سقطت نظرية "البقدونس ع البلكون"

مع بداية الثورة، أطل علينا إعلام حزب الله ليلعب دور المطمئن بأننا لن نجوع، وبأنّ الجوع لن يعرف طريقه إلى منازلنا، ولم تنفع إطلالة نصرالله شخصيًا داعيًا الشعب إلى زراعة البقدونس على "البلكون".

ساءت أحوال البلاد والعباد، فبتنا بلا دواء ولا كهرباء، وبالتالي لم تعد المياه تصل إلى المنازل لريّ البقدونس والبازيلّا، فأضحت صيحات "هيهات منّا الذلّة" لزوم ما لا يلزم، بعد أن أصبحت المذلّة العنوان الرئيسي لكل نشرات الأخبار المحلية.

بالأمس، وفي ذكرى عاشوراء وجّه مجاهدو حزب الله رسالة إلى أمينهم العام يبلغونه من خلالها جهوزيتهم واستعداداتهم وعزمهم على خوض البحر معه وصولًا إلى القدس، لكن ما غفل عنه هؤلاء أمر جلل، لم يصل إلى القدس منذ إعلان دولة إسرائيل عام 1948 إلّا طوابير الذل اللبنانية من بنزين وخبز، والقتال يا اشاوس أول ما يحتاج إليه أمعاء ممتلئة لا خاوية، وإرادة شعبية صلبة تلتفّ حول ما يسمّى مقاومة لا انشطارًا عموديًا وأفقيًا بعد أن جرّت المقاومة كل ويلات العالم على الشعب اللبناني.

في الحقيقة وبلا تزلّف وانبطاح، لبنان بأمسّ الحاجة اليوم إلى الراحة والهدوء وعلى أصحاب الرؤوس الحامية تبريدها لأن الحرارة المرتفعة هي أكبر خطر على ما تبقّى من اقتصاد. أي صاروخ إسرائيلي يدمّر أي جسر في لبنان لا يمكن إعادة ترميمه، لأننا أولًا لا نملك الأموال الكافية، وثانيًا لأنّ الدول العربية تعتبرنا جزيرة إيرانية على شواطىء المتوسط وهي توقفت عن التعاطف معنا منذ العام 2011.

في الحقيقة المئة ألف صاروخ التي يملكها حزب الله، إضافة الى كل المؤسسات الاجتماعية والانسانية التي يعتبرها صمّام امان المجتمع الشيعي، أضف إليها الـ 100 الف مقاتل باتت عبئًا على حزب الله أوّلًا والشعب اللبناني ثانيًا، فهي لا دور لها في ترسيم الحدود ولا منع إسرائيل من استخراج نفطها وبيعه إلى أوروبا وأي "حركشة" أمنية لحزب الله معها ستدفع بكل الأساطيل الأوروبية إلى الشواطىء اللبنانية، لأن الشعب الأوروبي يريد الغاز على أبواب الشتاء ولن يسمح لمجموعة إرهابية بمنع تدفّقه.

أقلّ ما يحتاج إليه حزب الله اليوم هو العودة إلى لبنانيته وإعادة تصدير الثورة التي استوردها إلى إيران مع الشكر، عليه أن يعود محطّ إجماع واحتضان المكوّنات اللبنانية الأخرى، لا أن يبقى جسمًا غريبًا مهدّدًا للكيان والهوية والتاريخ ولعنة جغرافية.