المصدر: الراي الكويتية
الأربعاء 30 نيسان 2025 01:28:25
يبدأ الرئيس اللبناني العماد جوزف عون، اليوم، زيارة رسمية لأبو ظبي بدعوة من رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، تتخلّلها محادثات حول العلاقات الثنائية وسبل تطويرها والأوضاع في لبنان والمنطقة.
وتشكل هذه الزيارة التي تستمرّ حتى يوم غد وتشمل لقاءاتٍ سيُجريها عون مع رئيس الإمارات وعدد من المسؤولين فيها، محطةً جديدة في سياق الانعطافة المتدرّجة التي يقودها الرئيس اللبناني لتأكيد انطلاق عملية تصحيح المسار المتعرّج الذي أوصل «بلاد الأرز» إلى انحرافات إستراتيجية أودت بها إلى فم صراع المحاور وتحويلها «وليمة دم ودمار» على موائد النار في المنطقة خصوصاً غداة «طوفان الأقصى».
فبعد السعودية، ثم فرنسا وقطر، يحطّ الرئيس اللبناني في أبوظبي على وقع نجاحه وحكومة الرئيس نواف سلام في وضْع قطار الإصلاح المالي على السكة، وإرساء «الإطار الناظم» لقرار حصْر السلاح بيد الدولة واحتكارها حَمْلِه وقرار الحرب والسلم، عبر حوارٍ ثنائي كان عون باشَر «مراحله التمهيدية»، عبر رسائل أولية، مع «حزب الله»، قبل أن ترتفع «الأسلاك الشائكة» حول هذا الملف وتتعاظم الشكوك بإزاء إمكان معالجته، وسط سباقٍ يرتسم بين إلحاحٍ خارجي على بتّه «بأسرع وقت ممكن» ووفق جدول زمني ضمني، وبين حرص لبنان الرسمي على عدم تحويله مدخلاً لإسقاط السلم الأهلي أو جعل البلاد تتوغّل في اضطراباتٍ أمنية داخلية، وبين تَعَمُّد تل أبيب «تذكير» الجميع بأنها ماضية في إستراتيجية «السلاح (القوة) لسحْب السلاح» التي باتت بمثابة المعادلة العكْسية لفلسفة الحزب وسردية «السلاح لحماية السلاح».
وفيما كانت الغارةُ التي استهدفتْ الأحد الضاحية الجنوبية لبيروت تَرسم أمراً واقعاً مفاده - وفق ما ظهّرت تل أبيب الضربة على أنها طالت مخزن صواريخ دقيقة - «الجيش اللبناني يدْهم ويصادر وفق «الإحداثيات» التي تحددها إسرائيل وإلا تنفّذ هي حُكْمَ الضرب بيدها»، فإنّ لبنان الرسمي الذي يَرى «بأم العين» اتفاق وقف النار يتلاشى تباعاً وخروقه تتمدّد في طول البلاد وعرْضها وعمقها، بات عملياً عالقاً بين:
- أولاً صعوبة إقناع الخارج، ولا سيما واشنطن، بوجوبِ أن تنسحب إسرائيل من التلال الخمس التي أبقتْها تحت الاحتلال على الحدود الجنوبية للبنان ووقف الاعتداءات، كمدخل أو أقله كمسار موازٍ لبدء البحث الجدي مع «حزب الله» في مسألة تسليم سلاحه شمال الليطاني، وسط إشاراتٍ إلى أن الولايات المتحدة المنخرطة في مفاوضات مع طهران قد لا تُراعي السقفَ الأعلى من المطالب التي تريدها تل أبيب، يصعب أن تتوجّه إلى الأخيرة بدعوات لتراجعاتٍ أمام الحزب، علماً أن المخاوف تتزايد من أن ينعكس أي اتفاقٍ خارج معايير «الحد الأقصى» مع إيران «تَسامُحاً» مع اسرائيل في ما خصّ بلوغ أهدافها القصوى لجهة الترسانة العسكرية لحزب الله ولو بأقسى الطرق.
ولم يكن عابراً كلام وزير المال الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، عن ان «الحرب ستنتهي عندما تكون سورية تفككت، وحزب الله تلقى ضربة قاسية، وإيران باتت بلا تهديد نووي، وغزة مطهرة من حماس».
