المصدر: النهار

The official website of the Kataeb Party leader
الأربعاء 3 أيلول 2025 16:46:56
غادر المرجع الدستوري حسن الرفاعي بعدما شهد على التحولات الكبرى التي عاشتها الجمهورية اللبنانية، لكن لم يكتب له أن يشهد على التحول المصيري الذي بدأ يسلك مساره منذ العام الماضي
وقبل غيابه بسنتين فقط وهو على مشارف المئة عام، اختار إبن بعلبك، أن يترك شهادة مكتوبة له فكان كتابه "حارس الجمهورية" بمثابة وصية سياسية ودستورية وتاريخية تنقل خفايا محطات تأسيسية من تاريخ لبنان الحديث
وفاة المرجع الدستوري الكبير النائب السّابق حسن الرّفاعي... "حارس الجمهوريّة"
وهذه الوصية تنطلق من حياة حافلة بالعمل الدستوري – القانوني والسياسي حيث بات المرجع للجمهورية اللبنانية، وهو الذي تنقل خلالها بين البرلمان اللبناني ومجلس الوزراء حيث ترك بصمته في كل مكان عمل فيه.
هو الذي قال "أدركت طوال مسيرتي النيابية كم كنت عاشقاً للديمقراطية الممزوجة بالحرّية، وهو ما صعّب عليّ الانتماء إلى أيّ حزب كي أبقى محافظاً على حرّيتي. أحببت العمل النيابي وفهمت كيف يجب أن يكون. كنت محظوظاً في تكوّن بداية حياتي النيابية في مجلس عام 1968 الذي تميّز بالقامات السياسية والعلمية الكبرى، وهو ما جعلني في موقع الاستفادة من هؤلاء الكبار، كما أفدت العمل النيابي بدوري بعلمي الدستوري والقانوني".
ولد حسن الرفاعي في 23 آب 1923 في مدينة بعلبك، تلقّى تعليمه الأولي في الكتّاب والمدارس الرسمية، ثم انتقل إلى مدرسة الحكمة في بيروت، قبل أن يواصل دراسته الجامعية في الجامعة اليسوعية وجامعة دمشق حيث تخصص في القانون.
"حارس الجمهورية": هل لا يزال حارساً؟
دخل الرفاعي الحياة السياسية مبكراً، فانتخب نائباً وتولّى حقيبة وزارة التصميم في عهد الرئيس سليمان فرنجية. إلا أن شهرته الحقيقية ارتبطت بالعمل الدستوري، حيث أصبح مرجعاً أساسياً في تفسير الدستور ومراجعه، خصوصاً في المحطات المفصلية التي مرّ بها لبنان.
شارك في النقاشات التي سبقت اتفاق الطائف، وسجّل تحفظات عميقة على بعض بنوده، معتبراً أن الاتفاق جاء تحت وصاية خارجية أكثر منه تسوية لبنانية داخلية. ولم يتردّد في مواجهة السائد آنذاك، فغاب عن جلسات لاحقة رفضاً لمسار اعتبره انتقاصاً من صلاحيات رئاسة الجمهورية وإخلالاً بالتوازنات الوطنية.
من أبرز أعماله كتاب "حارس الجمهورية" (2023)، الصادر عن دار سائر المشرق، وأعدّه الإعلاميان أحمد عيّاش وجوزف باسيل بالتعاون مع نجله المحامي حسّان الرفاعي.
الكتاب ليس مجرد سيرة شخصية، بل وثيقة دستورية وسياسية توثق محطات تأسيسية من تاريخ لبنان الحديث. يقع في سبعة فصول، تبدأ من طفولته ونشأته، مروراً بتجربته النيابية والوزارية، وصولاً إلى محاولة اغتياله في 1982 وأحداث الحرب اللبنانية. ويتناول الكتاب تفاصيل موقفه من اتفاق الطائف وما بعده، ويختم بمواقفه الدستورية بعد خروجه من الندوة البرلمانية، مؤكداً أن "الدستور لا يعلّق حتى في أصعب الظروف".
أحد الفصول الأكثر إثارة هو ذاك الذي يروي فيه محاولة اغتياله في 22 آب 1982، في عزّ الحرب اللبنانية، وكيف تعامل مع الحادثة ببرودة أعصاب وجرأة نادرة. أمّا الفصول التالية فتتناول قصته مع اتفاق الطائف، إذ يشرح بإسهاب الأسباب التي دفعته إلى التحفظ على بعض بنوده، لا سيما تلك المتعلقة بصلاحيات رئاسة الجمهورية والتوازنات الطائفية.
ويختم الكتاب بفصول تلخص مواقفه الدستورية بعد خروجه من الندوة البرلمانية، حيث بقي مرجعاً دائماً في تفسير النصوص، ورقيباً على أداء المؤسسات. وفيه يذكّر أن "الدستور لا يعلّق حتى في أصعب الظروف"، وأن أزمة لبنان تكمن في غياب الرجال القادرين على تطبيق النصوص، لا في النصوص نفسها.
للراحل مواقف متقدمة في أغلب القضايا ذات الحساسية، فهو مع بقاء رئاسة الجمهورية للموارنة، ويعتبر أن هذا التمثيل الطائفي يشكّل دعامة أساسية لتوازن السلطة والهوية الوطنية، وأن أي تقليص لهذه الصلاحية يضعف موقع المسيحيين في لبنان ويفتح الباب لتأثيرات خارجية غير متوازنة
وهو كان من أبرز المفتين بعدم جواز اجتماع الحكومة بغياب رئيس الجمهورية، معتبراً حكومة تصريف الأعمال تستطيع ممارسة صلاحيات الرئيس فقط وفق ما يسمح به الدستور، وليس عبر اجتهادات فردية أو توسعية. أيّد الرفاعي بعض ما أقرّه الدستور من وثيقة الوفاق الوطني، كالمناصفة في عدد النواب، معترضاً على عدد 128 نائباً بدلاً من 108، كما أيّد إدخال الأعراف التي اتبعت في ممارسة السلطة، ما يجعل الحكم متوازناً ومستقيماً، ولفت إلى اعتماد الاستشارات النيابية الملزمة لتكليف رئيس الحكومة، بدلاً من أن تبقى رهنا بمزاجية رئيس الجمهورية واستنسابيته، علما أنه كان أول من طالب بها منذ عام 1972.
أما في موضوع سلاح "حزب الله" فيؤكد الرفاعي أن أي احتفاظ بالسلاح خارج الدولة يخرق الدستور ويهدد كيان الدولة، ويضعف المؤسسات المدنية ويقوّض سلطة الدولة على أراضيها. وصف هذا المشروع بأنه "انقلاب على الشرعية بالدستور نفسه"، معتبراً أن أي حل سياسي حقيقي لا بد أن يبدأ بفرض سلطة الدولة وضبط السلاح غير الشرعي.
قد يختلف السياسيون على النصوص أو تفسيرها، لكنهم يجمعون على حقيقة واحدة: أن الدكتور حسن الرفاعي شكّل عبر مسيرته الطويلة مرجعاً دستورياً لا يضاهى، وصوتاً حراً ظلّ يذكّر بأن الدولة اللبنانية لا تبنى على الصفقات بل على احترام القواعد. وإذا كان لقب "حارس الجمهورية" قد رافقه حتى شيخوخته، فذلك لأنه حمل الأمانة بصدق، ووضع الدستور فوق كل اعتبار، ليبقى اسمه محفوراً في ذاكرة الجمهورية اللبنانية.