المصدر: المدن
الكاتب: لارا الهاشم
السبت 13 كانون الاول 2025 01:12:09
منذ سقوط نظام الأسد، الحليف الأساسي لحزب والله والذراع الرئيسي لإيران في المنطقة، حاول حزب الله النأي بنفسه رسمياً عن التحوّل السياسي الذي حصل في سوريا. فالحزب وغداة سقوط النظام وسيطرة ما كان يعرف يومها بـ"هيئة تحرير الشام" أعلن وقوفه إلى جانب سوريا وشعبها مشدداً على ضرورة الحفاظ على وحدة سوريا أرضاً وشعباً. وأضاف بيان الحزب في حينه "نحن نأمل أن تستقر سوريا على خيارات أبنائها، وتحقق نهضتها، وأن تكون في موقع الرافض للاحتلال الاسرائيلي، مانعة التدخلات الخارجية في شؤونها. سنبقى سنداً لسوريا وشعبها في حقه بصنع مستقبله ومواجهة عدوه الكيان الاسرائيلي الغاصب".
لكن هذا الإعلان لم يكن كافياً لطي صفة الماضي بين حزب الله من جهة والقوات السورية الجديدة من جهة أخرى. فبين الجانبين تاريخ أسود ناتج عن مساندة حزب الله لنظام الاسد والانخراط في الحرب السورية والاشتباكات على الحدود بين عناصر حزب الله وجزء ممن انخرطوا في القوات السورية الحالية إضافة إلى الأحداث الدموية في عمق لبنان التي شاركت فيها بعض الفصائل باسم "الثورة السورية". كلّ تلك الأحداث سطّرت ماضياً ثقيلاً لن يكون من السهل تخطّيه وقد تجلّى في موجة نزوح واسعة للعلويين والشيعة إبان سقوط الأسد واشتباكات على الحدود بين عشائر بقاعية وما كان يعرف في حينه بـ "هيئة تحرير الشام"، وهو ما استدعى حراكاً سياسياً برعاية تركية لخلق جو من الإطمئنان بين الجانبين.
حزب الله في تركيا
لم يمر خبر زيارة مسؤول العلاقات الخارجية في حزب الله عمار الموسوي لتركيا، مرور الكرام، إذ تُعتبر أنقرة الراعية الأساسية للحكم الجديد في سوريا.
في الشكل، هدفت الزيارة إلى المشاركة في مؤتمر القدس، لكن الأهم هو ما كان يحاك خلف هذه المشاركة. وفي معلومات "المدن" أن مسؤولين من حزب الله التقوا قبل ثلاثة أسابيع بشخصيات أمنية وسياسية تركية في أنقرة حيث كان العنوان العريض للمباحثات "خلق جو من الطمأنينة المتبادلَة بين القيادة السورية الجديدة المتمثلة بالرئيس أحمد الشرع من جهة وحزب الله من جهة أخرى".
تقول مصادر لبنانية مطلعة على أجواء اللقاءات أن التواصل بين حزب الله والجانب التركي لطالما كان قائماً لكنه مر بمرحلة فتور في فترة الأحداث السورية. أما اليوم فتحاول تركيا بصفتها الراعية الأساسية للحكم في سوريا، الذي لم يتوصل بعد إلى إرساء نوع من الاستقرار الداخلي، أن تذلّل كل العقبات والعراقيل التي قد تشكل تهديداً له. ومن هنا كان لا بد لأنقرة من الدخول على خط الوساطة بين الجانب السوري وحزب الله، للعب دور تطميني وتذليل الهواجس المشتركة على الحدود.
في اللقاءات أكد الجانب التركي أن الرئيس الشرع تجاوز كل ما سبق لكنه يريد الحصول على ضمانات بعدم تدخل حزب الله بالشأن السوري وبتهدئة نقاط التماس بين لبنان وسوريا والمقصود فيها ضبط الحدود الشرقية الشمالية. المسعى الأساسي هو تخفيض التوتر بين الجانبين والعمل على فصل الحوادث التي قد تحصل على الحدود بين المهربين عن أي تهديد سياسي وعسكري في الاتجاهين، وذلك نظراً لطبيعة الحدود المتداخلة ونشاط التهريب المستمر بمعزل عن أي غطاء سياسي أو طائفي كما تقول المصادر. ردُّ حزب الله على هذه الهواجس فكان إعادة التأكيد من أنقرة على موقفه السابق الذي صدر بعيد سقوط نظام الأسد وهو أنه لا يتدخل بالشأن السوري الداخلي طالما أنه خارج الحدود اللبنانية.
