المصدر: نداء الوطن
الكاتب: ديزي حوّاط
الأربعاء 9 تموز 2025 08:06:28
بثّ إعلام إسرائيلي تقريرًا أشعل عاصمة لبنان الثانية، طرابلس، ضاربًا بعرض الحائط الاتفاقات الدولية والحدود الشرعية المُعترف بها من قبل الأمم المتحدة.
يتمثّل فحوى التقرير في طرح «طرابلس اللبنانية مقابل الجولان السوري المحتل إسرائيليًا»، في سياق تأكيد أن لا سلام مجانيًا بين سوريا وإسرائيل. وقد تناول التقرير سيناريوين محتملين للسلام بين الجانبين، في ظل مشروع إعادة رسم خارطة الشرق الأوسط الجديد.
ونفت فعاليات طرابلس إمكانيّة حدوث مثل هذا السيناريو للسلام السوري - الإسرائيلي على حساب لبنان، في حين التزمت السلطات السورية الصمت، مكتفية بإبقاء النفي طيّ الكتمان.
وسارع النائب أشرف ريفي، فور صدور هذه «الشائعات»، إلى إصدار بيان نفى فيه مثل هذه الطروحات، قائلًا: «لا سوريا ستتخلى عن الجولان، ولا مقايضة، ولا من يقايضون»، في إشارة لرفضه القاطع للطرح. واللافت في بيانه تلميحه الواضح إلى أن «الأبواق التي تقوم بهذا الدور، أقول: هم قاسم، رفيق وفادي».
اتّفق الجانب اللبناني على استحالة تحقّق مثل هذا السيناريو، إلّا أن مجرّد إثارة خبر من هذا النوع يبقى أمرًا يُؤخذ بالحسبان.
فقد رأى النائب أشرف ريفي في حديث لـ»نداء الوطن»، أنّ الهدف من الخبر المتداول هو إرباك الساحة اللبنانية من جهة، ومحاولة إيجاد تبرير لإبقاء سلاح «حزب الله»، عبر التذرّع بأخطار جديدة قد تهدد لبنان، سواء من خلال هجوم داعشي أو إرهابي، يتمثّل، بحسب ظنهم، بالرئيس السوري أحمد الشرع.
وبشأن تقاطع مصالح «حزب الله» مع إسرائيل، لا سيّما أن التقرير نُشر عبر وسيلة إعلامية إسرائيلية، أكّد ريفي أنّه لم يتم التحقّق من المنصّة التي صدرت عنها المعلومة، غير أنّ من روّج لها في الأوساط اللبنانية هو إعلام الممانعة وأبواق «حزب الله»، وكأنّهم كانوا في انتظارها، مضيفًا: «كاد المريب أن يقول خذوني»، في إشارة إلى أن بعض الأطراف فضحت نفسها من خلال تصرفاتها وكلامها، من دون أن يوجّه إليها أحدٌ أيّ اتّهام.
وأوضح أنّ الشارع الطرابلسي تلقّى هذا الخبر باستهجان واستغراب ورفض، مشيرًا إلى أن مدينة طرابلس، مدينة الفيحاء، طالما وُصمت باتهامات: «معقل لداعش ولسوريا»، بسبب مواقفها السياسية المعارضة للنظام السوري السابق، وهو موقف تبنّاه أهل الشمال عمومًا. وقد عمد النظام حينها إلى شيطنتهم جميعًا، متذرّعًا بالدفاع عن الأقليات، ومعتبرًا أن السنّي، واصفًا إيّاه بـ»الأغلبية» في المنطقة، هو داعشي وإرهابي، فقام بتجييش الأقليات وتسليحها في وجه السنّة.
وربط ريفي هذه المساعي بحالة اليأس الاجتماعي والاقتصادي التي دفعت البعض في الشمال إلى ركوب «زوارق الموت» والهجرة غير الشرعية، مشيرًا إلى أن أولاد الشمال يقبعون في سجون المحكمة العسكرية ويحاكمون لمجرّد الشبهة، وكل ذلك يدخل في إطار استهداف هذه البيئة. فجاء هذا الخبر ليعيد التشكيك بوطنيّتهم، تمامًا كما يهدف إلى خلق توتّر بين النظام السوري الجديد ولبنان، وشيطنة السنّي، انطلاقًا من الظنّ بأنّه سيلتحق بسوريا.
وأضاف أن «محور الممانعة» يُعدّ تهمًا مسبقة لأخصامه جميعًا: السنّي يُتهم بالتكفير والداعشية، المسيحي بالعمالة لإسرائيل، والشيعي الحر يُوصف بأنه «شيعي سفارات»، وكأنّ «الوطني الوحيد» في هذه الدولة هو ذاك الذي يحمل السلاح خارج الدولة ويزعم الدفاع عنها. فيستفيد هذا المحور من إرباك الآخرين ومحاصرتهم اقتصاديًا».
وأورد مثالًا على ذلك بإغلاق عدد من المرافق الاقتصادية الحيوية في الشمال، مثل مطار القليعات المغلق بقرار سوري واستُكمل إغلاقه بقرار من «حزب الله»، ومصفاة البترول المعطّلة وغيرها… هذه الإجراءات، بحسب ريفي، ساهمت في إضعاف الاقتصاد في الشمال، ودفعت الناس إلى البحث عن أمل في الخطر الفادح.
أمّا بشأن زيارة مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان إلى دمشق، فقد اعتبرها ريفي طبيعية، مؤكدًا أنّه لا يمكن لأحد تجاوز الجغرافيا والتاريخ، ناقلًا عن المفتي دريان قوله إنّ «بوابة لبنان إلى العرب هي سوريا بحكم الجغرافيا»، مشيرًا إلى أهمية تأسيس علاقة جيدة مع «النظام الجديد» في سوريا، الذي يُعدّ أول نظام يعترف باستقلال لبنان، وحقه في تقرير مصيره، ويلتزم بالحدود الرسمية بين البلدين.
خبر من هذا النوع يمكن التعامل معه بكثير من الشك والريبة، حتى بعد استذكار تصريح وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر، الذي شدّد فيه على أن الجولان يشكّل جزءًا لا يتجزّأ من إسرائيل في أي اتفاق سلام محتمل. أما محاولة زجّ لبنان في قلب المشهد، فهو أمر لا يمكن التغاضي عنه وخاصّة، في ظل الحديث عن احتمالية نسف اتفاقية سايكس بيكو كما ترسيم الحدود اللبنانية السورية، ما يُبقي توقيت طرح هذه الروايات محطّ تساؤل.
صحيح أننا لا نعرف ما يدور في كواليس العلاقة بين سوريا وإسرائيل، وأن سوريا لا تسعى ربما إلى سلام مجاني، إلا أن ارتدادات مثل هذه الأخبار على الداخل اللبناني تستدعي الكثير من الوعي.
ما نحتاجه اليوم ليس الانجرار إلى فتن جديدة تُزرع على أطراف حدودنا، بل التوجّه نحو تثبيت الاستقرار وفتح نوافذ الهدوء وتكريس مناخ السلام...