خطة الدولة لحصر السلاح تحت الضغط... إسرائيل تُعرقل و"حزب الله" يُهدّد الداخل

حوّل "حزب الله" قضيّة سلاحه إلى معركة "وجودية" ضد الداخل، عبر سقف مرتفع لمواقفه ضد الحكومة أعلنها أمينه العام الشيخ نعيم قاسم، معتبراً أنها تنفذ الأمر الأميركي والإسرائيلي بإنهاء المقاومة في لبنان وملوّحاً بحرب أهلية، إذ على رغم المرحلة الخطيرة التي يمر بها لبنان سياسياً وأمنياً، تجاوز الحزب كل نتائج الحرب الإسرائيلية وموافقته على اتفاق وقف النار الذي ينص على انسحابه من جنوبي الليطاني وسحب سلاحه، لكنه قلب الأمور لمواجهة الحكومة مهدداً بحرب أهلية إذا نفذت قرارها.

بيد أن التصعيد الناري للحزب لا يمكن تفسيره إلا بالعلاقة مع التوجه الإيراني لإعادة إحياء قوى المحور أو ما بقي منه، خصوصاً بعد زيارة علي لاريجاني لبيروت، إذ تسعى طهران إلى وضع أذرعها في قلب معركتها مجدداً وعلى طاولة التفاوض مع الأميركيين، فمنحت شحنة لـ"حزب الله" ورافعة عززت رفضه لمسار الدولة.

وعلى وقع التهديدات، يترقب لبنان ما ستحمله زيارة المبعوثين الأميركيين توم برّاك ومورغان أورتاغوس إلى بيروت بشأن تطبيق الورقة الأميركية التي وافق عليها مجلس الوزراء مع تعديلاتها اللبنانية. وبينما تشير المعلومات إلى أنهما سيحثان الحكومة على التعجيل بقرارها نزع السلاح، سيقدم لبنان مقاربة مختلفة لا تتناقض وأهداف الورقة، انطلاقاً من الخطة التي سيرفعها الجيش إلى مجلس الوزراء قبل 31 آب الحالي، إذ وفق مصادر سياسية متابعة، تسعى الحكومة إلى أن تميّز خطتها العملية عن الطرح الأميركي، وتتجه بالعلاقة مع الجيش إلى تنفيذ تدريجي على مراحل لسحب السلاح. وتستعد الحكومة لمناقشة كيفية مساعدة الأميركيين في الضغط على إسرائيل التي تصر على عدم الانسحاب من النقاط المحتلة ورفضها انتشار الجيش اللبناني على الحدود، بما يعني أنها لا تزال بعيدة عن المسار الذي تحاول واشنطن تكريسه وفق ورقة برّاك. وتفيد المصادر أن الحكومة ستبذل جهوداً أكبر لدفع الأميركيين لممارسة ضغوط على إسرائيل لوقف اعتداءاتها والبدء بالانسحاب توازياً مع قرار سحب السلاح، فهذا الأمر يخرج الدولة من مأزق أي مواجهة محتملة مع الحزب عبر تفاهمات معينة، وتوفير غطاء سياسي لخطة الجيش، يقلّص احتمالات الانفجار الداخلي.

ويبدو أن هناك سباقاً بين السير بقرار مجلس الوزراء وبين الانفجار على وقع تهديد قاسم بحرب أهلية، إذ إن ما ستحمله الأيام المقبلة بعد زيارة برّاك وأورتاغوس، وما يمكن أن يكون عليه الوضع على الحدود السورية، فضلاً عن التصعيد الإسرائيلي، قد يفتح على احتمالات عدة. فلا أحد يمكن أن يتنبأ بالخطوات التي سيقوم بها الحزب، علماً بأن مشاوراته مع الرئيس نبيه بري وضعت جانباً استخدام الشارع حتى الآن، إذ إن رئيس مجلس النواب لا يريد أن تذهب الأمور إلى فوضى قد ترتد على الطائفة نفسها. لكنْ هناك خطر من أن يفتح التصعيد على خطوات شبيهة بمرحلة 2008، وإن كان "حزب الله" لا يستطيع تكرار تجربة اجتياح بيروت والجبل كما فعل في 7 أيار من ذلك العام، إذ إنه في حينها كانت المعادلات مختلفة وموازين القوى أيضاً، فيما اليوم هناك حصار على الحزب، وسوريا مقفلة أمامه، أي إن الحزب عندما يهدد بحرب أهلية، ليست لديه اليوم القدرة على تنفيذ انقلابات، خصوصاً بعد الضربات التي تلقاها خلال الحرب الإسرائيلية، ووسط الضغوط الأميركية والتغييرات في المنطقة كلها. لكن الخطر هو من الانفلات الذي يمكن أن يجر البلاد إلى الحرب الأهلية، وان كانت مختلفة هذه المرة، إذ ليس من طرف مقابل الحزب يريد الحرب، إلا إن كان التهديد يستهدف الدولة والجيش حصراً. وحتى إن تمكن الحزب من تعديل قرار الدولة، وفرض العودة إلى استراتيجيته، فإن لبنان سيتعرض لمزيد من الضغوط الخارجية، فيما إسرائيل تستثمر ما يقدمه الحزب من ذرائع، تضع البلاد أمام مصير مجهول.