حمود يُسهب في تحديد شروط التفاوض مع صندوق النقد: حجم الخسائر لم يَعُد مهماً

فوّض مجلس الوزراء أمس بموجب المادة 52 من الدستور، لجنة للتفاوض مع صندوق النقد الدولي برئاسة نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي (المدير السابق في هيئة الأسواق المالية التابعة لمصرف لبنان)، وعضوية كل من: وزير المال يوسف الخليل (مدير العمليات المالية السابق في مصرف لبنان)، وزير الاقتصاد والتجارة أمين سلام، المستشار الاقتصادي لرئيس الجمهورية شربل قرداحي، المسؤول المالي في "التيار الوطني الحرّ" رفيق حدّاد.

أعقب هذا التفويض طلب رئيس الجمهورية العماد ميشال عون اليوم من شركة "لازارد" ضرورة استكمال مهمتها الاستشارية للدولة اللبنانية في إطار التحضير للمفاوضات مع صندوق النقد الدولي من أجل النهوض بالاقتصاد اللبناني.

وعليه، بات ملف المفاوضات على نار حامية تمهيداً لانطلاقة مأمولة تنجح في التخلّص من الكمائن السياسية التي قد تُنصَب لها... وفي تخطي المطبّات الرقمية التي قد تطرأ في مثل هذه المحادثات.

الرئيس السابق للجنة الرقابة على المصارف سمير حمود اغتنم التحضيرات الجارية على هذا الصعيد، ليُلفت عبر "المركزية" إلى "ضرورة معالجة موضوعَين مع صندوق النقد الدولي:

- الأوّل: حجم القطاع العام.. كي نحدّد الموازنة السنوية ووقف العجز لعدم الحاجة إلى استدانة مستقبلية.

- الثاني: تحديد مسؤولية الدولة اتجاه الفجوة النقدية في مصرف لبنان".

ورأى في السياق، أن "على مجلس الوزراء بدايةً أن يتخذ قراراً بشكل واضح وصريح بالتفاوض مع صندوق النقد الدولي حول إعادة هيكلة الدين والتفاوض مع الدائنين ويضع الخطوط العريضة بقرار من مجلس الوزراء، كي يتمكّن الوفد من التفاوض مع صندوق النقد.

لكنه اعتبر أن "هذا الاتجاه لا يمنع إطلاقاً من الدخول في مشاورات خارجية وجانبية مسبقة للاطلاع على وجهة نظر الصندوق ومقاربتها مع وجهة نظر الحكومة، فصندوق النقد "عَطوف" على لبنان في هذا الموضوع... لكن لا مجال للتفاوض مع الصندوق بكلام عام من دون إعداد "الأجندة" الخاصة بطاولة المفاوضات تتضمّن الاتجاه العام الذي تريده الدولة اللبنانية هل في اتجاه إعادة هيكلة الدين وجدولته؟ ما هي الحسومات على الدين؟ ما هي الأسس المعتمدة للتفاوض مع الدائنين؟ كيف السبيل إلى تغطية الفجوة في مصرف لبنان؟ ماذا عن إعادة هيكلة المصارف؟ الودائع المصرفية؟

وقدّم حمود نصيحة إلى الحكومة اللبنانية تقضي بـ"ضرورة إعداد تصوّر داخلي قبل التوجّه إلى صندوق النقد الدولي"، وقال: لا يجوز للدولة أو الحكومة الذهاب إلى طاولة المفاوضات للطلب من صندوق النقد ماذا عليها أن تفعل... فنحن لدينا خبراء اقتصاد أكفياء، كما أن نائب رئيس مجلس الوزراء يعلم جيداً لغة صندوق النقد الدولي كونه كان أحد أعضائه، وكذلك وزير المال يفهمها تماماً. لذلك على الحكومة اللبنانية تحضير كامل المتطلبات والذهاب إلى طاولة المفاوضات لتقول لصندوق النقد ما تريده هي وكيف يمكن أن يساعدها في مطالبها... من هنا يصبح هامش الاختلاف والتباينات ضيّقاً.

