زيادة الضغط على الثنائي في مسؤولية الفراغ: لا لتكرار تجربة عون ايا يكن ثمن الانتظار

الاعتراض الذي ساقه البطريرك الماروني بشارة الراعي على احتمال اقامة مفاوضات حول ترسيم الحدود اللبنانية مع اسرائيل في غياب رئيس للجمهورية انما يهدف في الواقع بحسب مصادر سياسية الى الاعتراض على تمكين "حزب الله" اكثر فاكثر من ادارة الوضع اللبناني لا سيما في ظل الاعتراض على حكومة تصريف الاعمال برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي وعدم صلاحية رئيس مجلس النواب نبيه بري مبدئيا لذلك.

اذ لا يمكن للاعتراض اللبناني في شكل عام ضد تمكين الحزب او الثنائي الشيعي من رئاسة الجمهورية وتاليا من الحكومة العتيدة ان يتم الالتفاف عليه بتمكينه انطلاقا من بوابة الجنوب على خلفية الحاجة الاقليمية والدولية الى التهدئة ومنح اسرائيل ضمانات حول امن حدودها الشمالية وامن المستوطنين الاسرائيليين.

وقد ابلغت قوى سياسية سفراء دول مجموعة الخماسية على نحو فردي ومستقل رفضها الكلي لتمكين الحزب من موقع الرئاسة الاولى وعلى قاعدة ان الفراغ الرئاسي على صعوبته الكبيرة وانعكاساته السلبية الهائلة على لبنان واللبنانيين كما على المسيحيين في شكل خاص، فان هذا الفراغ يبقى اقل كلفة ووطأة من رئيس يأتي به الحزب كما كان يفعل النظام السوري. ما يعني ان اي ضغوط مرتقبة للقبول بتسوية تعطي الحزب ورقة الرئاسة او تمكنه من فرض شروطه ستبقى تراوح مكانها.

وقد احرقت جمرة الرئاسة التي عقدت في زمن الوصاية السورية لاميل لحود وفي زمن النفوذ الايراني لميشال عون تجربة عدم الاطمئنان لرئيس يسميه المحور الايراني السوري فيكون رهينته ضد مصلحة لبنان والمسيحيين والمحيط العربي.

وفي التاريخ الاكثر حداثة الذي لم يمر عليه وقت بعد، لن يود احد تكرار تجربة عون ايا يكن ثمن الانتظار لا سيما ان الخسارة الكبيرة مسيحيا ولبنانيا وقعت على مستويات عدة. ولا صدى ايجابيا في هذا الاطار للاتفاق الايراني السعودي الذي حصل قبل سنة تقريبا فيما ان المخاوف تظل قائمة من تفاهم اميركي ايراني يرمي المسيحيين ولبنان تحت دواليب الباص.

 ولذلك لا يظهر هؤلاء الحاحا كبيرا من اجل انتخاب رئيس بسرعة بما يوفر للثنائي الشيعي فرصة رفع شروطه او تعزيزها من اجل اتاحة انتخاب رئيس للجمهورية على قاعدة ان الثنائي يرفع السعر من اجل الذهاب الى تسوية والتنازل تاليا عن مرشحه اذا شعر بان هناك توترا كبيرا لدى المسيحيين من اجل انتخاب رئيس وتأليف حكومة جديدة. لذلك ينصب الجهد على تحميل الثنائي تبعة عرقلة عملية انتخاب رئيس مسيحي وتاليا تبعة المزيد من تفكك البلد وانهياره لا سيما ان انتهاء الحرب على غزة سيفتح الباب امام اشكالية من سيقدم التعويضات لاهل الجنوب في دولة مفلسة. ومع ان الحديث يجري على هذا الصعيد عن منح لبنان مساعدات كبيرة كنتيجة لاي تفاهم على تطبيق القرار 1701 وتمكين الجيش اللبناني من تسلم امن الحدود، يخشى ان الامر يعني تمديد استرهان الرئاسة والحكومة الفاعلة الى امد غير معروف. اذ يعني ذلك فحسب شراء الوقت وتمكين الحزب ومعه ايران من لبنان اكثر فاكثر على رغم الاقرار الموضوعي بموقع الحزب المؤثر وعدم امكان حصول تسوية من دونه . والتصويب الاسبوعي من البطريرك الماروني في هذا الاتجاه وكذلك من المطران الياس عودة يرمي الكرة اكثر فاكثر في خانة الثنائي الشيعي ولو من دون تسميته على نحو صريح ولكن المغزى في المضمون الذي بات يتحدث عن اهداف مشبوهة لاحداث الفراغ والاستمرار فيه قد تؤدي الى تغيير هوية لبنان وصيغته.

 

الكلام ليس موجها الى الثنائي اكثر من سائر الافرقاء السياسيين فحسب بل هو موجه الى الخارج في الدرجة الاولى الذي يستسهل القفز فوق الشغور الرئاسي وعدم وجود حكومة فاعلة من اجل انجاز تفاهمات او اتفاقات تريح اسرائيل بعد الحرب على غزة. اذ تدرك هذه القيادات الروحية كما السياسية ان الخارج الساعي وراء تحقيق مصالح واهداف معينة لا يتوقف عند الصيغة الطائفية الحساسة في لبنان والتوازنات الهشة لا سيما في ظل فشل كبير للجنة الخماسية في ايجاد مخارج للازمة الرئاسية على مدى سنة وبضعة اشهر فيما ان الحديث عن اللقاءات الاخيرة التي عقدها سفراؤها في لبنان ركزت واجمعت على توحيد موقف اعضائها اخيرا بعد تشتت استفاد منه افرقاء كثر لا سيما الثنائي الشيعي الذي سيتعين عليه ان يكتشف توقيت حاجته الى استعادة هيكلية الدولة وتاليا اتاحة انتخاب الرئيس وتأليف الحكومة العتيدة وتاليا الذهاب الى تسوية تتيح ذلك . ولذلك يزداد الضغط المعنوي من بكركي على الثنائي الشيعي والنواب عموما على غير اداء القوى السياسية المسيحية المعنية باجراء تنازلات او القبول بها من اجل تأمين انتخاب رئيس والتي تظهر برودة لا تبدو في اداء بكركي .

في سياق التصعيد في الجنوب، والذي يسابق جهودا للهدنة وتبادل الاسرى والرهائن ، يرى البعض ان اسرائيل تعزز اوراقها من خلال استهداف لعناصر الحزب بعيدا جدا من الكيلومترات العشرة التي تطالب بابتعاد الحزب اليها ما يؤشر الى افراغ اسرائيل المنطقة قسرا . وما يحصل يحشر الحزب لا سيما مع انتقال اسرائيل الى مرحلة ثانية من حربها ضد الفلسطينيين في اتجاه عمليات تنوي القيام بها في رفح فيما ان الجنوب تتسع دائرة التدمير فيه وفيما الحزب يتجنب استدراجه الى الحرب التي تريدها اسرائيل .