المصدر: أساس ميديا
الكاتب: ملاك عقيل
الأربعاء 22 تشرين الأول 2025 08:19:53
أسبوع واحد فقط فَصَل بين إعلان رئيس الجمهوريّة جوزف عون “ضرروة وقف العمليّات العسكريّة الإسرائيليّة ليبدأ مسار التفاوض الذي يُحدَّد شكله في حينه”، وبين نعي الرئيس نبيه برّي، بتنسيق رئاسيّ، لهذا المسار. عسكريّاً، تكرِّس إسرائيل احتلالها جوّاً وبحراً، وتعلن تنفيذ عمليّة برّيّة داخل الأراضي اللبنانيّة “لمنع “الحزب” من استخدام المنطقة للتمركز مستقبلاً”.
في اللحظة التي ضغطت فيها واشنطن لمسار تفاوضيّ في لبنان يُكمّل مسار اتّفاق شرم الشيخ، تعرَّض “اتّفاق غزّة” نفسه لهزّات ارتداديّة قد تُسقطه بأيّ لحظة، فيما تولّى رئيس مجلس النوّاب إعداد “تخريجة” الردّ اللبنانيّ الرسميّ على كلّ ما أُثير في الأيّام الماضية، عبر صحيفة “الشرق الأوسط”، معلناً سقوط مسار التفاوض مع إسرائيل، ومُحمّلاً إيّاها مسؤوليّة إفشاله بعد رفضها المقترح الأميركيّ.
في الظاهر لا تبدو إسرائيل مستعجلة لتفاوض تحصد الكثير من نتائجه سلفاً، من فوق ومن تحت، من خلال عدوانها المستمرّ قصفاً واحتلالاً ومنعاً لإعادة الإعمار، الذي لم يتوقّف لحظة واحدة منذ توقيع اتّفاق وقف الأعمال العدائيّة في 27 تشرين الثاني 2024، والآخذ في التوسّع إلى الحدّ الذي باتت فيه المنشآت المدنيّة أهدافاً “عاديّة” للطائرات الإسرائيلية، والإغارة فوق المقارّ الرسميّة روتيناً يوميّاً.
بالتأكيد، بعد نحو عام من السقوط الذريع لاتّفاق وقف إطلاق النار، تراجع لبنان خطوة إلى الوراء في سياق مفهومه التفاوضيّ. إذ سبق لرئيس الجمهورية، من باريس، تحديداً في 28 آذار الفائت عقب لقائه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أن أعلن رفضه لاقتراح مورغان أورتاغوس إنشاء لجان تفاوض على النقاط العالقة مع إسرائيل، مُسلّماً بأنّ النقاط الخمس المحتلّة (أصبحت الآن سبعاً) من قبل العدوّ وتسليم الأسرى لا يحتاجان إلى لجان منفصلة ما دام لبنان غير محتلّ لأراضٍ إسرائيليّة، وليس لديه أسرى إسرائيليّون، فيما يمكن حصر التفاوض غير المباشر مع إسرائيل بمسألة تثبيت النقاط الـ 13 المتنازَع عليها بين الطرفين.
بين أورتاغوس وبارّاك
بالمقابل، اشترط لبنان هذه المرّة للسير بالتفاوض وقف العمليّات العسكرية فقط، وتقول المعلومات إنّ المقترح يشمل هدنة لـ 60 يوماً، يتمّ خلالها البحث في موضوع السلاح وانسحاب إسرائيل وتسليم الأسرى اللبنانيّين.
بين طرح أورتاغوس السابق “تشكيل مجموعات العمل الدبلوماسيّة الثلاث”، الذي ربطته يومها بقرار الرئيس عون تبنّي الخيار الدبلوماسيّ في ما يتعلّق بالانسحاب الإسرائيليّ من لبنان، وبين طرح توم بارّاك الذي فاتح به المسؤولين اللبنانيّين خلال زياراته الأخيرة للبنان، تعطّلت جهود التفاوض بالكامل، وتركت واشنطن حليفتها، مرّة أخرى، “تصفّي حسابها” مع لبنان و”الحزب”، مع العلم أنّ الطرح الأميركيّ هذه المرّة أتى مغلّفاً بضمانات لانطلاقته عبر الطلب من إسرائيل إيقاف كلّ عمليّاتها العسكريّة.
المفارقة الكبرى أنّ كلام الرئيس نبيه برّي أتى في سياق الردّ المباشر، عقب لقائه رئيس الجمهوريّة، على “مطالعة” توم بارّاك على منصّة “إكس”.
نَسَف الرئيس برّي مقاربة بارّاك الذي حمّل الحكومة مسؤوليّة الفشل من خلال تأكيده أنّ الموفد الأميركيّ هو الذي أبلغ لبنان بأنّ إسرائيل رفضت مقترحاً أميركيّاً، وافق عليه لبنان، يقضي بإطلاق مسار تفاوضيّ يُستهلّ بوقف العمليّات الإسرائيليّة لمدّة شهرين، وينتهي بانسحاب إسرائيليّ من الأراضي اللبنانيّة المحتلّة وإطلاق مسار لترسيم الحدود وترتيبات أمنيّة. أمّا النتيجة فسقوط مسار التفاوض من دون جود أيّ متابعة أميركيّة راهناً لهذا الواقع، باستثناء اجتماعات “الميكانيزم” الناشطة في الناقورة بجنوب لبنان.
