المصدر: المدن
الكاتب: ندى اندراوس
الجمعة 22 آب 2025 02:03:10
خلافًا لما أشاعه البعض ولا سيما ما قاله وزير الخارجية والمغتربين يوسف رجي، يواصل الجيش اللبناني إعداد خطته الشاملة لحصر السلاح بيد الدولة، ملتزمًا تكليفه بذلك من مجلس الوزراء ضمن المهلة التي أُعطيت له. أي أن هذه الخطة ستُعرض على طاولة الحكومة في جلستها المقررة مطلع أيلول المقبل. ووفق ما علمت "المدن"، فإن اللجنة العسكرية التي تضم ضباطًا من مديريات العمليات والمخابرات والتجهيز تواصل عملها لتقديم خطة متكاملة في الموعد، من دون أي إعلان رسمي من القيادة قبل عرضها على مجلس الوزراء.
القرار السياسي والخطوط الحمراء
قرار الحكومة تكليف الجيش صياغة خطة حصر السلاح، الذي يحاول البعض تصويره بمثابة رمي كرة النار في ملعب المؤسسة العسكرية، تنفيه مصادر معنية وتؤكد أن الهدف هو وضع إطار عملي يوازن بين متطلبات السيادة من جهة، وتفادي أي صدام مباشر مع حزب الله من جهة ثانية، باعتبار أن أي مواجهة من هذا النوع قد تخرج عن السيطرة وتفتح على سيناريوهات خطيرة داخليًا وإقليميًا، والجيش أصلًا ليس في وارد الانجرار إليها أو القبول بها.
مصادر مطلعة شددت لـ"المدن" على أن القيادة ومعها المجلس العسكري "حسمت خطوطًا حمراء واضحة، ولا خطوات أحادية يمكن أن تُفجّر الساحة". القاعدة الأساس التي يعمل وفقها الجيش هي "القبول الطوعي"، أي الانطلاق من مبدأ التفاهم مع القوى السياسية والفصائل المعنية، كما حصل سابقًا جنوب نهر الليطاني بعد صدور القرار 1701، حيث تم الانتشار بسلاسة ومن دون صدام.
بناءً عليه، لا يعد الجيش بتسليم السلاح أو إنجازه بالكامل ضمن مهلة محددة، لأنه ليس هو من يملك تقدير حجم انتشار السلاح على الأراضي اللبنانية، ولا الزمن الذي قد تحتاجه العملية. "الأرض تحدّد الوقت"، تقول المصادر، مشيرة إلى أن التنفيذ لن يكون ممكنًا إلا برضى الأطراف كافة، وإلا فإن احتمال حصول مشاكل يبقى قائمًا.
المراحل التنفيذية
تتدرج الخطة وفق أربع مراحل جغرافية وزمنية متكاملة، تسعى إلى تثبيت سلطة الدولة تدريجيًا وتفادي أي فراغ أمني:
-المرحلة الأولى – الجنوب
تبدأ من المنطقة الواقعة جنوب نهر الليطاني، حيث يعمل الجيش على تعزيز نقاط انتشاره بالتوازي مع قوات اليونيفيل، مع إعادة رسم خريطة المواقع العسكرية وتكثيف الدوريات المشتركة. الهدف الأساس هو الاستعداد لملء أي فراغ محتمل إذا لم يُمدّد لمهمة اليونيفيل السنة المقبلة، وضمان بقاء السيطرة تحت سلطة الدولة. مع العلم أنّ قدرات الجيش الحالية لا يمكنها أن تملأ الفراغ الذي قد يحدثه إنهاء مهام اليونيفيل.
المرحلة الثانية – الضواحي والمدن الكبرى
تتركّز على ضاحية بيروت الجنوبية وبعض المناطق الحساسة في صيدا وطرابلس وغيرها، حيث السلاح منتشر في بيئات سكنية مكتظة. هناك ستُنشأ نقاط أمنية ثابتة تُدعم بدوريات متحركة، لضبط الأمن والحدّ من أي استخدام عشوائي للسلاح، من دون الدخول في مواجهة مباشرة مع القوى الحزبية أو الأهلية.
