شهران على زيادة تعرفة "الاتصالات"... والخدمة من سيىء إلى أسوأ

كتبت سلوى بعلبكي في النهار: 

كما الكهرباء كذلك الاتصالات، سباق نحو الهاوية، وتهاوٍ مشترك لجميع قطاعات الدولة وخصوصا الخدماتية منها. تتوالد الأزمات على كل الصعد، وما ان يبدأ الكلام عن حلول أو مبادرات لاحتواء الأزمة قبل وقوع "المصيبة" حتى تتعقد الأمور ويطرأ ما يعوق أو يمنع، على افتراض النوايا الحسنة، واستبعاد السياسة ومناكفاتها.

"تخصيب الأزمات"... ربما هي العبارة ذات المدلول الأوضح عما يحصل. فزيادة رسوم الاتصالات والانترنت خلقت أزمة لدى المشتركين، والموضوع لا يزال عالقا أمام مجلس شورى الدولة، وربما يُطاح به ويعود كل شيء الى المربّع الأول، وموظفو شركتي الاتصالات رفعوا السقف وطالبوا بتسوية رواتبهم وحقوقهم بما لا يتناسب وقدرات الشركتين، وحذا موظفو "أوجيرو" حذوهم ووضعوا وزارة الاتصالات وإدارة "أوجيرو" أمام تحدي انقطاع الاتصالات في كل لبنان، بدأت طلائعه بانقطاع جميع الاتصالات الخليوية والأرضية وخدمات الانترنت الثلثاء الماضي عن كل الجنوب تقريبا، اضافة الى مناطق أخرى في بيروت وغيرها على كامل مساحة هذا الوطن المنكوب.

لم تعد الاتصالات رفاهية شخصية، فهي تحولت في عصر العولمة الشاملة، البنية التحتية للإقتصاد الجديد، أو ما يُطلق عليه "إقتصاد المعرفة"، وتقوم بوظيفة إقتصادية إنمائية إجتماعية، بسبب تداخل التقنيات الحديثة والاتصالات بمختلف جوانب الحياة، وأعمال التجارة والصناعة والمصارف، حتى صارت ركيزة أساسية في البنيان الاقتصادي والاجتماعي.

فهل اصبح قطاع الاتصالات في لبنان مهددا بالإنقطاع الكامل، وهو القطاع الذي قاربت ايراداته نحو 17 مليار دولار بين أعوام 2010 و2020، ورفد الخزينة العامة بنحو 11 مليار دولار؟

في تصريح إذاعي له في 25 أيار الماضي بعد انتهاء جلسة مجلس الوزراء التي أقرت زيادة تعرفة خدمات الاتصالات الخليوية والهاتفية بدءا من أول شهر تموز الماضي، أكد وزير الاتصالات جوني القرم ان "الاجراءات التي اتُّخذت بزيادة التعرفة على الاتصالات الخليوية والهاتفية هدفها حماية القطاع وعدم انهياره".

اليوم، وبعد شهرين من تطبيق زيادة تعرفات خدمات الهاتف على أنواعها بنسب تراوح ما بين ضعفين ونصف ضعف على الانترنت والشبكة الهاتفية الأرضية الثابتة، و5 أضعاف على الهاتف الخليوي، بدأت تتظهر على الأرض النتائج الفعلية التي جاءت معاكسة تماما لما توقعه الوزير قرم.

فخدمات الهاتف الخليوي تتجه من السيىء إلى الأسوأ مع انقطاعات متكررة لفترات طويلة في مختلف المناطق اللبنانية، لا سيما منها البعيدة عن العاصمة، كما هي الحال في البقاع الشمالي وعكار والشريط الجنوبي، مع قيام موظفي شركتي الخليوي بتحركات متكررة الأسبوع الماضي وإضرابات للمطالبة بزيادة رواتبهم واحتسابها على قاعدة 8 آلاف ليرة للدولار الواحد ودفع نسبة مئوية منها تصل إلى 20% بالفريش دولار. وقد استجاب وزير الاتصالات لمطالب موظفي الخليوي مع موافقة مشروطة بتحقيق نتائج تحسينية ملموسة خلال فترة ثلاثة أشهر، على أن تدفع زيادة الرواتب وفق جدول زمني يتلازم مع تحسين النتائج.

أما خدمات الإنترنت والهاتف الثابت على الشبكة الأرضية التي تديرها وتشغلها "هيئة أوجيرو"، فإنها منذ أول من أمس عرضة للتوقف الكامل، الامر الذي يدخل لبنان بكل قطاعاته في "عتمة" رقمية شاملة تضاف إلى العتمة الكهربائية، وذلك على خلفية الإضرابات التي ينفذها موظفو "أوجيرو" بغية تحسين رواتبهم على غرار موظفي شركتي الخليوي.

