خلفيّات أبعد من أمنيّة وراء تحذيرات دول لرعاياها؟

جاء في صحيفة النهار: 

قبل أن ينحسر وهج الذكرى الثالثة لانفجار مرفأ بيروت بكل ما حفلت به من مواقف داخلية وخارجية ودولية سلطت الأضواء على مسألة الأمن والعدالة والإفلات من العقاب في لبنان فوجئ اللّبنانيون في الساعات الأخيرة بسلسلة غير محسوبة لتحذيرات ديبلوماسية من دول صديقة للبنان تطلب من رعاياها تجنب مناطق معينة او حتى مغادرة لبنان. بدا الأمر أوّلاً على خلفية أحداث مخيم عين الحلوة لكن الغموض والالتباس غلّفا هذا التطور بما أثار الخشية من وجود خلفيات أخرى لعلّها تتّصل بالأزمة السياسيّة الأكبر في لبنان والضغوط التي تمارس على لبنان في ظلّها علماً أنّ المعطيات الأمنية ليست بالقدر الكافي من الخطورة التي تبرّر هذه الظاهرة. ولم يكن خافياً أنّ حالة إرباك واسعة أصابت الحكومة والسلطة بسبب هذه التحذيرات التي خشي أن تعكّر الموسم السياحي الذي يشهد فورة كبيرة يأمل منها اللبنانيّون بتعزيز بعض العافية التي يفتقدها لبنان بقوة. ولكن هذا الإرباك للحكومة لم يقتصر على مسألة التحذيرات الديبلوماسية وإنّما زادها إحراجاً الإشكال العلني الذي تسبّب به وزير الاقتصاد أمين سلام مع الكويت بفعل "فلتة كلامية" كادت تتسبّب بأزمة ديبلوماسية جدية بين لبنان والكويت.

وإذا كان هذا الإرباك شغل الحكومة والأوساط الرسمية في نهاية الأسبوع الحالي فإنّ الاهتمامات ستتركز مع بداية الأسبوع الطالع على المسلك الذي ستسلكه مشكلة تشريع الاقتراض المالي للدولة من مصرف لبنان علماً أنّ هذه المشكلة تتّجه نحو تداعيات سلبية اذا تمترس الأطراف المعنيون بها وراء المواقف التي اتّخذوها في الأيام الأخيرة وهم الحكومة ومجلس النواب وحاكم مصرف لبنان بالوكالة. فلا الحاكم الجديد بالنيابة سيكون سهلاً عليه القبول لاستمرار آليات الإنفاق المالي على متطلبات الدولة كما كانت جارية أيام الحاكم السابق رياض سلامة في ظل ما تسبّبت السياسات السابقة من كوارث. ولا سيكون سهلاً على الحكومة أو المجلس تحمل تبعات تغطية المس بالاحتياطي الإلزامي لمصرف لبنان وهو بقايا أموال المودعين.

وتبعاً لذلك فإنّ المأزق يواجه انسداداً خطيراً تتوجّه معه الأنظار إلى ما يمكن أن يجري من مباحثات "ومفاوضات" بين رئاسات الحكومة والمجلس وحاكمية المصرف المركزي والقوى السياسية أيضاً لأنّ الأزمة الناشئة تهدّد بتداعيات حادّة في حال عدم اجتراح مخرج لها بسرعة.

أمّا في موضوع التحذيرات الديبلوماسية المتصلة بالواقع الأمني في لبنان فأفادت معلومات رسمية أنّ رئيس الحكومة نجيب ميقاتي تابع مع وزيري الخارجية والمغتربين عبدالله بو حبيب والداخلية والبلديات بسام مولوي، التطوّرات المتّصلة بالبيانات التحذيريّة الصّادرة عن سفارات المملكة العربية السعودية والكويت وألمانيا لرعاياها في لبنان.

وبنتيجة البحث مع القيادات العسكرية والأمنية، "أفادت المعطيات المتوافرة أنّ الوضع الأمني بالإجمال لا يستدعي القلق والهلع، وان الاتّصالات السياسيّة والأمنية لمعالجة أحداث مخيم عين الحلوة قطعت أشواطاً متقدّمة، والأمور قيد المتابعة الحثيثة لضمان الاستقرار العام ومنع تعكير الأمن أو استهداف المواطنين والمقيمين والسيّاح العرب والأجانب.

وكلّف ميقاتي بو حبيب التواصل مع الأشقّاء العرب لطمأنتهم إلى سلامة مواطنيهم في لبنان". كما طلب من مولوي دعوة مجلس الأمن المركزي للانعقاد للبحث في التحديات التي قد يواجهها لبنان في هذه الظروف الإقليمية المتشنجة، واتخاذ القرارات المناسبة لحفظ الامن في كل المناطق.

