المصدر: المدن
الكاتب: رنا البايع
الجمعة 18 تموز 2025 13:11:04
بات لهواة المشي ومحبّي الطبيعة والسياحة الدينية، مسار جديد هو درب مار شربل، الذي سيفتتح في 21 تموز الجاري، وذلك بعد أعمال تأهيل فنيّة للقسم الشمالي منه استمرت قرابة العامين بإشراف جمعية "درب السما" صاحبة فكرة المشروع بالتعاون مع "جمعيّة درب الجبل اللبناني" التي تمتلك خبرة طويلة في مجال تأهيل وتطوير دروب المشي في لبنان وهي المسؤولة عن تنفيذ الأشغال. وتنتظر هؤلاء تجربة فريدة في السير على الأقدام على أطول مسار في لبنان: "درب مار شربل"، الذي عقدت عليه آمال كثيرة لإنعاش اقتصاد البلدات التي يمرّ بها والتي تعدّ منسية على الصعيدين السياحي والاقتصادي.
يمتدّ درب مار شربل على مسافة 130 كيلومتراً تقريباً وسيكون أطول مسار حجّ في لبنان، ويمرّ بأكثر من 45 قرية: ستكون عنايا حيث ضريح القديس محور الارتكاز أو نقطة الصفر وصولاً أو انطلاقاً. وستستفيد بلدات كثيرة تقع على الطريق من مرور السّياح والحجاج فيها مثل قرى بقاعكفرا، محمية أرز تنورين، دوما، ميفوق، مشمش، إهمج، وحريصا وغيرها.
والدرب، إلى جانب كونه رحلة تأمّلية في محطّات حياة مار شربل، سيكون أيضاً تجربة فريدة لمحبّي المشي في الطبيعة الذين سيكونون على موعد مع طريق يحاكي طريق حجاج "سانتياغو دي كومبوسوتيلا" في إسبانيا.
تنمية ريفية مستدامة
صُمِّمَ "درب مار شربل" وفق معايير عالميّة، وبمناسبة سنة اليوبيل "حجّاج الرّجاء" وعيد مار شربل، سيتمّ افتتاح ثلاثة أجزاء من القسم الشمالي منه بطول 43 كلم، ويمرّ بقرى من بينها: تنورين، شاتين، دوما، رام، ميفوق، لحفد، مشمش، وصولاً إلى عنايا. يرى القائمون على المشروع أنّه قادر على جذب عشرات الآلاف من الحجّاج سنويًّا من مختلف الأصول والبلدان، كذلك سيعزّز النموّ الاقتصادي المستدام في المدن والقرى على طول الدرب.
ويشير مسؤول العلاقات العامة في جمعية "درب السما" ريمون الزند على أن "درب مار شربل" سيسهم في تنشيط التنمية المستدامة في القرى والمناطق التي يمرّ بها، مضيفاً أن الجمعية استعانت باليد العاملة المحلية في أعمال التأهيل، وأمّنت وظائف بدوام جزئي في مقابل أجر مدفوع ووجبة طعام.
ويشدّد على أنّ الجمعية تحاول الإفادة من خدمات شباب وصبايا من القرى التي تنشط فيها. وعلى المدى البعيد، يرى أنّ "الدرب سيسهم في تنشيط السياحة في القرى، وينعكس إيجاباً على المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وبالتالي تمكين الأهالي وتحفيزهم على البقاء في أرضهم والاستثمار فيها".
وعن أهمية المسيرات على الدرب، يرى الزند أنّ الزوّار يسيرون في أحضان الطبيعة ويلتقون بالأهالي، ويتفاعلون معهم ومع القيم والتقاليد المتوارثة، ويقيمون في بيوت الضيافة والفنادق ويشترون ما يحتاجونه من الأسواق والمحلات المملوكة من عائلات محلية، ما سيدعم الاقتصاد المحلي ويعزّز صمود المجتمعات الريفية واستمرارية نمط الحياة إذ سيشعر الأهالي بأن مورد رزقهم بات مصدر دخل حقيقي.
سياحة ريفية وبيوت الضيافة
على طول الدرب، يقع حوالي 60 بيت ضيافة، جرى تدريب قسم كبير منهم من قبل معهد الإدارة والخدماتIMS من خلال دورات متخصصة على حسن الاستقبال والضيافة والنظافة مع التركيز على أهمية التعاون لتطوير السياحة الريفية، ولتكون التجربة محترفة ومريحة للسيّاح. ويتمّ تدريب مرشدين سياحيين على روحية الدرب وقصص تاريخها، وسيكون هناك مرشدين في كلّ ضيعة تقريباً.
المسار ليس سهلاً، يشير الزند لأنّ الدّرب يمتدّ بغالبيته بين الأحراج والمواقع الطبيعيّة والطرق القديمة التي كان يسلكها سكان القرى، مع تجنّب الأملاك الخاصة والطرق المعبّدة، مضيفاً أنّه يمكن من خلال الشركة السياحية المنظمة للرحلات تفصيل الرحلة حسب الطلب ودرجة الصعوبة وطول المسار.
يتطلّب سلوك كامل الدرب متى انتهت أقسامه كلّها حوالي عشرة أيام، بمعدل يوم لكلّ محطة. لكن الأمر يختلف من شخص إلى آخر وبالإمكان طبعاً سلوك محطات معيّنة من الدرب لمن لا يرغب بسلوكه بالكامل.
نجاح المشروع مرتبط بالدعم
هذا المشروع الرائد سيضع لبنان على لائحة السياحة العالمية كوجهة رئيسة للسياحة الدينية، اذ أنّه مسار متجذّر بالتاريخ والجغرافيا بدءًا من دير مار أنطونيوس قزحيا وصولاً إلى مزار سيّدة لبنان في حريصا، مرورًا بأهمّ محطة على هذا المسار، وهي دير مار مارون في عنايا.
الآمال المعقودة على نجاح تجربة هذا الدرب كبيرة، لا سيما أنّه يرضي الأذواق كلّها من حيث الطبيعة الخلابة، النّشاطات الرّيفية، بيوت الضيافة، مراكز التأمّل، والمسارات الجانبية على امتداده في حال وجود مواقع تاريخية ودينية وأثرية مهمة على مقربة من المسار الرئيسي.
لا شيء يشي بفشل هذا المشروع، والتعويل على الإستمرارية في أعمال التأهيل والصيانة التي تقوم بالدرجة الأولى على ضخّ الدعم المادي وتفاعل الناس وتبنّيهم لثقافة العودة إلى الأرض وإلى جذور التراث والعادات اللبنانية والتقاليد.
يعتمد تمويل درب مار شربل بشكل أساسي على الأفراد وليس على مؤسسات رسميّة أو منظمات غير حكوميّة محليّة أو أجنبيّة، ما حافظ على استقلالية المشروع وعدم ارتباطه بشروط معينة.
وكانت أطلقت حملة تبرعات واسعة ساهمت في البدء بالمشروع، وشاركت فيها جاليات الاغتراب اللبناني. الجهود المبذولة لجمع التبرّعات لا تتوّقف، وهي ضروريّة لنجاح درب مار شربل، لهذه الغاية، أُنشئت شبكة "حلقات العطاء" من أجل التبرّعات في أنحاء العالم كافة.