حركة دبلوماسية باتجاه بيروت في محاولة لإبعاد شبح حرب جديدة

عشية مرور سنةٍ على اتفاق وَقْفِ النار بين لبنان وإسرائيل، تبدو الجبهةُ التي لم تَسْتَرِحْ على مدى الأشهر الـ 12 الماضية وكأنها عشية حرب الـ 65 يوماً التي انفجرت في 23 سبتمبر وعُلِّقت في 27 نوفمبر على تَفاهُمٍ سرعان ما عَلِق في «شِباك» تَضارُب التفسيرات له وتعقيدات الواقع في «بلاد الأرز» التي وجدت نفسها أمام مُفاضَلةٍ لا تُحسد عليها بين صِدامٍ داخلي بحال أي انزلاقٍ نحو محاولة سَحْبِ سلاح «حزب الله» بالقوة وبين تجديد تل أبيب «عاصفة النار» لإنجاز «المهمة غير المُنْتهية» بيدها.

فمن إحياء إسرائيل حرب الاغتيالات لقادة الصف الأول في «حزب الله» وفي قلب الضاحية الجنوبية لبيروت، وهو ما «افتتحتْه» باستهداف رئيس أركانه أبو علي طبطبائي (الأحد)، وتسريبها سيناريوهاتٍ عن شَكْلِ التصعيد «الآتي حتماً»، أياماً قتالية أو مواجهة أشمل، إلى الغموضِ المُتَعَمَّد الذي يَعتمده الحزب بإزاء الردّ المحتمَل على اصطياد قائده العسكري، عناصر تشكّلُ مكوّناتٍ لـ «وليمة نارٍ» جاهزة ويَبقى فقط تحديد «الساعة صفر» لها خصوصاً من تل أبيب التي تُعْلي عنوان «ممنوع أن يستعيد حزب الله عافيته وسنتولّى إضعافَه» مدعومةً بتفهُّمٍ أميركي ضمني.
وإذ تشهد بيروت في الساعاتِ المقبلة حركةً دبلوماسيةً باتجاهها في محاولةٍ لإبعاد شبح حرب جديدة، عبر زيارةِ وزير الخارجية المصري بدر عبدالعاطي، وسط تقارير عن محطة لا تقلّ أهمية خلال أيام لوزير الدولة في الخارجية القطرية محمد بن عبدالعزيز الخليفي، وهو ما يتّسم بدلالات بالغة الأهمية كون القاهرة والدوحة شكّلتا رافعة خطة سلام غزة، فإنّ لبنان حوّل الحَدَثَ التاريخي الذي سيَستقبل معه البابا ليو الرابع عشر بين الأحد والثلاثاء المقبلين فسحةَ أملٍ وإيمان بـ «الوطن الرسالة» وبمستقبلٍ آمن لابد آتٍ.

واعتُبر إصرارُ رأس الكنيسة الكاثوليكية على إتمام الزيارة، التي تشكّل (مع محطة تركيا) أول جولة خارجية له في حبريّته، على وهج «المناخاتِ الحربية» وفي غمرة المَخاطر الكبرى التي تحدق بلبنان إشارةً متقدّمة من الفاتيكان إلى الأهمية التي يوليها لوطن العيش معاً ونموذجه الفريد ورسالةً تحضّ على السلام الذي اختير شعاراً للزيارة «طوبى لفاعلي السلام»، رغم المَخاوف التي تشاع لجهة أن ما بعد مغادرة البابا لاون الرابع عشر قد يَحمل «تتمة» التصعيدِ التصاعُدي من إسرائيل التي يَصعب أن تتجرأ على الإطاحة بالزيارة وتفجيرها.

وفيما يَطغى على محطة البابا في لبنان الطابع الراعوي، إلا أن مضامينها السياسية لن تغيبَ انطلاقاً من الدور التاريخي للفاتيكان وثِقْله العالمي في إطار دبلوماسيةِ «القوة الناعمة» التي سَبَقَ أن غيّرتْ وُجْهَةَ أحداثٍ و «وَجْهَ» دول بفائض الوزن الذي يَجمع بين الأبعاد الدينية والثقافية والقِيَمية والحضارية، في ظلّ رهانِ «بلاد الأرز» على أن الزيارة الثالثة التي يقوم بها رأس كنيسة كاثوليكية لها (بعد البابا يوحنا بولس الثاني 1997 وبينيدكتوس السادس عشر 2012) سترفد الوطن الصغير بمظلةِ حمايةٍ لموقعه في غمرة التحولات العاصفة في المنطقة وتعاود تثبيت دورَه «الرساليّ» كحاضنةٍ للمسلمين والمسيحيين المتصالحين مع محيطهم والفاعلين فيه.
ومع العدّ العَكْسي للزيارة، وعلى وقع توقعاتٍ بأن البابا سيدعو في محطتيه بتركيا ولبنان إلى «إحلال السلام في المنطقة ويحضّ على الوحدة بين الكنائس المسيحية التي فرّقتها الانقسامات منذ زمن طويل»، عقدت اللجنة الرسمية المنظمة مؤتمراً صحافياً عرضت فيه الترتيبات اللوجستية والأمنية والإعلامية المتعلّقة بالأماكن التي سيزورها البابا والتي حملت أيضاً دلالاتٍ ورمزياتٍ بارزة ولا سيما صلاته الصامتة (الثلاثاء) في مرفأ بيروت جنباً إلى جنب مع ذوي شهداء وجرحى انفجار 4 أغسطس 2020.