وجهة نظر أم واقع؟
لكن أين تكمن أهميّة كلام توم بارّاك، وإن غلّفه الأخير بـ”وجهة نظر شخصيّة”؟
– اشترط بارّاك نزع سلاح “الحزب” داخل لبنان ثمّ بدء مناقشات أمنيّة وحدوديّة مع إسرائيل. وهو ما يتعارض مع المقاربة اللبنانيّة التي لا تزال تشترط وقف إسرائيل كلّ عمليّاتها العدائيّة والانسحاب، كي يُعطى لبنان فرصة التمكّن من تنفيذ مهمّة حصر السلاح بيد الدولة. يتّفق رئيس الجمهوريّة والرئيس برّي وقائد الجيش على “صعوبة تحقيق المرحلة الأولى من خطّة الجيش من دون انسحاب إسرائيل التامّ من جنوب الليطاني”.
– على الرغم من مطوّلات الثناء التي أغدقها بارّاك سابقاً على الرؤساء الثلاثة والحكومة وقيادة الجيش، انتهى بتقويم سلبيّ جدّاً لجهة “استمرار إيران في تمويل ميليشيا “الحزب” على الرغم من العقوبات، وتقديم مجلس الوزراء اللبنانيّ رسائل متضاربة للقوّات المسلّحة اللبنانيّة، التي تفتقر إلى التمويل والسلطة للقيام بمهامّها. كانت النتيجة هدوءاً هشّاً بدون سلام، وجيشاً بلا سلطة، وحكومة بلا سيطرة”.
– لا يزال الوسيط الأميركي يأخذ على الحكومة فشلها في تنفيذ مهمّة نزع السلاح لسببين: سيطرة “الحزب” السياسيّة، وخوفها من حصول حرب أهليّة في معرض التزامها تطبيق مبدأ: “دولة واحدة، جيش واحد”.
– تحدّث بارّاك عن تقديم الولايات المتّحدة الأميركية في وقت مبكر من هذا العام خطّة “One more try” (محاولة واحدة أخرى) لنزع السلاح بشكل تدريجيّ، مع ضمان الامتثال وتقديم حوافز اقتصاديّة. مرّة أخرى حمّل الحكومة مسؤوليّة رفض المقترح بسبب نفوذ “الحزب” السياسيّ داخل الحكومة، جازماً أنّ “إسرائيل لم تقتنع بخطاب الحكومة غير المُطابق للواقع”.
هنا تقول مصادر مطّلعة لـ “أساس” إنّ التفاوض سابقاً بين بارّاك والرؤساء الثلاثة على التفاوض مع إسرائيل قطع أشواطاً متقدّمة، لكنّ لبنان الرسميّ فوجئ بتحييد لبنان بالكامل عن مشهد شرم الشيخ، فأتى التذكير من جانب الرئيس عون بقبول التفاوض مع إسرائيل، الذي أعلن لاحقاً برّي سقوطه بسبب الرفض الإسرائيليّ.
– كان بارّاك واضحاً بالقول إنّ الفرصة الأخيرة لا تزال قائمة: “فالشركاء الإقليميّون مستعدّون للاستثمار بشرط أن يستعيد لبنان احتكار القوّة الشرعيّة. أمّا إذا استمرّت بيروت في التردّد، فقد تتصرّف إسرائيل من جانب واحد، والعواقب ستكون وخيمة”.
– كان لافتاً جدّاً استحضار بارّاك لمسألة الانتخابات النيابيّة، حين قال: “فإذا فشلت بيروت في التحرّك، فستواجه الذراع العسكريّة لـ”الحزب” حتماً مواجهة كبيرة مع إسرائيل في لحظة قوّة إسرائيل ولحظة ضعف “الحزب” المدعوم من إيران. بالمقابل، سيواجه جناحه السياسيّ على الأرجح عزلة محتملة مع اقتراب انتخابات أيّار 2026″. أضاف: “إذا تعرّض “الحزب” لهجوم عسكريّ من إسرائيل، فمن المرجّح أن يسعى إلى تأجيل الانتخابات للحفاظ على قاعدته السياسيّة وإعادة التنظيم”.
تأجيل الانتحابات، برأي بارّاك، هو وصفة لـ “فوضى كبيرة داخل لبنان، وبمنزلة استيلاء غير دستوريّ على السلطة من قبل “الحزب” لترسيخ سيطرته، وهو ما سيؤدّي إلى شلّ البرلمان وتعميق الفراغ الحكوميّ واستعادة انتفاضة 2019″.
يتعارض كلام بارّاك مع الرسالة الإيجابيّة التي أطلقها الرئيس دونالد ترامب من الكنيست الإسرائيليّة باتّجاه رئيس الجمهوريّة والجيش، ومع معطيات ضبّاط “الميكانيزم”، ولذلك تدعو أوساط رسميّة إلى عدم اعتبار مواقف بارّاك استنتاجات أميركيّة رسميّة ونهائية تبني واشنطن مقاربتها لملفّ السلاح وأداء العهد على أساسها.