"دولرة المساعدات النقدية المخصصة للنازحين": تواطؤ سياسي لتوطين مقنّع؟

فيما ينتظر اللبنانيون ان تطلب حكومتهم من المفوضية العليا للاجئين UNHCR تزويدها داتا النازحين السوريين الموجودين على اراضيها لعلّها تكون بارقة أمل لجهة حل ملف الوجود السوري وتخفيف الاعباء المترتبة عنه، اتاهم الردّ سريعًا هذه المرة من الحكومة بشخص رئيسها نجيب ميقاتي بعد ان فجّر قنبلة مدويّة واعلن موافقته على "دولرة" المساعدات المالية النقدية المخصصة للنازحين بناء على طلب "المفوضية".

ولكن حتى تذرّع أوساط السراي بأن مصرف لبنان هو الذي وافق على طلب المفوضية، أسقط ورقة التوت التي تتلطى وراءها السلطة السياسية لعدم تحريك ملف العودة الى سوريا.

فما تأثير قرار دولرة المساعدات على ملف "الوجود السوري"؟ وهل يمكن الحديث في هذا الاطار عن توطين مقنّع بالتواطؤ مع الحكومة اللبنانية؟

المحامي الدولي وأستاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية البروفسور أنطونيوس أبو كسم يوضح في هذا الاطار في حديث عبر Kataeb.org، أنّ الرعايا السوريين المتواجدون على الأراضي اللبنانية ليسوا لا نازحين ولا لاجئين، إنّما هم إمّا مهجّرون أو مهاجرين حسب القانون الدوليّ. 

ويتابع:" للأسف، تتعاطى الجهات الرسميّة مع مفوّضيّة الأمم المتّحدة للّاجئين باستثناء الجيش اللبناني وكأنّ لبنان دولة طرف في اتفاقيّة الأمم المتحدة للاجئين للعام 1951، في حين أنّ لبنان ليس مصادقاً على هذه الاتفاقية ولم ينضمّ لها. وعليه، إنّ لبنان الرسمي بالرغم من البيانات والخطابات القائمة على المزايدات فهو ينصاع لطلبات المفوّضية بشأن المهجّرين السوريين، وهذا الخضوع لهذه الاتفاقية يعني اعترافاً ضمنياً بها، وتحديداً تنفيذ خطة المفوّضية للاستجابة للأزمة اللبنانية LCRP  من قبل وزارة الشؤون الاجتماعية (2017-2020) والتي مدّدت للعام 2021، ومن ثمّ جرى إقرار خطّة أخرى في العام 2022، وذلك بهدف "توفير الحماية والمساعدة الفورية لأولئك الذين هم في أمس الحاجة للمساعدة وفي نفس الوقت تعزيز ودعم قدرة النظم الوطنية والمحلية لتقديم الخدمات الأساسية للسكان من اللبنانيين "واللاجئين"". إنّ خطّة الاستجابة للعام 2022، تشمل تأمين المساعدة الإغاثية الفورية لـ 1.5 مليون "لاجئ سوري"، و 1.5 مليون لبناني من الفئات الضعيفة، و 29100 لاجئ فلسطيني من سوريا و180 ألف لاجئ فلسطيني في لبنان.
كما إنّ دولرة المساعدات المخصّصة للمهجّرين اللبنانيين من قبل مصرف لبنان، يأتي حماية لمصالح المهجّرين السوريين الاقتصادية، بغية تأمين الاستقرار المعيشي، مّما يحفّز تطبيق مبدأ العودة الطوعيّة الذي ينصّ عنه الاتفاقيّة. هذه الدولرة تشكّل مؤشراً لتعزيز بقاء المهجرين السوريين وعدم تحفيزهم على العودة، بل بالعكس تمكينهم مجتمعياً وحياتياً.

وردًا على سؤال عما اذا يمكن الحديث في هذه الحال عن توطين مقنّع بالتواطؤ مع الحكومة اللبنانية، يقول أبو كسم:" للأسف، إنّ انصياع لبنان لمبدأي العودة الطوعية والعودة الآمنة للمهجرين السوريين والتعاطي مع مفوّضية اللاجئين لأكثر من اثنتي عشر سنة يشير إلى أنّ لبنان الرسمي انصاع إلى تطبيق اتفاقية جنيف للعام 1951 بشأن وضع اللاجئين. والمؤسف، أنّ هذه الاتفاقية في مادتها 34، تلزم الدولة المضيفة تنفيذ موجب منح الجنسية للمهجّرين السوريين وتسهيل تجنّسهم، ويجعل الحصول على الجنسية اللبنانيّة حقّاً مكتسباً لكلّ مهجّر، تطبيقاً لأحكام المادة 34 من اتفاقية الأمم المتحدة للاجئين."
ويؤكد إنّ توطين الرعايا السوريين وغيرهم يشكّل خرقاً للدستور اللبناني وتدخّلاً بالشؤون الداخلية اللبنانية خلافاً للمادة 2 فقرة 7 من ميثاق الأمم المتحدة، كما أنّ هذا الأمر يتعارض مع الفقرة "ط" من مقدّمة الدستور اللبناني التي تؤكّد على رفض التوطين. إضافةً إلى أنّه يعرّض لبنان لخلل ديموغرافي يناقض ميثاق العيش المشترك ويشكّل خرقاً للفقرة "ي" من مقدّمة الدستور، التي تؤكّد أن لبنان هو وطن نهائي لجميع أبنائه (فقرة أ).
ويجزم قائلا:" نعم نحن أمام توطين مقنّع، حيث أنّ خطّة إدماج المهجرين السوريين أشرفت على خواتيمها بمساعدة الحكومات اللبنانية المتعاقبة، والأخطر أنّ هؤلاء المهجرين السوريين أصبح لهم حقوقاً مكتسبة جرّاء التعاطي الرسمي معهم وحماية مفوضيّة الأمم المتحدة لللاجئين. مهما حاولت الحكومة اللبنانية التهرّب من موضوع التوصيف القانوني الإنشائي للمهجرين السوريين عبر تسميتهم الإعلامية بالنازحين  - وكأن لبنان وسوريا بلد واحد – إلّا أنّ الوزارات المعنيّة تتعاطى معهم بصفة لاجئين تنفيذاً لأحكام اتفاقية جنيف للاجئين، مخالفين مذكرة التفاهم التي أبرمها لبنان مع مفوضيّة اللاجئين في العام 2003، والتي تنصّ على أنّ لبنان لا يشكّل بلد ملجأٍ لأيّ طالب لجوء."
ويلفت الى ان في ظلّ تبدّل التحالفات الإقليمية، وتأثيرها على السياسات الدوليّة، ليس من الواضح ما إذا كان هناك صفقة توطينٍ للمهجرين والمهاجرين السوريين، حماية للدول الأوروبية وتعزيزاً للنظام السوري في الداخل السوري وفي العمق اللبناني الهجين.