ماذا عن الخسائر؟

في السياق، لفت حمود إلى أن "حجم الخسائر لم يَعُد مهماً أمام التزام الدولة تغطية فجوة مصرف لبنان الذي عليه أن يبرمج ما هو مطلوب منه من المصارف التي بدورها ستُجَدوِل ما هو مطلوب منها للمودِعين... من هنا، لا نخاف من أرقام الخسائر إن كانت 40 أو 60 أو 75 مليار دولار فيمكننا امتصاصها عبر تقسيطها على المدى الطويل، لكن بعيداً عن الفساد في المعالجات".

وتابع: إذا كان أي مصرف غير قادر على تغطية الودائع عبر برمجتها، فذلك يعني أنه أصبح يملك أموالاً خاصة وسيولة "سلبية"، وبالتالي عليه الخروج من السوق. لا توجد أي دولة في العالم قادرة على مساعدة المصارف وإنقاذها. لذلك أوافق على خطة التعافي التي يتحدثون عنها وعلى إعادة الهيكلة... المطلوب ليس خطة إنقاذ إنما خطة تعافي من مواردنا الداخلية، إن كان مصرف لبنان أو الدولة (لأنها مالكة للبنك المركزي)، وكذلك المصارف من مواردها الداخلية، شرط أن يلتزم كل مصرف بموارده.

وذكّر بأن "صندوق النقد ينطلق من نقاط الخلل الموجودة في البلد، لأن المعالجة تتطلب تصحيح الخلل القائم، والصندوق يتطلع دائماً إلى الخلل البنيوي أكثر منه إلى الخلل العابر، ففي لبنان خلل بنيوي يتمثل بالعجز الكبير في الموازنة السنوية حيث أصبح الدين العام يفوق النِسَب المقبولة، إضافة إلى العجز في ميزان المدفوعات لأنه يستند في جزء كبير منه إلى حجم التحاويل المالية إلى القطاع المصرفي وهذا الأخير "مَنكوب". لذلك مطالب صندوق النقد تكون صحيحة ورقياً، بكل مقاييس المعالجة من ضمن المعايير الدولية لتصحيح الوضع المختل لأي بلد".

لكنه لفت إلى "تضارب مصالح أو رؤية أي بلد مع صندوق النقد في اللغة الاجتماعية لأنه يرى أن كل بلد له خصوصيّاته في الداخل، ما لا يستطيع الصندوق فهمه في ظل الخلل والعجز القائم، هنا ممكن أن يحصل تضارب في الرؤى لكنه يمثل نحو 20 أو 25 في المئة كحد أقصى من المعالجة الكاملة، ما يمكن القول إن الاتفاق مع صندوق النقد سيكون بنسبة 75 في المئة. هذا الواقع لن يمنح لبنان ترف الانقسام مع صندوق النقد في الخطوة الأساسية".

ولم يغفل الإشارة إلى أن "الدولة عالقة في الدين المحرر بالعملات الأجنبية حيث هناك خلل في تسديده، وهي تتطلع إلى تسويات كبيرة. وهنا يعتبر صندوق النقد أن هناك فرصة في معالجة الدين العام من خلال تدهور قيمة الليرة اللبنانية والتفاوض مع الدائنين لاعتماد نظام الـHAIR CUT، كما يعتبر أن في حال انطلقت الدولة بتصحيح خلل المالية العامة، تنتقل إلى تصحيح وضعها في موازنتها السنوية، وتَبعد عن الاستدانة المفرطة في المستقبل، فيُصحَح وضعها المالي". وقال: هنا نختلف مع صندوق النقد، لاعتبارنا أن الدين العام لا يتوقف فقط على ما هو محرَر ومعلَن إن كان من سندات دين أو سندات خزينة، الدين العام هو التزام الدولة والمالية العامة بالفجوة الموجودة في مصرف لبنان. وإذا اعتبرت أن هذه الفجوة خارج إطار مديونتها ومسؤوليتها، عندها يصبح كلام صندوق النقد صحيحاً. من هنا السؤال ما هي مسؤولية الدولة من الفجوة داخل البنك المركزي ولماذا هذه الفجوة؟ هل هي مسؤولة بحسب المادة 113 من قانون النقد والتسليف عن تغطية هذه الفجوة؟ أم أنها تعتبر أن مصرف لبنان يمكن أن يعالجها بإعادة هيكلة ماليّته ووضعيّته مع المصارف. في حين أن القانون يُقرّ بمسؤولية الدولة اتجاه هذه الفجوة المالية... لذلك الخلاف يكمن هنا.