فمنذ أشهر عدة، يسود "هيئة أوجيرو" جو من الخيبة والإحباط بسبب الإنهيار الهائل الذي أصاب القدرة الشرائية لرواتبهم من دون أن تعمد وزارة الاتصالات الى اتخاذ أي تدبير يؤدي إلى تصحيح الوضع. بيد أن هذا الجو تطور إلى شعور بالغبن والظلم عندما ظهرت إلى العلن التدابير التي اتخذها وزير الاتصالات بشأن تحسين رواتب موظفي الخليوي، متناسيا ومهملا مطالب موظفي "أوجيرو"، بدليل أن مصادر في إدارة "أوجيرو" أكدت لـ"النهار" أنها أرسلت قبل بضعة أسابيع دراسة كاملة بهذا الشأن.

وما زاد في الطين بلّة الاجتماع الذي عقد بعد ظهر أول من أمس في مكتب وزير الاتصالات بناء على طلبه مع نقابة "هيئة أوجيرو" برئاسة إيلي زيتوني وأمين السر هيثم كبي وعضو مجلس إدارة الهيئة هادي بوفرحات. فالاجتماع الذي استمر لساعات متأخرة من المساء تخللته مشادات حادة ونقاشات مأزومة مع ارتفاع نبرة الأصوات بين الأفرقاء. وجاءت نتيجة الاجتماع سلبية جدا، حيث أكد الوزير قرم عدم إمكان الاستجابة لمطالب عمال الهيئة وعدم إمكان معاملتهم بالتساوي مع موظفي الخليوي، لأن هؤلاء، على حد تعبير الوزير قرم "لا يدخلون ضمن السلك العام للدولة اللبنانية"، وأن من السهل عليه زيادة رواتب موظفي الخليوي وتعديل كيفية تسديدها لأنه يسددها مباشرة من المبالغ المحصلة من الفواتير التي تتم جبايتها من المشتركين قبل تحويلها إلى وزارة الاتصالات. وهذا الأمر، وفق ما نُقل عنه، يختلف عن "هيئة أوجيرو" التي تقوم بتحصيل فواتير الهاتف الثابت وتحويلها مباشرة إلى الحسابات المصرفية لوزارة الإتصالات من دون اقتطاع أي مبالغ منها خلافا لما هي الحال مع شركتي الخليوي.

وانتهى الاجتماع بتلويح الوزير قرم لوفد "أوجيرو" بأنه سوف يستعين بقوى الجيش والأجهزة الأمنية لتشغيل الشبكات الهاتفية الثابتة وصيانتها في حال عدم عودة عمال "أوجيرو" عن إضرابهم فورا.

وفي حين أكدت مصادر نقابة موظفي وعمال "أوجيرو" أن النقابة أوضحت للوزير قرم جملة من الأمور والشروحات التي تجعلهم يستحقون كما زملائهم في شركتي الخليوي زيادة رواتبهم على قدر المساواة، رأت مصادر أخرى في "أوجيرو" أن الوزير قرم أساء إدارة ملف رواتب موظفي شركتي "تاتش" و"ألفا"، وأن تصاريحه الأخيرة بهذا الشأن في وسائل الإعلام تشي وكأن ثمة اتفاقا سريا تم بينه وبين نقابة موظفي الخليوي لزيادة رواتبهم ودفع قسم منها بالدولار على سعر منصة "صيرفة"، مستثنيا بشكل نافر وغير مبرر زملاءهم العاملين في القطاع ذاته لدى "هيئة أوجيرو"، وقد شكّل هذا التمييز فتيل التحرك والإضرابات لدى موظفي "أوجيرو".

مصادر إدارية عليا ومسؤولة في "أوجيرو" أكدت لـ"النهار" أن مجلس إدارة الهيئة كان قد أعد دراسة متكاملة لتكاليف زيادة الرواتب بنسبة ضعفين ونصف ضعف لجميع المستخدمين والمياومين والمتعاقدين والملحقين العاملين في الهيئة. وتبين أن هذه الكلفة تبلغ 210 مليارات ليرة لبنانية سنويا (أي ما يعادل 7 ملايين دولار بحسب سعر السوق حاليا). وقد قام مجلس إدارة الهيئة منذ تاريخ تطبيق مرسوم زيادة التعرفة بإصدار قرار إداري معلل بالموافقة على هذه الزيادة وأرسله مع الدراسة المذكورة الى وزير الاتصالات للمصادقة عليه بحسب الأصول، بيد أن وزير الاتصالات، وفي محاولة منه لكسب الوقت و"تضييع الشنكاش" أرسل كامل الملف الى مجلس شورى الدولة طالباً إبداء الرأي، في خطوة هي الأولى من نوعها بهذا الشأن، إذ إن هذا الموضوع لا يتطلب عرضه على مجلس الشورى.