دراستان عن الواقع الزلزاليّ في لبنان: هذا ما علينا معرفته بوعي ومن دون خوف

بعد أسابيع على زلزال 6 شباط، تقلّصت الهواجس. ومع مرور الوقت، لم يعد الكثيرون يتحدّثون عمّا نحن مقبلون عليه، ومتى سيكون موعد الزلزال الثاني. التكهّنات والأخبار الكاذبة انتشرت كالنار في الهشيم، لم يعد في الإمكان السيطرة عليها والحدّ من تداولها، في المقابل، كانت أصوات الخبراء تعلو محذّرة من الانجرار وراء التهويل غير المبرّر، أو النظريّات والمعلومات التي لا تستند إلى معطيات علميّة. وفي خلاصة الموضوع، وصلنا اليوم إلى مرحلة حيث لم يعد أحد يتكلّم عن مخاطر الزلزال الآتي.
 
وفي خضمّ الصخب والأزمات، هناك من يعمل بصمت وجهد ليُحاكي الواقع الزلزاليّ في لبنان، فيستند إلى دراسات ومستندات علميّة ليقول ما لديه بعيداً عن التهويل والتخويف، يتحدّث بهدف زيادة الوعي والتعايش، والأهمّ معرفة كيفيّة التصرّف.
 
شارك الباحث والأستاذ المحاضر في الجيولوجيا وعلم الزلازل في الجامعة الأميركيّة في بيروت الدكتور طوني نمر في مؤتمر EGU23، حاملاً معه نتائج دراستين تتناولان الخطر الزلزاليّ في لبنان وشرقيّ البحر المتوسط.
 
يتناول هذا المؤتمر كلّ ما له علاقة بعلوم الأرض حول العالم، وهو يُعقد مرّة كلّ سنة.
 
وفي حديث مفصّل مع "النهار"، يشرح الدكتور نمر أكثر عن الدراستين، ويبدأ بالدراسة الأولى التي تتناول الخطر الزلزاليّ في لبنان، وهي عبارة عن الانطلاق من احتمال حدوث زلزال شبيه بالزلازل التاريخيّة التي حصلت سابقاً في لبنان، (وهي موثّقة)، لمعرفة ما يحدث من ناحية حركة الأرض التي يهتمّ بها المهندسون لمعرفة كيفية إنشاء البناء ومدى قوّته".
 
ونتيجة هذه المحاكاة، تبيّن أن نسبة حركة الأرض في حال حدوث زلزال شبيهة بالزلازل التاريخية الكبيرة، وستتأثر غالبية المناطق اللبنانية بها كما تُظهر الخرائط.

ويشير نمر إلى أنه في الدراسة الأولى قُسّمت المناطق اللبنانية إلى 8 مناطق أو Zone (وشملت لبنان والمناطق المجاورة) وهي: المنطقة الأولى جبل لبنان - المنطقة الثانية البقاع - المنطقة الثالثة السلسلة الشرقية - المنطقة الرابعة السلسلة الساحلية - المنطقة الخامسة منطقة حولا - المنطقة السادسة شمال لبنان والمنطقة السورية - المنطقة السابعة منطقة دمشق شرق لبنان - والمنطقة الثامنة البحر المتوسّط.
 
تُعتبر الدراسة الأولى من هذا النوع في لبنان، ومع ذلك لم يؤخذ في عين الاعتبار الجيولوجيا الخاصّة بكلّ منطقة. لذلك لتكون متكاملة أكثر، يجب تقسيم كلّ منطقة من المناطق الثماني إلى مناطق جيولوجية، لمعرفة نوعية الصخور الموجودة فيها ونوعية التراب التي تؤثّر على حركة الأرض نتيجة مرور الموجات الزلزاليّة.
 
ماذا يعني ذلك؟ يوضح نمر أنّه "اذا كانت الصخور متماسكة يكون التأثير أقلّ مقارنة بالصخور غير المتماسكة أو الصخور الرملية. وبما أنها الدراسة الأولى التي تجرى في لبنان، تناولنا المناطق بشكل كلّيّ، ولكننا نحتاج إلى اجراء دراسات أخرى تفصيلية لتقسيم المناطق حسب نوعية الجيولوجيا".
 
بالعودة إلى تاريخ الزلازل في لبنان والجوار، سجّل لبنان 7 زلازل تاريخية، 2 في منطقة دمشق- سوريا، وواحداً في شمال لبنان منطقة حمص وواحداً في البحر، إذاً يكون مجموعها 10 زلازل ، وكانت قوّة الأضعف 6.6 والأقوى 7.5.
 
وعليه، ينطلق نمر ليؤكّد أنّ "لبنان شهد على زلازل سابقة، ومن واجباتنا وواجبات السلطات والناس أن نعترف بالواقع والاطّلاع عليه من دون خوف أو رعب، ولكن في المقابل من دون أن نخفي الحقيقة، يجب قول الأمور كما هي بوعي ورويّة للوصول إلى النتيجة، وهذا الهدف من الدراستين المقدّمتين. النتائج والخراط أمامنا كما هي حرفيّاً، ويجب زيادة الوعي حول كيفية التصرّف والتعامل والتعايش مع هذا الواقع".
 