- وثانياً أن «حزب الله»، ورغم عدم قدرته ولا رغبته في الردّ على تمادي اسرائيل في اعتداءاتها، يَمْضي في رفع الصوت والتصعيد الذي لا يخلو من «تأنيب» للدولة على سلوكها بإزاء ضربات تل أبيب وما يعتبره تلكوءاً في بدء إعادة الإعمار وإمعاناً في «الطلبات من الحزب»، خصوصاً لجهة سلاحه، من دون التشدّد في مطالبة واشنطن بلجْم اسرائيل وجعْلها تنفّذ الشق المتعلق بها من اتفاق 27 نوفمبر.
«وَضْع أقفال»
وبدا خطاب الأمين العام لـ «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم مساء الاثنين، بمثابة «وَضْع أقفالٍ» أمام الحوار حول سلاحه وإعلاء معادلة «الحقوق والواجبات» أمام الدولة «التي من حقها بسط سلطتها، ولكن من واجبها حماية المواطنين ولا يمكنها أن تأخذ كل شيء ولا تقوم بشيء وعليها مسؤولية في الضغط على أميركا وفرنسا والأمم المتحدة ومجلس الأمن لوقف الاعتداءات الإسرائيلية»، مشيراً إلى أن «الضغط الذي مارسته الدولة حتى الآن ناعم وبسيط وغير مقبول (...)».
وأعلن «أن أهم أولويات نهضة لبنان وقف العدوان الإسرائيلي والانسحاب من الجنوب والإفراج عن الأسرى»، واصفاً ما تعرضت له الضاحية الجنوبية الأحد بأنه «عدوان إسرائيلي من دون أي مبرر، الهدف منه الضغط السياسي لتغيير القواعد وتثبيت قواعد معينة يعتقدون بأنهم من خلالها يستطيعون الضغط على لبنان ومقاومته، وأن يحققوا الأهداف التي يريدون».
وفيما أكد أن على الدولة أن «ترفع صوتها وتفعّل تحركاتها بشكل أفضل. وواجبها أن تتصدى وأن تضغط على أميركا وتسمعها بأن لبنان لا يُبنى إلا بالاستقرار (...) والدولة وكل القوى السياسية مسؤولة عن مواجهة إسرائيل (...) ولن نتخلى عن قوة لبنان، ولبنان كان وسيبقى قوياً بمقاومته وجيشه وشعبه»، أشار إلى أن «واجب الدولة أن تتصدى، وقد أخذت من الاتفاق كلّ ما تحتاج إليه لتطبّقه، وأولويتها الآن أن تُحقّق الأمن والتحرير. وأي أمر آخر يفترض ألا يكون مطروحاً قبل أن تنفّذ إسرائيل كل ما عليها بالانسحاب ووقف العدوان والإفراج عن الأسرى (...) ولا اتفاق من دون إعمار».
حصرية السلاح
وفيما تم التعاطي مع موقف قاسم من الخصوم على أنه امتداد لمنطق الرغبة في أن يكون «الحزب والدولة بمركب واحد في الحرب»، في الوقت الذي تسعى الدولة إلى ركوب «سفينة السلم» على قاعدة حضّ الخارج اسرائيل على احترام اتفاق وقف النار والانسحاب من التلال الخمس، برز موقف لعون أمس، أكّد فيه أن «قرار حصرية السلاح لا رجوع عنه لأنه يلقى تأييداً واسعاً من اللبنانيين والدول الشقيقة والصديقة»، لافتاً الى ان سحب السلاح «لن يكون سبباً لاضطرابات أمنية، بل سيتم من خلال الحوار مع المعنيين الحريصين ايضاً على الاستقرار والسلم الاهلي ودور الدولة المركزية، والتطورات التي حصلت في المنطقة لا تزال تساعد على المضي في اعتماد الحلول السلمية وان تطلّب ذلك بعض الوقت تفادياً لأي عثرات».
