المصدر: نداء الوطن
الكاتب: بشارة جرجس
الأحد 15 حزيران 2025 06:49:02
في فجر 13 حزيران 2025، دخل الشرق الأوسط مرحلةً مفصليةً جديدة، بعدما شنّت إسرائيل "عملية الأسد الصاعد" التي استهدفت، في موجتها الأولى، أكثر من مئة موقع استراتيجي في إيران، منها منشأة نطنز النووية ومرافق رئيسية للحرس الثوري، في أكبر هجوم جوي تتعرّض له إيران منذ انتهاء حربها مع العراق عام 1988.
لم تقتصر العملية الإسرائيلية على ضرب البنية التحتية النووية والصاروخية، بل أصابت رأس الهرم العسكري والعلمي الإيراني. فقد قُتل الجنرال حسين سلامي، قائد الحرس الثوري وأحد أبرز مهندسي السياسات الإقليمية لطهران منذ 2019، ومحمد باقري، رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة، وغلام علي رشيد، صاحب البصمة الأوضح في رسم الاستراتيجية العسكرية الإيرانية. كذلك اغتيل ستة من كبار علماء البرنامج النووي، أبرزهم فريدون عبّاسي، رئيس منظمة الطاقة الذرية الأسبق الذي نجا من محاولة اغتيال عام 2010، ومحمد مهدي طهرانشي، أحد العقول المركزية في التطوير النووي.
يمثّل هذا الهجوم النوعي نقلة استراتيجية لإسرائيل، من نهج الردع ضد إيران إلى خيار أقرب إلى الحسم العسكري المدعوم بعمليات استخبارية دقيقة، وسط تقارير عن تزويد واشنطن تل أبيب بمعلومات متقنة، رغم إصرار البيت الأبيض على نفي أي مشاركة عملياتية مباشرة، مع اعترافهم بأنهم على علم وتنسيق مع تل أبيب.
أتى ردّ طهران بإطلاق نحو مئة صاروخ ومسيّرة باتجاه العمق الإسرائيلي؛ إلا أنّ منظومات الدفاع الجوي الإسرائيلية اعترضت معظمها، ما يؤكّد الفارق التقني والدفاعي بين الطرفين، وهو تَفَوّق رسّخته إسرائيل منذ حرب أكتوبر 1973 وكرّسته خلال السنوات الأخيرة. لكن الأمر ليس بهذه البساطة، إذ ردّت إيران، فجر 14 حزيران، بموجتين من الصواريخ الباليستية، وحقّقت بعض الدمار والخسائر في الأرواح في جنوب تل أبيب بعد سقوط بعض الصواريخ التي لم تستطع الدفاعات الإسرائيلية صدَّها.
دبلوماسياً، وجدت دول الخليج نفسها في موقفٍ حرج، فعلى الرغم من بيانات الإدانة العلنية لـ"الاعتداءات الإسرائيلية" جاءت الدعوات إلى ضبط النفس بلهجةٍ حذرة، تعكس تشابك المصالح وهاجس الانزلاق إلى مواجهة إقليمية شاملة. أمّا سلطنة عُمان، فسجّلت موقفاً أوضح انسجاماً مع دورها التقليدي وسيطاً بين طهران وواشنطن.
اليوم تقف إيران أمام اختبار وجودي: فراغ قيادي، وضربة قاصمة لقدرتها على الردع النووي والصاروخي. غير أن هذا لا يعني النهاية؛ طبعاً، إيران ستناور وتقصف المزيد من الصواريخ على إسرائيل، لكن إلى متى؟ بما أنّ الحروب استنزاف أيضاً.
إسرائيل تبني رهانها على معطيات ضعف إيرانية متراكمة منذ هجوم حماس:
لذلك قد تجمع طهران بين وابلٍ صاروخي يسعى إلى تحقيق "صورة انتصار" ومحاولات لعمليات أمنية خارجية. أمّا مواجهة مباشرة مع واشنطن وتل أبيب، فستعرّض ما تبقّى من بنيتها النووية واقتصادها والنظام بذاته لضربات قد تكون مميتة.
أعادت "عملية الأسد الصاعد" هندسة قواعد الاشتباك في المنطقة، مُحدِثةً فراغاً استراتيجياً في طهران، مانحةً إسرائيل زمام المبادرة العسكرية.
والراجح أنّ الأسابيع المقبلة ستُظهر إن كانت طهران قادرة على ابتلاع الضربة والعودة إلى طاولة التفاوض، أم أن الشرق الأوسط سيدخل فصلاً أكثر دمويةً من لعبة كسر الإرادات إلى إسقاط أنظمة، وقد يكون عمر النظام الإيراني الذي يصف إسرائيل بالكيان المؤقت أقصر من عمرها، فيتحوّل هو إلى الكيان المؤقت.