شرعية الحكم الجديد في سوريا من البوابة التركية
تعلم أنقرة أن أي نظام عربي لا يمكنه أن يصمد من دون شرعية عربية أولاً ودولية ثانياً. من هنا تحاول تأمين هذه الحاضنة للحكم في سوريا لضمان استمراره وسط متغيرات المنطقة وتبدّل موازين القوى. باكورة هذه المساعي كانت ترتيب علاقة الدولة السورية بالمملكة العربية السعودية التي تؤمن شرعية سنية وعربية في آن معاً وقد ترجم ذلك من خلال إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن نية رفع العقوبات عن سوريا خلال أول زيارة له للمملكة بعد انتخابه. إذاً مع قيام الحكم الجديد في سوريا التقت المصالح التركية والسعودية بحيث تعلم تركيا أن أي شرعية عربية تمرّ حكماً بالمملكة. أما السعودية فحريصة على عدم انتقال الدولة السورية من الحضن الإيراني إلى الحضن التركي. شرعية إذا ما تأمّنت فستكون الضامنة لاستقرار النظام هناك بعد تراجع نفوذ حزب الله ومن خلفه إيران.
اما الشرعية الثانية على المستوى الدولي فجهدت تركيا لتأمينها من خلال معيارين، أولها الدفع باتجاه انفتاح سوريا على فكرة التفاوض مع اسرائيل والتي أعلن عنها الشرع منذ توليه الرئاسة، أما المعيار الثاني فهو رفض التمدّد الإيراني وعودته إلى سوريا وهو ما تجلّى في الضغط الدولي لحصر سلاح حزب الله، والذي تسهم سوريا الجديدة في تنفيذه من خلال إجراءاتها على حدودٍ كانت تشكل إحدى الممرات الرئيسية لسلاح حزب الله.
نفوذ حزب الله يقلق سوريا
على الرغم من تأكيد حزب الله عدم تدخله بالشأن السوري ونفض يديه مما تعلن عنه الدولة السورية من مضبوطات ذخائر وأسلحة، تعتبر سوريا أن حزب الله لا يزال ينتهك سيادة أراضيها مستخدماً إياها كممر. وتتحدث مصادر مطلعة على الشأن السوري عن غرفة عمليات مشتركة بين بقايا ضباط نظام الأسد وعناصر من حزب الله تحاول استنهاض قدرات الحلف. وهذه المعلومة، بحسب المصدر، مستقاة من شخصية أمنية بارزة في الداخل السوري. وعليه تم تعيين شخصية عسكرية وسياسية بارزة على رأس قيادة الأمن في ريف دمشق، هي أحمد الدلاتي، لوجود معطيات لدى الجانب السوري بأن حزب الله لا يزال يستخدم الأراضي السورية لتهريب الأسلحة والمخدرات. ومن يعرف الدلاتي يدرك دوره البارز في عملية "ردع العدوان" والمهام الحساسة التي أوكلت اليه من ضبط الاتصال مع اسرائيل إلى ملفات السويداء وريف دمشق.
الجانب السوري، وبحسب المصادر عينها، يعتبر أن نفوذ حزب الله لا يزال قائماً، وأن الدولة اللبنانية لم تخرج من تحت عباءة الحزب الذي لا يزال مسيطراً على مفاصلها. وهذه الهواجس شكلت جزءاً من السلبية التي شابت المفاوضات اللبنانية-السورية حول ملف الموقوفين السوريين في السجون اللبنانية.
هواجس تنشط الدبلوماسية الغربية والعربية على تذليلها، وهو ما تبيّن من خلال سؤال سفراء مجلس الأمن والموفد الفرنسي جان إيف لودريان للمسؤولين اللبنانيين عن مسار العلاقة بين لبنان وسوريا.