المصدر: نداء الوطن
الكاتب: أحمد عياش
الخميس 4 أيلول 2025 07:06:18
غادرنا أمس الذي "أمضى حياته دفاعًا عن لبنان الكبير". وردت العبارة في بيان نعي حسن الرفاعي الذي تتعدّد ألقابه التي حملها على امتداد أكثر من قرن، لكنها لا تضيف إلى اسمه أكثر من مجرّد ألقاب، بعدما صار علمًا وطنيًا في سماء الحياة السياسية النيابية والحكومية والدستورية منذ ستينات القرن الماضي ولأمد قريب.
ترك الرفاعي إرثًا كبيرًا جدًّا في الممارسة والكتابة، واكب فيها مراحل معقّدة من تاريخ هذا الوطن. ويجد المرء بين دفتي كتاب "حارس الجمهورية" الذي واكب سيرة الراحل، فيضًا من عطاءات الرجل. وكتب جوزيف مايلا أستاذ العلاقات الدولية في جامعات باريس وصاحب كرسي في الجغرافيا السياسية في جامعة (ESSES) باريس والرئيس السابق لجامعة باريس الكاثوليكية في مقدّمة الكتاب: "إن حسن الرفاعي من بين كلّ رجال السياسة، عرف بدفاعه عن القانون، أن يدافع عن "شرف الجمهورية" المنتهك بتجاهل القانون، إن لم يكن بالاعتداء عليه".
يجتاز لبنان اليوم اختبارًا مصيريًّا ستكون إحدى محطاته المهمة غدًا الجمعة في جلسة مجلس الوزراء المخصّصة لمناقشة وإقرار الخطة التنفيذية التي أعدّتها قيادة الجيش لقرار الحكومة بحصر السلاح. يستطيع الرفاعي اليوم أن يقدّم موقفًا من هذا الاختبار من موقفه من اتفاق القاهرة عام 1969. أيّد الرفاعي الاتفاق الذي نظّم عمل المقاومة الفلسطينية، كما فعل الكثير من السياسيين اللبنانيين. لكنه بعد مرور بضع سنوات، اعترف الرفاعي لنفسه أنه أخطأ. لم يكن يظنّ أن الاتفاق أعطى هذا القدر من حرية الحركة للفدائيين الفلسطينيين.
تروي لنا حكاية الرفاعي التي تعود إلى عام 1944 عندما انتسب إلى الجامعة اليسوعية ليدرس الحقوق، كم أنّ هذا البعلبكيّ غيّور على لبنان. في ذلك العام، ولم يكن عمر الاستقلال عن الانتداب الفرنسي سوى عدّة أشهر، كان زميل الرفاعي في الجامعة، رنيه نمّور جالسًا إلى جانب فتاة يهودية فرنسية يتبادلان طرفي الحديث فيما كان هو قريبًا يطالع كتابًا. فسمع الفتاة تقول لنمّور: "أنتم اللبنانيين قذرون" (vous les libanais vous êtes des salauds). عندها تدخّل الرفاعي وطلب من زميله أن يردّ عليها، لكنّ الأخير أحجم، فما كان من الرفاعي إلّا أن وجّه صفعة قويّة إلى الفتاة. وكانت النتيجة طرد الرفاعي من الجامعة. ويمكن تتبّع بقية الحكاية في الكتاب.
أتت إطلالة الرفاعي في البرلمان وللمرّة الأولى عام 1968 لتحجز له مقعدًا ضمن الذين يجب أن يُحسب لهم حساب. وفي كلمته الأولى في أيار من ذلك العام، قال: "يقول رجال السياسة في هذا البلد، يجب ألّا تمسّ المواضيع الحسّاسة، ويقول الشعب نريد مصارحة".
دخل الرفاعي معترك السلطة التنفيذية بتولّيه وزارة التصميم في حكومة الرئيس تقي الدين الصلح وهي الرابعة في عهد الرئيس سليمان فرنجية. وبعد مرور فترة من الزمن، صار الكلّ يشعر بأن وزارة التصميم مهمّة. وفي هذا الصدد، قال وزير الزراعة الرئيس صبري حمادة في إحدى جلسات الحكومة لزميله الرفاعي: "لم نحسب أنّ لوزارة التصميم هذه الأهمية". فأجابه الرفاعي: "يا دولة الرئيس، الفرس من ورا الفارس".
نجا الرفاعي بأعجوبة من محاولة اغتيال في 22 آب 1982 في بعلبك قبل يوم واحد من إجراء الانتخابات الرئاسية التي فاز فيها بشير الجميل. وقال الرفاعي في 22 آب 2011: "محاولة اغتيالي ونجاتي أمر يكاد لا يصدّق إطلاقًا. فإذا كان هناك من يسمّون الشهداء الأحياء في لبنان، فأنا أوّلهم".
شكّلت وثيقة اتفاق الطائف التي أقرّها النوّاب اللبنانيون في المملكة العربية السعودية عام 1989، برعاية عربية ودولية، محورًا مهمًا في حياة حسن الرفاعي نائبًا وقانونيًا، عارضها منذ البداية وامتنع عن المشاركة في إقرارها. فشنّت عليه "حملة من كلّ الاتجاهات" كما قال. أضاف: "كانوا يقولون لي: أنت لا تريد أن تقف الحرب في لبنان! فكنت أردّ عليهم: يا جماعة، من قال إن صيغة الدستور اللبناني هي سبب الحرب في لبنان؟".
يقول الرفاعي في عصارة تجربته: "أدركت طوال مسيرتي النيابية كم كنت عاشقًَا الديمقراطية الممزوجة بالحرية... إنّ الأوطان تبنى باحترام قوانين الدولة كل يوم".
يوارى الرفاعي جسدًا في الثرى قبل ظهر اليوم في مسقط رأسه بعلبك. لكنه استقر في قلوب وعقول الأجيال التي عرفته رمزًا وطنيًا وحرًا مثل لبنان الذي عشقه الراحل الكبير.