سعيد يتجرأ على الكابيتال كونترول: وقف استنسابية التحاويل وفرض العدالة بين المودعين

تأخر قانون الكابيتال كونترول في مجلس النواب، فصدر القرار بالمفاعيل عينها من مصرف لبنان، بالطلب من المصارف "الامتناع عن تسديد أيّ مبالغ من الحسابات بالعملة الأجنبية المكونة لدى أي منها قبل 17/11/2019، سواء كانت مكونة لدى المصرف المعني أو تم تحويلها إليه بعد هذا التاريخ، بما يتجاوز السقوف المحددة في النصوص التنظيمية الصادرة عن مصرف لبنان، من دون الاستحصال على موافقة مصرف لبنان الخطية المسبقة".

ما انتظره المودعون تحقق، لكنه أتى مصحوبا بالتساؤل والاستغراب. فكيف لحاكم مصرف لبنان كريم سعيد، الذي أصدر القرار الأساسي 13729 بهدف إرساء "مبدأ المعاملة العادلة والمتساوية بين جميع المودعين" سندا إلى قانون النقد والتسليف، أن يقدم بمفرده على خطوة مالية ومصرفية تاريخية بهذه الحساسية والمفاعيل، فيما عجز أسلافه عن القيام بذلك؟

أشيع لسنوات، أن أيّ كابيتال كونترول يحتاج إلى قانون في مجلس النواب، ومشاريع واقتراحات وموافقات وتسويات تتداخل فيها السياسة بالاقتصاد، وهوية لبنان المصرفية بالسياسات النقدية، وغيره من المبررات التي لم تنتج قانونا للكابيتال كونترول، أو ما يشابهه في المفاعيل. بل أنتجت كما ظهر للعيان، خداعا مستداما على المودعين لمدة ست سنوات متواصلة.

لا شك في أن القرار سيخدم حتما القطاع المصرفي، وخصوصا المصارف المدعى عليها في الخارج، وسيمنع عنها الأحكام القضائية هناك، ويوقف نزف سيولتها بسبب ما يعرف بعدم "تعارض القوانين". علما أن عشرات الادعاءات لا تزال مرفوعة خارج لبنان، بوجه مصارف لبنانية عدة، من مودعين لبنانيين وأجانب يطالبون بودائعهم ومستحقاتهم، فيما أجبرت سابقا مجموعة من المصارف اللبنانية، على تسديد عشرات ملايين الدولارات مع فوائدها، إلى مودعين استحصلوا على أحكام قضائية في الخارج، مستغلين عدم وجود قانون الكابيتال كونترول في لبنان، أو ما يعادل مفاعيله قانونا.

تأتي خطوة مصرف لبنان "المتأخرة"، لتستجيب لمطالبات حقوقية وشعبية، بدأت وتواصلت إثر بداية الانهيار عام 2019، حاولت منع الاستنسابية في التحويل إلى الخارج، وفرض عدالة السحب النقدي، والمساواة بين المودعين. وزير العمل سابقا المحامي كميل أبو سليمان والاختصاصي في الشؤون المالية والمصرفية كان في مقدمة المطالبين مصرف لبنان بإصدار تعميم يفرض الكابيتال كونترول بين المودعين إلى حين إقرار هيكلة المصارف. فقانون النقد والتسليف ولا سيما المادتان 70 و174 منه، يمنح المصرف المركزي الصلاحية لاتخاذ قرارات الكابيتال كونترول، تماما كما هو الوضع بالنسبة إلى التعاميم التي أصدرها سابقا بتحديد سقف السحوبات.

وثمن أبو سليمان "جرأة الحاكم كريم سعيد، بعدما تخطى المعوقات في سبيل المساواة بين المودعين. فالمقيمون في لبنان لم يحظوا بفرصة التقدم بدعاوى قضائية أمام محاكم الاتحاد الأوروبي وبريطانيا للحصول على ودائعهم، في حين أن المودع المقيم فيها، منح الحق في ذلك، حتى وإن كانت العقود الموقعة تنص على أن الصلاحية الحصرية تعود إلى المحاكم اللبنانية".

وبحسب أبو سليمان ثمة 3 شروط لصلاحية المحاكم الأوروبية والإنكليزية للنظر في هذه القضايا: أولا، أن يكون المودع مقيما في البلد المعني عند فتح الحساب، ثانيا، أن يكون من فئة المستهلكين (أي ليس لديه حساب تجاري بل حساب عادي)، وثالثا، أن يكون للمصرف نشاط ضمن البلد المعني. فإذا توافرت هذه الشروط، تتوافر عندئذ الصلاحية للمحاكم الأجنبية بالنظر إلى اساس الدعاوى حسب القانون اللبناني.

وعلى الرغم من أن "هذا التعميم لا يضمن النجاح المطلق في الدعاوى الخارجية"، اعتبر أبو سليمان أنه "يساهم في معالجة الدعاوى القائمة، ويمنح المصارف دفوعا قانونية قوية، ويحفظ أصولها خارج لبنان وسيولتها بالكاش لمصلحة المودعين كافة. كما أنه يساهم في تأمين المساواة بين المودعين وضبط التحاويل الاستنسابية إلى الخارج، ولو متأخرا".

وتمنى إقرار قانوني إعادة هيكلة المصارف والفجوة المالية في أسرع وقت "لأن الاقتصاد اللبناني لا يمكن أن يقوم من دون مصارف فعالة، وليس مصارف "زومبي" كما هو الحال حاليا".

إلى ذلك، أبدت مصادر مصرفية ارتياحها إلى التعميم الذي أصدره حاكم مصرف لبنان، خصوصا أن المصارف تطالب بإقرار قانون الكابيتال كونترول منذ بدء الأزمة، وتاليا يأتي التعميم ليضبط التمييز بين المودعين، في انتظار إقرار مجلس النواب القانون والخطة الحكومية لإعادة أموال المودعين. وأكدت أن "لمصرف لبنان الصلاحية في تنظيم العمل المصرفي، لذا يتخذ قرارات استثنائية في الظروف الاستثنائية التي تعيشها البلاد، ويأتي في السياق التعاميم 151 و158 و166، مع الإشارة إلى "أن للمودع الحق في سحب كامل وديعته دفعة واحدة من دون تقسيط، ولكن العدالة والمساواة بين المودعين تقتضي ضبط عملية السحوبات لتكون متساوية بين الجميع".