المرحلة الثالثة – البقاع والشمال
تمتد إلى البقاع ومناطق عكار، حيث ينتشر، بالإضافة إلى سلاح الحزب، السلاح العشائري والفصائل المسلحة، إضافة إلى خطوط التهريب عبر الحدود السورية. في هذه المرحلة، سيُعزّز الجيش حضوره عبر حواجز ونقاط مراقبة جديدة، مع تشديد الرقابة على المعابر غير الشرعية وضبط حركة الأسلحة والذخائر.
المرحلة الرابعة – التثبيت الشامل
تُعتبر المرحلة النهائية، وتشمل بقية المناطق اللبنانية، بما في ذلك القرى والبلدات الجبلية في جبل لبنان، حيث ينتشر السلاح الفردي الخفيف والمتوسط أو مجموعات صغيرة خارجة عن القانون. في هذه المرحلة، يُدمج الجيش عمله مع قوى الأمن الداخلي والأمن العام، ويُنسّق مع البلديات والسلطات المحلية، لتثبيت سلطة الدولة ومنع أي إعادة إنتاج لمربعات خارجة عن الشرعية.
شقّان أساسيان
الخطة التي تعمل عليها لجنة الضباط تشمل شقّين أساسيين:
-الشق اللوجستي: ويتضمن تنمية الموارد، تطوير وسائل التنفيذ، وتأمين ما يلزم من تجهيزات لتنظيم القتال، إضافة إلى تقدير حاجات الجيش في حال طُلب منه أن يحلّ مكان قوات اليونيفيل مستقبلًا.
-الشق البشري: ويتعلق برفع العديد وزيادة الموارد البشرية اللازمة لمواكبة أي خطة انتشار أو جمع سلاح. وتؤكد المصادر أن أي تنفيذ ميداني يحتاج إلى استعدادات كبيرة تتجاوز الإمكانات الحالية للمؤسسة العسكرية.
سقف واضح لا تراجع عنه
على الرغم من التعقيدات، النقطة الوحيدة التي حُسمت بلا لبس هي أن "الجيش لن يشرعن أي سلاح خارج إطار السلطة الشرعية". هذه القاعدة، التي تُشكل التقاءً بين الموقف الرسمي والتوجه الدولي، ستكون الركيزة الأساسية للخطة التي ستُعرض على مجلس الوزراء نهاية الشهر الجاري.
من المنتظر أن يُشكّل عرض الخطة على مجلس الوزراء اختبارًا دقيقًا للتوازنات الداخلية. فإذا قرر ثنائي حركة أمل وحزب الله عدم المشاركة في الجلسة، فإن الحكومة ستواجه مأزقًا مزدوجًا: فمن جهة، ستبدو عاجزة عن إقرار خطة وطنية كبرى من دون موافقة المكوّن الشيعي الأساسي، ومن جهة ثانية، قد يُنظر إلى أي إقرار للخطة بغياب الثنائي كخطوة تصعيدية تستجلب مزيدًا من الضغوط والتوترات.
وفي المقابل، فإن حضور وزراء الثنائي إلى الجلسة، ولو بتحفّظ، سيتيح للحكومة إظهار نوع من التوافق الداخلي يُخفّف من وطأة الضغوط الخارجية، خصوصًا تلك المرتبطة بسلاح حزب الله والتمديد لقوات اليونيفيل. وهكذا، يصبح مسار الخطة ليس فقط أمنيًا أو عسكريًا، بل أيضًا سياسيًا بامتياز، حيث ستُختبر قدرة الدولة على الجمع بين مطلب المجتمع الدولي بحصر السلاح، وحساسية التوازنات الداخلية التي لا يزال سلاح حزب الله في صلبها.