زياد... حين أصبح صوت فيروز توأمه

لن تسمع صوت فيروز بعد اليوم وحيداً طيف زياد سيطل بعفوية جارفة 
كانت فيروز، بصوتها وإحساسها، تحلق وحدها، تصنع فينا مشاعر متناقضة، تفتح لنا أبواب الذاكرة، تقتادنا إلى أماكن من الماضي، قريبة وبعيدة في آن. هي الصوت الذي يرافقك كما ترافقك أمك... لا يفارقك، لكنه لا يفاجئك.
بالأمس، حضرت متشحة بالسواد، لترافقه في لحنه الأخير. بدا وكأنهما أصبحا واحداً، وكأن صوتها صار توأمه، أو كأن حضوره أعطى لصوتها بُعداً آخر كأن غناءها صار يحمل لحنه الأخير، ويُكمل ما تبقّى من حضوره كأنها بعدما منحته الحياة بالولادة ستمنحه توأمة روحها بحزنها العظيم. 
يوم وداع زياد لم يكن عادياً. كان يوماً عارماً، جارفاً، طافحاً بالمشاعر، اجتاح المدينة كالموج، أثبت أن اللبنانيين لم يغرقوا كليًا في يومياتهم المثقلة، وأنهم لم ينسوا أنّهم عاشوا أيّام فرح. أثبتوا أنّهم ما زالوا قادرين على الحب، على الوفاء، على الدموع النبيلة حين يرحل الكبار. 
وهذه القدرة على جمع من يشبهونك ومن يخالفونك، تطرح فيك سؤالاً لا مهرب منه: ما الذي لامسه زياد فينا؟ أهو الروح؟ أم الوجدان؟ أم العقل؟
كيف لشخص حمل كل الثورة في داخله أن يعمّمها على اللبنانيين جميعاً، في حين أنّ ثوراتٍ كثيرة لم تتخطَّ حدود مناصريها أو الملتزمين بها حزبياً أو عقائدياً؟
أتُراه اللحن؟ أم إرث العائلة التي صارت، من حيث لا تدري، الناطقة باسم ألم اللبنانيين وفرحهم في آن؟
كل هذه الأحاسيس المتناقضة تحيّرك.
تحاول أن تفصل زياد عن موسيقاه، عن أفكاره، عن مواقفه... وقد تخالفه في كثير من الأحيان، وقد تكون في "الشرقية" وهو في "الغربية"، لكن لا يهم فالحقيقة أنّه قال كل شيء… بموسيقاه، بكلماته، بتمرده، بصمته، بحدّته، برقّته، وبكل ما جعله كما هو: زياد
ولعلّ الأهم أنّه تلاعب بالحياة، وهزأ من عبثيّتها، وتحدّى إملاءاتها. أيقظ المتمرّد في كلّ واحد منّا، والفرق بينه وبين الكثيرين، أنّه تجرّأ على المواجهة... فكان زياد، بكلّ بساطة، زياد.
ومن حيث هو، لا شك أنه مندهش. من كثافة الحضور، من الأثر، من الأغنيات التي تحوّلت إلى عزاءٍ عام. لا شكّ أنه يدرك اليوم أن رحيله حمل أكثر من معنى، وأنه حين مضى، لم يُطوَ، بل اتّسع.