا إضافياً.

ضمن قطاع انتشار فوج الحدود البري على طول جسر العريضة الغربي، يوجد 57 بلدة، حسب بيانات الجيش، ويسكنها نحو 90 ألف لبناني، مقابل وجود نحو 80 ألف لاجئ سوري، ونحو 15 مخيماً. أي أن عدد السوريين يقارب عدد اللبنانيين بالمنطقة، وهو ما سعى للجيش للإشارة بأنه يدق ناقوس الخطر.

إلى برج المراقبة

في جولة ثانية، نقل الجيش الصحافيين إلى برج المراقبة في خراج بلدة شدرا، والذي يطل على تل كلخ السورية. وعلى سطح منصة البرج، تظهر مساحات خضراء واسعة من التضاريس والتلال والأراضي المفتوحة والسهول، من شدرا ومشتى حسن ومشتى حمود ووادي خالد. ويخبرنا أحد المراقبين في الجيش، بأن الكاميرا وحدها ترصد يوميًا تسلل ما لا يقل عن 100 سوري، يقومون بالتبليغ عنهم فورًا لآمر السرية، ومن ثم تتحرك دورية للجيش لصدهم، وأحيانًا لا تفعل بذلك.

ومن أبرز الصعوبات والمشاكل التي تعترض عمل الفوج، بحسب بيانات الجيش:

- اتساع بقعة الانتشار على طول الحدود الشمالية

- النقص في العديد مقارنة بحجم القطاع.

- طبيعة الأرض والتضاريس التي يصعب مراقبتها عند بعض النقاط مما يسمح باستحداث ممرات جديدة بواسطة الجرارات الزراعية والجرافات.

مقترحات ورسائل

عمليًا، تحمل جولة الجيش رسالة مفادها أنه يطلب مساعدات ودعماً مالياً ولوجستياً عالي المستوى، للقيام بمهمة ضبط الحدود.

لكن ذلك، يطرح تساؤلات عديدة وفق مراقبين، عن كيفية استثمار الجيش لموارده على طول الأراضي اللبنانية، والتي لو خضعت لبعض الترشيد وإعادة ترتيب الأولويات، لتمكن من ضبط الحدود بضعف الواقع الحالي على الأقل، وإن سيصعب عليه إمساكها بفعل الجغرافيا 100%.

وبدا أن الجيش في جولته يعلن ويثبت عجزه عن الإمساك بالحدود البرية، طالما أنه لن ينال الدعم الداخلي والخارجي الذي يصبو إليه، إضافة إلى مطالبته الصريحة بضرورة زيادة عديد الوحدات المكلفة بضبط الحدود.

وفي لائحة مقترحاته، طالب الجيش بتنفيذ مشروع شق طريق على طول مجرى النهر الكبير الجنوبي اعتبارًا من منبعه في المجدل وصولًا إلى مصبه في العريضة ومعالجة ضفته من الجهة اللبنانية ليشكل مانعاً لأعمال التهريب.

وحمل مطلب آخر رسالة إلى الحكومة اللبنانية، لجهة المطالبة باتخاذ القرار المناسب بهدف ضبط الحدود من قبل الجانبين اللبناني والسوري.

وفي رسالة أخرى إلى وزارة الداخلية والسلطة المحلية ممثلة بالبلديات (المحمية أصلًا من نافذين ومستفيدين من واقع التهريب)، اقترح الجيش بمنع البناء على الأملاك النهرية ومعالجة موضوع الأبنية المخالفة، للحد من استغلال هذه الأبنية كنقاط لتخزين البضائع المهربة واختباء الأشخاص الداخلين خلسة.

أما الاقتراح الأكثر إثارة لجهة صدوره من الجيش، هو الدعوة لترشيد إنفاق المنظمات التابعة للأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية على النازحين السوريين، "التي يجب أن تعمل بتوجيه من الحكومة اللبنانية وتحت رقابتها".

خلاصة الجولة، الجيش يطلب المساعدات بشتى أشكالها، وإلا لن يكون قادرًا على ضبط موجة النزوح السوري عبر المعابر البرية غير الشرعية، ولا على السيطرة على التداعيات التي حاول إثارة مخاطرها من وجهته الأمنية والميدانية والديمغرافية والاجتماعية والسياسية.