خاص: لكي تبقى تضحيات شهدائنا حية... على الصخر يُحفر تاريخ المقاومة اللبنانية

لولا هؤلاء الأبطال لما بقي لبنان، لولا هؤلاء العشرون ألف شاب لما بقي للمسيحيين مكان في بلاد الأرز، لولا المقاومة اللبنانية لكان تفتت الوطن وأصبح دويلات تابعة لميليشيات غريبة عن أصحاب هذه الأرض.

رجال ومناضلو المقاومة اللبنانية رَووا الأرض بدمائهم، حفروا على الصخر تاريخ حبهم للبنان، وتعمدوا معمودية نار للحفاظ على وجودهم. منذ عام 1963، الكتف على الكتف، كرسوا أنفسهم من أجل حماية كيانٍ، كان قد أصبح مجردا من قواه ومرتهنا للمجهول.

وبعد أربعين سنة على انتهاء الحرب الأهلية، شعرت جامعة الروح القدس – الكسليك بواجب توثيق وتأريخ هذه المسيرة النضالية. هي الجامعة التي لطالما لعبت دورا رياديا في دعم المقاومة اللبنانية حين أنشأت، بالتنسيق مع الأحزاب اللبنانية وعلى رأسها الكتائب وتحديدا مع الرئيس الشهيد بشير الجميّل، حركة "الجبهة اللبنانية"، فشكلت بذلك رمزية المقاومة.

وفي محاولة لتجميع ذاكرة النضال المشتتة، وقّعت جامعة الكسليك اتفاقية تعاون مع عضو المكتب السياسي الكتائبي والقائد العسكري السابق في حزب الكتائب ومؤسس فرقة الـ"ب.ج." سامي خويري، في إطار مشروع أرشيف المقاومة اللبنانيةARC –Archives de la Résistance Chrétienne ، الذي يديره مركز فينيكس للدراسات اللبنانية  في الجامعة، والذي يهدف إلى حفظ تاريخ المقاومة اللبنانية اللبنانية بين سنتي 1964 و1990.

في السياق، أكد خويري، في حديث لموقعنا، أن "هذه الذاكرة يجب أن تُجمع وتُحفظ في مكان آمن وتُصاغ على أساس الحقيقة المجردة أي دون الإنحياز وذلك من أجل ثقافة شبابنا ولكي لا تصل اليهم الحقائق ضمن دائرة ضيقة أو بطريقة مغلوطة ومغايرة للأحداث."

وأوضح أنه سيتم التركيز على شهادات حية من أشخاص عاشوا تلك المرحلة بكل تفاصيلها، بل كانوا في الميدان، وسط المعارك، لأن غالبية الأحداث الميدانية ليست معروفة مشيرا الى أنه لن يدخل في حساسيات الأحزاب انما سيحاول أن ينقل تجارب كل أطراف الجبهة اللبنانية من الأحرار والتنظيم وحراس الأرز والكتائب، ولن يستثني أحدا من الذين حاربوا ودافعوا كي تكون الحقائق مجردة.

يستعيد خويري ذاكرته، التي لم تخونه يوما لشدة تأثره في كل حدث ومعركة عاشها، ويروي لنا كيف وجدت القوى النظامية في حزب الكتائب نفسها مضطرة للدفاع عن بيوتها وشوارعها ومناطقها.

يُخبرنا بفخر عن هؤلاء الذين قادوا معارك ضارية "دفاعا عن مناطقنا بدءا من الهوليداي ان وصولا الى شكا، وذلك بعد تقاعس قوى الأمن في ذلك الحين عن مهامها بقرار سياسي، وتعطيل القرار العسكري في البلاد، وازدياد تدفق المسلحين الفلسطينيين تجاه مناطق عين الرمانة ورأس الدكوانة ومنطقة الفنادق والأسواق التجارية".

أرادت الكسليك بالتعاون مع خويري، أحد أبرز القادة الميدانيين في حزب الكتائب، أن توثق هذه التضحيات وتبوبها وتدون المراجع والمذكرات والصور والأفلام والشهادات الحية التي تخص تاريخ المقاومة اللبنانية منذ أواخر الستينيات حتى نهاية الثمانينيات من القرن العشرين.

وأشار خويري الى أن هذه المهمّة الدقيقة تتطلب حوالي السنة ونصف السنة لإنجازها علما أن الإنفتاح وتقبل الرأي الآخر سيكونان الشرطين الأساسيين للوصول الى حقيقة مجردة وشبه موضوعية.

ولفت الى أن الأرشيف سيُوثق بشكل تقني أي أنه سيُحفظ إلكترونيا عبر برنامج يمكن للطلاب الوصول اليه بشكل بسيط عبر كلمات بحث ورموز معينة.

لكي تبقى تضحيات شهدائنا حية، لكي تظل انجازات المقاومة اللبنانية إرثا ثقافيا للأجيال القادمة، لكي تُقدر وتُرفع رايات الرجال الأبطال المقاومين، سيُكتب هذا التاريخ الحديث لأنه فخر لبنان والمسيحيين.