وبناءً على الدراسة الأولى، تشير نتائج المحاكاة إلى أن زلزال ذات درجات عالية يمكن أن يؤدّي إلى حركات أرضية قويّة في منطقة الدراسة.

أمّا بالنسبة إلى الدراسة الثانية فهي حول تأثير زلزال 6 شباط على المنطقة ومكامن الخطر فيه، ووفق نمر أنّ "لبنان موجود على فالق البحر الميت، والموصول بفالق الأناضول الشرقيّ في جنوب تركيا، والمكان الموصول به الفالق تأثّر قليلاً وهذا مؤشّر جيّد.

 يبعد الزلزال الأول الذي حصل في تركيا 400 كلم عن بيروت، والزلزال الثاني حوالى 500 كلم، ونتيجة ذلك لم نتأثر بشكل مباشر بهما. وما حصل أنّه في الأسبوع الأول أو خلال العشرة أيام المتتالية زادت حركة الاهتزازات نتيجة الموجات الزلزالية التي انطلقت من تركيا ومرّت في لبنان، وتأثّرت حركة الأرض والفوالق بشكل محدود. وبالتالي سجّل لبنان زيادة في الحركة مقارنة بالسابق، إلّا أنّنا عدنا إلى الحركة العادية التي كانت قبل زلزال 6 شباط.
 
ولكن من ناحية البحر، وبما أنّ للبنان فوالق بحرية تحرّكت تاريخياً وتسبّبت بتسونامي، يبقى السؤال ما هو تأثير زلزالَي تركيا على الفوالق البحرية؟

يشدّد نمر على أنّ "التأثير محدود والسبب أنّ في البحر 4 تركيبات جيولوجية يمكن أن تسبّب زلازل، وهي موجودة جميعها ضمن القرن القبرصيّ (Anamur- Silifke, Kyrenia –Misis, Larnaka –Ridge, Latakia –Ridge). ويعتبر Latakia –Ridge التركيبة الأكثر وضوحاً في قعر البحر، وهي موجودة بيننا وبين قبرص بشكل مباشر. وقد درسنا ذلك من خلال بيانات ثلاثيّة الأبعاد حصلنا عليها ضمن مشروع مشترك مع الهيئة اللبنانية لقطاع النفط."
 
وتبيّن من خلال الدراسة الثانية أنّه لا فوالق خطيرة بالقرب من الشاطئ اللبناني، إنّما تحت سلسلة اللاذقية (أي Latakia Ridge)، تركيبات جيولوجية ناشطة يُمكن أن تُحدث زلازل، وحسب تقديري أنّ سلسلة اللاذقية أو Latakia Ridge هي التي تسبّبت بزلزال في العام 551 بقوّة 7.2 درجات، والذي تبعه تسونامي على الساحل الشرقيّ للمتوسط (على طول الساحل اللبناني وبعض من الساحل السوري والساحل الفلسطيني).

وبناءً على كلّ ما عُرض، يُعيد نمر ويكرّر أنّ الزلازل التي حصلت في تركيا امتدّ تأثيرها إلى شرق المتوسط بطريقة محدودة. ولكن علينا أن نستخلص العبر ونعترف أنّه لدينا تركيبات جيولوجية ناشطة موجودة في البحر، تحرّكت في العام 551، ونجهل متى يمكن أن تتحرّك ثانية.

إذاً، يجب عدم انكار الواقع الجيولوجيّ، والاعتراف بوجود تركيبات جيولوجية ناشطة وخطيرة موجودة في البحر. وبناءً على ذلك وعلى الدراسة الأولى، من واجب السلطات (لبنان- سوريا وساحل شرق المتوسّط) النظر إلى هذه الوقائع والنظر إلى هذه الخرائط والاطّلاع على نتائج الدراستين، لوضع الإجراءات اللازمة وكيفية التصرّف في حال حدوث أيّ زلزال.
 
وعن الخطوات التي يجب اتّخاذها، يشير نمر إلى أهمية إجراء مسح للأبنية وتقييم وضعها وتكثيف التوعية في المدارس، للحديث عن الخطوات التي يجب القيام بها في حال حدوث هزّة كبيرة، وتوعية للبلديات الموجودة على الساحل بمساعدة الهيئات مثل الصليب الأحمر والجيش والدفاع المدنيّ، وتحديد المناطق المنخفضة والمناطق الأعلى في حال تحرّك البحر. الهدف هو رفع الوعي من دون بثّ الخوف والقلق ومعرفة كيفية التصرّف، وعلى السلطات القيام بما يجب في ما يتعلّق بتدابير سلامة البناء الواجب اعتمادها للتخفيف من الأضرار المحتملة التي قد تنتج عن زلازل كبيرة في المستقبل.