من جانبها، أفادت قيادة الجيش في بيان "تداول بعض مواقع التواصل الاجتماعي معلومات نقلًا عن مصدر عسكري حول تحضير الجيش لتنفيذ عملية عسكرية في مخيم عين الحلوة . يهم قيادة الجيش أن تنفي صحة هذه المعلومات، وتؤكد أنها تتابع بدقة الوضع الأمني في المخيم. كما تشدد على ضرورة العودة إلى بياناتها الرسمية حصرًا للحصول على المعلومات".

وكانت سفارة دولة الكويت "أهابت بمواطني دولة الكويت المتواجدين في الجمهورية اللبنانية إلتزام الحيطة والحذر والإبتعاد عن مواقع الإضطرابات الأمنية في بعض المناطق والتقيد بالتعليمات الصادرة عن السلطات المحلية المختصة". بدورها طالبت السفارة السعودية لدى لبنان، "المواطنين السعوديين بمغادرة الأراضي اللبنانية بسرعة، محذّرةً إيّاهم من الاقتراب من المناطق التي تشهد نزاعات مسلحة". ولم تحدّد السفارة المناطق التي يجب الامتناع عن الاقتراب منها، إلا أن المملكة قامت، في أول آب الجاري، بتحديث توجيهات السفر إلى لبنان ونصحت بتجنّب "كافة أنواع السفر غير الضروري" إلى مناطق في جنوب لبنان قرب مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين.

في المقابل غردت السفارة الألمانية: "خلافاً للشائعات ألمانيا حالياً لا تطلب من مواطنيها المغادرة" بعدما كان وزع بيان في هذا الاتجاه.

ومساء أصدرت البحرين بياناً دعت فيه مواطنيها إلى "مغادرة لبنان حفاظاً على سلامتهم". وحذرت المتواجدين من الاقتراب من مناطق النزاع.


أزمة مع الكويت؟
أمّا الإشكال مع الكويت فأثارته تصريحات أطلقها وزير الاقتصاد أمين سلام في معرض مناشدته دولة الكويت إعادة بناء صوامع القمح التي دمّرها انفجار مرفأ بيروت، من أنه بعث برسالة قبل 3 أسابيع إلى الكويت عبر الخارجية اللبنانية يناشد فيها "باسم الشعب اللبناني إعادة بناء إهراءات القمح"، وأنه بـ"شخطة قلم" يمكن أن تبني الكويت إهراءات لبنان في بيروت وطرابلس". وعلى الأثر أعرب وزير الخارجية الكويتي الشيخ سالم الصباح عن "استنكار واستغراب الكويت الشديدين لتصريح وزير الاقتصاد اللبناني"، واصفاً إيّاه بأنّه "يتنافى مع أبسط الأعراف السياسية ويعكس فهماً قاصراً لطبيعة اتخاذ القرارات في دولة الكويت، والمبنية على الأسس الدستورية والمؤسساتية بما في ذلك المنح والقروض الإنسانية التي تقدمها حكومة دولة الكويت للدول الشقيقة والصديقة". وأوضح أن الكويت تمتلك سجلاً تاريخياً زاخراً بمساندة الشعوب والدول الشقيقة والصديقة، إلّا أن دولة الكويت ترفض رفضاً قاطعاً أي تدخل في قراراتها وشؤونها الداخلية. وحث على سحب هذا التصريح، حرصاً على العلاقات الثنائية الطيبة القائمة بين البلدين الشقيقين.

على الإثر، عقد سلام بعد الظهر مؤتمراً صحافيّاً أعلن فيه أنّ "التباساً كبيراً حصل باستعمال تعبير معين في المقابلة التي أجريتها وهي ببساطة كنا نؤكّد المؤكّد فيها بدعم الكويت للبنان الذي ما زال موجوداً"، موضحاً: "قصدنا من خلال استعمال مقولة "بشخطة قلم" وهي عبارة تستخدم باللغة اللبنانية العامية أنّ الموضوع قابل للتنفيذ وبسرعة".

وأصدر المكتب الإعلامي للرئيس نجيب ميقاتي بياناً أفاد أنّه "عطفاً على تصريح وزير الاقتصاد والتجارة أمين سلام المتعلّق بإعادة بناء إهراءات القمح في لبنان ودعوته دولة الكويت الشقيقة وسمو أميرها بالمساعدة في ذلك، والتوضيح اللاحق الذي أصدره الوزير بشأن مقصده، يهم رئيس الحكومة نجيب ميقاتي تأكيد عمق العلاقة بين الدولتين والشعبين الشقيقين ومتانتها والتي لن تشوبها شائبة، كما يؤكّد أنّ دولة الكويت الشقيقة لم تتوان، ضمن الأصول، عن مد يد العون لإخوانها في لبنان على مر العقود".