وأوضح عون أمام وفد من الباحثين في معهد الشرق الأوسط للدراسات في واشنطن (MEI) برئاسة الجنرال الاميركي المتقاعد جوزيف فوتيل، أن الجيش اللبناني يقوم بواجباته كاملة في منطقة جنوب الليطاني ويطبق القرار 1701 في البلدات والقرى التي انتشر فيها «لكن ما يعوق استكمال انتشاره حتى الحدود هو استمرار الاحتلال الاسرائيلي لخمس تلال لا أهمية إستراتيجية لها، وكان من المفترض ان ينسحب الاسرائيليون منها منذ 18 فبراير الماضي لكنهم لم يفعلوا رغم المراجعات المتكررة التي قمنا بها لدى راعييْ الاتفاق الولايات المتحدة وفرنسا العضوين في لجنة المراقبة المشكلة بموجب اتفاق 27 نوفمبر الماضي».
وكرر دعواته الى الولايات المتحدة «للضغط على إسرائيل كي تنسحب من هذه التلال وتعيد الاسرى اللبنانيين ليتولى الجيش مسؤولية الامن بشكل كامل بالتعاون مع (اليونيفيل) ويبسط بذلك سلطة الدولة اللبنانية على كامل التراب الجنوبي»، مشيراً الى «حاجة الجيش والقوى المسلحة للمساعدة العاجلة لتتمكن الوحدات العسكرية من تحمل مسؤولياتها في حفظ الامن والاستقرار في البلاد».
وقال للوفد «من مصلحة الولايات المتحدة أن يبقى لبنان مستقراً وآمناً، وعليها ان تساعد لبنان لتحقيق ذلك».
وقف الاعتداءات
وفي الإطار نفسه، أكد رئيس الحكومة نواف سلام أن «الاعتداء على الضاحية الجنوبية والاعتداءات الإسرائيلية الأخر تشكّل خرقاً لترتيبات وقف الأعمال العدائية»، معتبراً أن «تفعيل آلية المراقبة أمر مطلوب لوقف هذه الاعتداءات».
وإذ أشار إلى أن «لبنان يريد وضع حدّ لكل هذه الانتهاكات، وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للتلال الخمسة ولكل الأراضي اللبنانية»، قال أمام من نقابة الصحافة برئاسة النقيب عوني الكعكي «إذا لم تنسحب إسرائيل بالكامل، فإن ذلك سيهدد الاستقرار»، مؤكداً أن «لبنان ملتزم بالاتفاق، وعلى الجانب الإسرائيلي أن يلتزم بدوره، ويهمنا بقاء الموقفين الأميركي والفرنسي إلى جانب لبنان لتحقيق ذلك».
وفيما كشف عن «استمرار العمل لحشد كل القوى الدبلوماسية من أجل وقف الاعتداءات»، قال لدى سؤاله عن موقف «حزب الله» من تطبيق حصْر السلاح بيد الدولة «الحزب يعلن دائماً أنه يقف خلف الدولة»، مضيفاً: «الدولة اتخذت قراراً واضحاً بهذا الشأن، بناءً على البيان الوزاري الذي صوّت الحزب لصالحه».
ولفت إلى أن «الحكومة بدأت العمل على خطة لإعادة الإعمار، بدءاً من البنية التحتية، حيث تم إجراء مسح للأضرار، وبدأ العمل الان على توفير الإمكانات، وقد باشرت الحكومة التفاوض مع البنك الدولي، وتم حتى الآن تأمين مبلغ 325 مليون دولار، مع السعي لزيادته».
500 موقع للحزب
وفي الوقت الذي تشخص الأنظار على الجولة التي سيقوم بها رئيس رئيس لجنة المراقبة الدولية المشرفة على تطبيق وقف النار في جنوب لبنان الجنرال الأميركي جاسبر جيفرز على كبار المسؤولين، نقلت قناة «العربية» عن مصادر حكومية «ان الجيش قام بدهم أكثر من 500 موقع لحزب الله في جنوب وشمال الليطاني وفي الضاحية الجنوبية لبيروت».
وكشفت أن جيفرز سيزور بيروت اليوم وسيستهل اجتماعاته بلقاءات سياسية مع عون وسلام ورئيس مجلس النواب نبيه بري، موضحة أن لبنان سيشرح التقدم الذي أحرزه لتنفيذ اتفاق وقف النار إضافة إلى تقديم شكوى حول الخروق الإسرائيلية.
في موازاة ذلك، تنفلش عمليات التعرض لدوريات من «اليونيفيل» في جنوب لبنان، على غرار ما حصل أمس، مع اعترض عدد من أهالي بنت جبيل على دخول قوة منها إلى البلدة من دون مؤازرة من الجيش اللبناني.