خطاب نعيم قاسم: السلاح في مواجهة الدولة والغربة مع الآخرين

أعاد الخطاب الأخير لنائب الأمين العام لـ"حزب الله" الشيخ نعيم قاسم الجدل الداخلي اللبناني إلى الواجهة، بعدما شدّد على تمسّك الحزب بخيار المقاومة وسلاحها في مواجهة المشروع الأميركي ـ الإسرائيلي، رافضاً قرار الحكومة اللبنانية الأخير حصر السلاح بيد الدولة، ومعتبراً أن هذا القرار بمثابة "نزع للشرعية عن الحكومة" و"خدمة لإسرائيل".

قاسم، الذي شبّه المقاومة بخط الإمام الخميني والإمام الخامنئي، في مقابل تصوير الولايات المتحدة وإسرائيل بوجه "يزيد العصر"، قدّم خطاباً يرسّخ التعبئة داخل البيئة الحاضنة للمقاومة، لكنه في المقابل يعمّق الفجوة مع مكوّنات لبنانية أخرى ترى في هذا المنطق تكريساً لهيمنة الحزب على الدولة.

كلمة قاسم، بما حملته من مواقف عالية السقف، تطرح جملة من التداعيات على الداخل اللبناني أهمّها مزيد من الانقسام السياسي، فالخطاب وضع "حزب الله" في مواجهة مباشرة مع قرار الحكومة، معتبراً أنه "قرار خطيئة"، وهو ما يزيد الشرخ بين القوى السياسية بدل أن يفتح نقاشاً وطنياً جامعاً حول التفاعل مع قرارات الشرعية.

ويمكن وضعه أيضاً في سياق إضعاف موقع الحكومة، فاتهامها الحكومة بأنها نزعت الشرعية عن نفسها يعمّق الأزمة الدستورية ـ السياسية، ويضعف موقفها في الداخل والخارج، ويظهر الدولة كأنها فاقدة القدرة على فرض قراراتها.

وعلى رغم إعلان الاتفاق مع حركة أمل على تأجيل النزول إلى الشارع، فإن تحميل الحكومة مسؤولية أي فتنة أو انفجار داخلي يشكل ضغطاً سياسياً وأمنياً متواصلاً عبر الاحتفاظ بورقة الشارع ويترك باب المواجهة مفتوحاً، بالإضافة إلى أن دعوة قاسم إلى عدم زج الجيش في مواجهة مع المقاومة تضع المؤسسة العسكرية بين مطرقة التزامها بقرارات الدولة وسندان تفادي الصدام مع "حزب الله" ويحرج المؤسسة العسكرية.

وفي الختام استدعاء مشهد كربلاء يكرّس الطابع الديني ـ المذهبي للخطاب، ما يفاقم الغربة السياسية والوطنية بين "حزب الله" وسائر المكونات اللبنانية التي تطالب بحصرية السلاح بيد الدولة.

خطاب الشيخ قاسم لم يمرّ من دون ردود داخلية، إذ صدرت مواقف معارضة من عدة قوى سياسية وقيادات بارزة أبرزها القوى المسيحية: رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع اعتبر أن خطاب حزب الله "إصرار على وضع لبنان في محور الممانعة وعلى حساب وحدة الدولة وسيادتها"، مؤكداً أن "لا دولة بوجود سلاح غير شرعي"، والقوى السنية: الوزير السابق أشرف ريفي وصف كلام قاسم بأنه "استقواء على الدولة وشرعيتها"، محذراً من "توريط لبنان في حروب لا يريدها اللبنانيون"، ومشيراً إلى أن "المقاومة الحقيقية هي في بناء الدولة القوية".

والقوى الدرزية: فالاشتراكي رأى أن ما قاله قاسم "يضع لبنان أمام خطر الانزلاق إلى فتنة داخلية"، داعياً إلى "توحيد الجهود لحماية المؤسسات الشرعية بدل تقويضها".

هذه الردود المتزامنة من قوى مسيحية وسنية ودرزية، تعكس واقعاً سياسياً خطيراً: فخطاب "حزب الله" الذي يشدد على حصرية المقاومة وسلاحها بدا كأنه يضع الطائفة الشيعية في مواجهة مباشرة مع باقي الطوائف. وهو ما قد يؤدي إلى مزيد من عزل الشيعة سياسياً عن بقية المكونات، ويفتح الباب أمام خطاب "المظلومية" الذي يتغذى منه الحزب لتثبيت نفوذه داخل بيئته.

لكن الخطر الأكبر يكمن في أن هذا الاصطفاف الطائفي الحاد يعيد لبنان إلى معادلة الأكثرية مقابل الأقلية، ويهدد بتقويض أي إمكانية لحوار وطني جامع. فبينما يثبّت "حزب الله" موقعه داخل بيئته الشيعية، فإنه في المقابل يعزز الغربة عن باقي اللبنانيين، ويفاقم شعورهم بأن قرار الحرب والسلم ما زال خارج سلطة الدولة.

وفي قراءة للمشهد، يرى التيار الوطني عبر مصادر قيادية فيه أن خطاب قاسم "ينطوي على مخاطر كبيرة إن لم يتبعه مسار تهدئة وحوار"، موضحاً أنّ "المشكلة لا تكمن في مضمون التمسك بخيار المقاومة بقدر ما تكمن في وضع طائفة بأكملها في مواجهة بقية الطوائف، ما قد يعمّق الشرخ الوطني ويحوّل الصراع من سياسي إلى طائفي مباشر". ويضيف: "إن لم يتم إيجاد صيغة تفاهم تُعيد الاعتبار لسلطة الدولة وتوازن علاقتها بالمقاومة، فإن لبنان مهدّد بالدخول في مرحلة جديدة من عدم الاستقرار وربما الفوضى".

في المحصلة، خطاب الشيخ نعيم قاسم بدا رسالة واضحة إلى الداخل والخارج بأن "حزب الله" لن يتخلى عن سلاحه مهما كان الثمن. لكنه على المستوى الوطني عمّق الانقسام، وأظهر أن الطائفة الشيعية، بغطاء "حزب الله" وحركة أمل، باتت في موقع المواجهة مع بقية المكونات اللبنانية. هذه المعادلة، إن لم تُكسر عبر حوار جدّي ومسؤول، تهدّد بجرّ لبنان إلى مزيد من العزلة والاضطراب الداخلي، وتكرّس معادلة "السلاح في مقابل الدولة".