المصدر: المدن
الأحد 15 حزيران 2025 22:34:36
أعلنت وزارة الخارجية القطرية، أن رئيس الوزراء وزير الخارجية، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، تلقى اتصالاً من وزير خارجية بريطانيا ديفيد لامي، تناول "الأوضاع الخطيرة في المنطقة، وهجوم إسرائيل على إيران".
وأعرب الشيخ محمد، وفق بيان رسمي، عن استنكار دولة قطر لانتهاكات واعتداءات إسرائيل في المنطقة، محذراً من أن "الاستمرار في هذه السياسات يقوّض جهود السلام ويهدد بجرّ المنطقة نحو حرب إقليمية".
وأضاف أن قطر "تبذل جهوداً حثيثة مع شركائها الإقليميين والدوليين للعودة إلى مسار الحوار، وخفض التصعيد عبر الوسائل الدبلوماسية".
يأتي هذا الموقف، في ظل تصعيد غير مسبوق فوق المنشآت الطاقية على الطرف الايراني من الخليج العربي، وقلق خليجي متزايد من تداعيات الضربات الإسرائيلية التي طالت الجانب الإيراني من حقل بارس الجنوبي للغاز الطبيعي، والذي تتقاسمه طهران مع قطر.
قلق خليجي: حقل مشترك تحت النار
وحذر مسؤول من دولة خليجية، في أول تعليق خليجي على الضربات الإسرائيلية، من أن الهجوم على حقل بارس "سلوك متهور للغاية"، مشيراً إلى أن الضربة، التي وقعت على بعد 200 كيلومتراً من المنشآت القطرية، "تُعرّض استثمارات أميركية ضخمة ومصالح استراتيجية للطاقة في المنطقة للخطر"، حسب شبكة "سي أن أن".
ويمثل الحقل، الذي يُعد أكبر حقل غاز في العالم، شرياناً حيوياً لإنتاج الغاز الطبيعي المسال، خاصة من الجانب القطري الذي يُغذي الأسواق الأوروبية والآسيوية، ويُعد أي تهديد له تصعيداً خطيراً في واحدة من أكثر مناطق العالم حساسية.
واستهدفت الهجمات الإسرائيلية مصافي ومخازن وقود في طهران، إلى جانب مجمعات التكرير في بوشهر ومنشآت بحرية في حقل بارس، ومصنع "فجر جم"، ومرافق شحن في جزيرة خرج، التي تُعد المنفذ الرئيسي لتصدير النفط الخام الإيراني.
وقد أعلنت وزارة النفط الإيرانية أن الضربات عطلت بعض المنشآت، وتسببت في حرائق واضطرابات تشغيلية، في وقت تواجه فيه البلاد ضغطاً على شبكات الكهرباء وتراجعاً في مخزون قطع الغيار بسبب العقوبات.
وتشير تقديرات دولية إلى أن إنتاج النفط الإيراني ارتفع إلى نحو 3.4 مليون برميل يومياً عام 2024، وأن عائدات الطاقة تضاعفت أربع مرات منذ عام 2020 لتصل إلى 78 مليار دولار، ما يجعل قطاع الطاقة هدفاً مباشراً في أي مواجهة.
هشاشة متبادلة وأفق مجهول
في المقابل، أعلنت شركة "بازان" عن تضرر مصفاة حيفا نتيجة قصف صاروخي إيراني، أدى إلى إغلاق جزئي لبعض وحداتها.
كما أمرت السلطات الإسرائيلية بوقف العمل في منصتي "ليفياثان" و"تمار" البحريتين، اللتين تُغذيان السوق المحلي الإسرائيلي وتُصدران الغاز إلى مصر والأردن، ويُهدد استمرار التعليق استقرار الشبكة الكهربائية، ويُقلص قدرة التصدير، ما قد يؤدي إلى ضغوط إقليمية واقتصادية متزايدة.
ويمثل ميناء عسقلان النفطي وخط أنابيب "إيلات–عسقلان" ممراً رئيسياً لاستيراد النفط الخام، ويُهدد أي استهداف لهذه النقاط بإحداث خللاً واسعاً في إمدادات الوقود.
ورغم التفوق العسكري الإسرائيلي، غير أنها تواجه بنية تحتية طاقية مركزة ومكشوفة، وضعيفة الحماية نسبياً أمام الصواريخ والطائرات المسيرة، وهو ما يمنح إيران قدرة على التأثير، ويجعل من معادلة الردع أكثر هشاشة وتعقيداً.
مضيق هرمز: الممر الخطر
ومع تزايد التهديدات الإيرانية بإمكانية إغلاق مضيق هرمز، تزداد المخاوف من تعطيل حركة مرور ما يقرب من 20 في المئة من النفط العالمي و21 في المئة من الغاز الطبيعي المسال، معظمها من قطر.
ويصف خبراء هذا السيناريو بأنه كفيل بإحداث "زلزال" في الأسواق العالمية، ورفع أسعار الطاقة إلى مستويات قياسية، ولا يقتصر الخطر على إيران وإسرائيل، بل يمتد إلى دول الخليج، فتاريخ الهجمات على منشآت أرامكو في السعودية لا يزال حاضراً، وأي توسع في المواجهة قد يُعرّض منشآت نفطية وغازية في السعودية والإمارات وقطر للخطر، خاصة إذا شعرت طهران أن الرد الدبلوماسي غير كافٍ لحماية مصالحها.
وفي هذه الحرب لم تعد منشآت الغاز والنفط مجرد بنى تحتية اقتصادية، بل أصبحت ساحة مواجهة مباشرة بين الدول، ومع تصعيد الهجمات فوقها، تتقلص المساحة المتاحة للحلول السياسية، وتتوسع الهوة بين الردع العسكري والاستقرار الإقليمي.
في هذا السياق، يُصبح التصعيد فوق البنية التحتية للطاقة ليس مجرد أزمة شرق أوسطية، بل أزمة ذات أبعاد كونية، تمس أمن الطاقة العالمي، واستقرار الأسواق، وتضع العالم أمام معادلة معقدة بين الردع والانفجار.