وفيما كُشف أن زيارة البابا لبيروت ستتم تغطيتها من 1350 إعلامياً، فإن الأهمّ كان ارتسام فيضٍ من الاندفاعة لملاقاة الزائر الاستثنائي عبّر عنه تأكيد أن ما لا يقلّ عن 120 ألف شخص سيشاركون في القدّاس الإلهي الذي سيترأسه عند الواجهة البحرية لمدينة بيروت في آخر محطاته يوم الثلاثاء الذي يستهله بزيارة «دير الصليب في بقنايا»، علماً أن اليوم الأول سيشهد زيارة القصر الجمهوري ولقاء الرئيس جوزف عون رسمياً، ليخصص الاثنين لزيارة دير مار مارون، عنايا، والصلاة عند ضريح القديس شربل، ثم محطة في ساحة الشهداء للمشاركة في اللقاء المسكوني، وبعدها زيارة بازيليك سيدة حريصا للقاء مع الأساقفة قبل الانتقال إلى بكركي للقاء الشبيبة.

وفي موازاة الانشغال بهذه الزيارة وإنجاحها على كل المستويات وبينها الأمنية، تترقّب بيروت وصول وزير الخارجية المصري الذي كان أجرى مشاورات مع نظيرَيْه السعودي الأمير فيصل بن فرحان والفرنسي جان نويل بارو على هامش قمة العشرين في جوهانسبورغ، علماً أن القاهرة والرياض وباريس تشكل مع الدوحة وواشنطن أركان اللجنة الخماسية من أجل لبنان التي سبق أن وفرت ممراً آمناً للبلاد من الشغور الرئاسي الأخير الذي انتهى بانتخاب العماد جوزاف عون في 9 يناير الماضي.

في هذا الوقت، استوقف أوساط سياسية كلام وزير خارجية ألمانيا يوهان دافيد فاديفول من عَمان حيث أعلن أنّ «ما تقوم به إسرائيل ضد حزب الله يدخل ضمن نطاق الدفاع المشروع عن النفس» لافتاً إلى أنّه «يجب دَعْمِ الحكومة اللبنانية لنزع سلاح حزب الله»، وهو ما قابله وزير خارجية الأردن أيمن الصفدي بتأكيد أنّه «يوجد اتفاق لوقف النار بين لبنان وإسرائيل وعلى جميع الجهات الالتزام به ووقف الأعمال التصعيدية وعلى إسرائيل احترام سيادة لبنان والتوقف عن التوغل في أراضيه».

رسائل إيرانية

وفي سياق غير بعيد، استمرت الرسائل الإيرانية النافرة في تَجاوُزها الدولة اللبنانية ومحاولتها «استدراج عروض» إقليمية - دولية لطهران بوصفها صاحبة «التحكم والسيطرة» على ورقة «حزب الله» وأي خياراتٍ في ما خصّ ما بعد اغتيال الطبطبائي، وهو ما يفسّر بحسب أوساط سياسية إيحاء الحزب بترْكه الردّ على عملية الضاحية احتمالاً قائماً ولكن معلَّقاً.

وفي الإطار، جاء كلام رئيس البرلمان الإيراني محمد باقر قاليباف الذي أعلن أن «يد العدوان الصهيوني تطول اليوم كل المنطقة والسبيل لقطعها هو المقاومة»، مضيفاً «يواصل حزب الله القوي في لبنان مسيرته بقوة، والأجيال التي سبقت الحاج أبوعلي طبطبائي وبعده حاضرة في الميدان لتعزيز هذا المسار».

وشدد على أنه «لا يُمكن استمرار هذا الوضع؛ فصبر المقاومة له حدود. المقاومة تُقرر بحكمة، لكنها تُمارس بشجاعة؛ ليست عدوانية، بل ستُقاتل عند الضرورة».