خلفيات الخلافات الرحبانية: الدنيا دوّارة!

"إسم فيروز لا تنطقوه! لا في حفلاتكم ولا في سهراتكم وأحاديثكم. كفاية متاجرة ونحن موجودون! هل فهمتم؟"
 
تلك بعض العبارات الواردة في المنشور الأخير للمخرجة ريما الرحباني. بـ"إيموجي" طلاء الأظافر وتوقيع باسمها الثلاثي، ترسم ريما، وريثة عاصي وفيروز، مساراً جديداً للخلافات الرحبانية - الرحبانية. 

ليست تلك الحديّة جديدة على المنشورات المطوّلة في صفحة ريما في "فايسبوك". تصاعدت الخلافات في السنوات الأخيرة بشكل قياسي، وباتت متاحة أمام الغعلام عبر بيانات وتغريدات.

"رحبانيات" عمر غدي الرحباني
والبيان المقتضب الذي نشرته ريما، صباح الإثنين، تُبين أنها تمهد فيه لبيان موسع تقصد به حفيد منصور، عمر غدي الرحباني، الذي من المقرّر أن يحيي حفلة في 12 تشرين الأول/أكتوبر الجاري في كازينو لبنان تحت عنوان: "رحبانيات".
المشكلة الأساسية، بنظر ريما، هي "المسّ" بالأرشيف الرحباني والفيروزي من دون الحصول على إذن مسبق. وهي أساساً لن تعطي هذا الحقّ كون منصور "كان يضع العصي بالدواليب لفيروز في كل الأماكن ويرسل لها إنذارات"، كما قالت في بيانها. ويشير هذا الإعلان إلى ردّ متأخر من ريما على عمها. ردّ على ممارسات سابقة، وذلك إثر حيازتها سلطة قانونية تخولها ذلك، بعدما كانت السلطة في السابق في يد منصور. "الدنيا دوارة"، كما يقول المثل الشعبي. 

والردّ جاء مفصلاً في منشورها الأخير. "ربنا يمهل ولا يهمل"، قالت ريما: "حاول إيقاف حفلات عديدة لفيروز"، و"رفع دعوى على فيروز في الشارقة بعدما قبض حصته المالية منها"، و"طلب جلبها مخفورة اليدين بحجة تشويه مسرحية صحّ النوم".. وذكّرت ورثة منصور بالـ"سلبطة" وتوقيف مسرحية "يعيش يعيش" ومنع فيروز من إعادة العمل. 

والحال إن شرارة النزاع الرحباني بدأت تظهر بعد وفاة عاصي في العام 1986، وتصاعدت قبل رحيل منصور. إذ رفع الأخير دعوى قضائية ضد فيروز في العام 2008، مطالباً ايّاها بسداد مبلغ 100 ألف دولار لتقديمها مسرحية "صح النوم" في دمشق، عدا عن حقوقه من الأغاني التي قدّمتها في الحفلات. وأشارت معلومات صحافية في حينها أنّ وصيّة منصور تضمّنت رغبته في متابعة إجراءات الدعوى القضائية ضد زوجة أخيه. 

أسامة الرحباني: لا خلاف
"البيان واضح ولا يوجد أي خلاف"، بهذه العبارة اكتفى رئيس مجلس المؤلفين والملحنين في لبنان، أسامة الرحباني، خلال رّده على أسئلة "المدن"، رافضاً إقحامه في أي سجال يتعلّق بالخلاف الرحباني - الرحباني. 

لكن، من وجهة نظر مراقبين من بعيد، ومعنيين بالشأن الفني والإرث الثقافي، يندرج الخلاف في سياق ما فرضته ريما على كل من غنّى لفيروز، أو سيغنّي، أو يفكّر في الغناء لها أو التصرف في أعمالها بأي شكل كان.. وكانت قد انتقدت في السابق فنانين غنوا أغاني لفيروز في مسارح الحفلات والمهرجانات، ووضعت حداً لتداول الأغاني في صفحات إلكترونية لا تعود الى صفحات فيروز الرسمية، وهي في المبدأ، تتصرف بشكل محق لحماية حقوق الملكية الفكرية في مواقع التواصل الاجتماعي، رغم بعض المبالغة، إذ أن فيروز عملياً ليست ملكاً لأحد، بل هي إرث لبناني ووطني وعربي.

زياد الغائب… حاضر مع ريما
المفارقة أنّ شقيق ريما، الملحن والموزع الموسيقي زياد الرحباني، دخل في السجال نفسه، وأضيف اسمه إلى التوقيع في البيانين اللذين نشرتهما ريما أخيراً. زياد الذي لم يتدخل من قبل في التجاذبات، بل حاول فضّ الخلاف سابقاً، بات اليوم جزءاً أساسياً من فريق ريما الرحباني في وجه أبناء عمّهما مروان وغدي وأسامة. 

وإضافة إلى أنّ ريما، أخذت على عاتقها كل الأمور اللوجيستية والعملية لعائلة عاصي، وهي الاسم اللامع حالياً، تعيد بنفسها نشر بياناتها عبر حساب فيروز الرسمي في مواقع التواصل الاجتماعي. 

فعلياً، تحاول ريما أن تقف كحاجز صلب أمام كل ما تعتبره اعتداء على إرث والدتها. الخلاف يشتعل اليوم، وبات الأمر مستفزاً لكل من يعتبر أعمال فيروز إرثاً وطنياً عاماً. 

الحقوق الأدبية والمادية
قانونياً، لا يبرر الارتباط اللبناني والعربي الوجداني، بفيروز، التصرف في حقوقها بشكل اعتباطي. وكانت أنشئت الهيئة الإدارية لمجلس المؤلفين والملحنين في لبنان، برئاسة أسامة الرحباني، وإشراف شركة المؤلفين والملحنين وناشري الموسيقى في العالم "ساسيم" (SACEM)، وتعمل الأخيرة على الحفاظ على الحقوق المادية للمؤلفين والملحنين، بما يتضمن الأغاني التي تُعرض في الملاهي والمطاعم مثلاً. 

ويشير المحامي المتخصص في حقوق الملكية الفكرية، بشير أعزان، الى القانون 75 الصادر في العام 1999 المختص بالحقوق الفنية والأدبية في النطاق العام. يقول إنّ هذا القانون ينصّ في المادة 49 منه على أن تتمتع الحقوق المادية للمؤلف بالحماية المنصوص عليها في هذا القانون طيلة حياة المؤلف، مضافاً إليها خمسون سنة تسري اعتباراً من نهاية السنة التي حصلت فيها وفاة المؤلف.

أما بالنسبة للأعمال المشتركة، أي في حالة الأخوين الرحباني، فتستمر الحماية خلال حياة المؤلفين المشتركين، مضافاً إليها خمسون سنة بعد وفاة آخر المؤلفين المشتركينن وتسري اعتباراً من نهاية السنة التي حصلت فيها الوفاة الأخيرة، بحسب المادة 50 من القانون نفسه.

وبمعزل عن السجالات والخلافات، لا ينتظر جمهور الرحابنة وفيروز اليوم سوى الحفاظ على القيمة الفيروزية بعيداً من الوضع المؤجّج. بالنسبة لجمهورها الواسع، هي قيمة كبيرة، وإرث وطني. أما الخلافات فليس الجمهور معنياً بها. يكفيه أن يستمتع بهذا الإرث الغنائي والفني والجمالي، من دون أن تشوش عليه السجالات.