طمس 4 آب: عودة موظفي "نترات أمونيوم" المرفأ إلى أعمالهم

ما يحصل في ملف المرفأ قضائياً وسياسياً لا يدل إلا على حقيقة واحدة فقط، وهي أن السلطة السياسية ترغب بطي أوراق هذا الملف أو حتى إحراقه نهائياً، وتحويل قضية الرابع من آب إلى ذكرى "حادث"، تقتصر على إضاءة الشموع بالقرب من تمثال المغترب ورفع صور بعض الضحايا.

المنظومة الحاكمة برموزها، تملك ما يكفي من الإسفاف اللازم لتحويل ملف تفجير المرفأ إلى مجرد مأساة منسية، تحيلها للقدر.. لا للقضاء. بل وكأن الرابع من آب لم يكن، والعاصمة لم تنفجر بأهلها، والبحر لم يبتلع الضحايا، والإهراءات لم تسقط. فلا كارثة وقعت ولا عائلات مفجوعة.

قرار حمية
يوم أمس الثلاثاء 6 حزيران، تبلّغ محمد المولى، رئيس الميناء في مرفأ بيروت، بقرار عودته لمتابعة مهامه داخل المرفأ.

وحقيقة ما حصل بدأ في الخامس من نيسان تحديداً، حين قدّم وزير الأشغال العامة، علي حمية، لائحة تضم أسماء موظفين في المرفأ من غير الفئة الأولى، المشمولين بقرار مجلس الوزراء، وطلب من هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل إبداء رأيها بشأن إمكانية عودتهم إلى مزاولة مهامهم في الإدارات والمؤسسات التابعين لها. ما يعني أنه بحاجة إلى "مخرج" قانوني- قضائي كي يمكنهم من العودة إلى مزاولة عملهم داخل المرفأ.

وفي الخامس والعشرين من نيسان الماضي، قدمت هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل برئاسة القاضية جويل فواز، زوجة وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال، القاضي هنري الخوري، تحليلها القانوني لموضوع حمية، وهو: "..لطالما لم يصدر أي قرار عن الوزير يقضي بوضع موظفين معينين بالتصرف، لا يعتبر قرار مجلس الوزراء ملزماً ونافذاً، ويمكن للموظفين في الوزارة من غير الفئة الأولى العودة إلى مزاولة مهامهم.. لعدم صدور أي قرار يقضي بوضعهم في تصرف الوزير أو الإدارة.."

وبناءً على هذه الاستشارة، اعتبر حمية أنها موافقة "قضائية" على طلبه، وجرى على هذا الأساس إبلاغ المولى يوم أمس.

ومحمد المولى، هو واحد من الموظفين المُطالب بعودتهم إلى مهامهم في مرفأ بيروت، أما باقي الموظفين فهم: المهندس ميشال جوزف نحول، مدير إدارة المشاريع، المهندس سامر محمد رعد، مدير إدارة العمليات بالتكليف ورئيس مصلحة الدروس ونظم المعلومات الجغرافية لدى إدارة الدراسات. المهندس مصطفى سليم فرشوخ، رئيس مصلحة البضائع العامة، والمهندس محمد زياد راتب العوف، مدقق رئيسي ومكلف بمهام رئيس مصلحة الأمن والسلامة لدى إدارة توكيف الجودة.

واللافت في هذه اللائحة، هو اسم محمد زياد العوف، المتواجد في الولايات المتحدة الأميركية، والمرجح أنه كان على علم مسبق بقرار إخلاء سبيله، إذ تمكن من السفر بعد ساعات قليلة من إخلاء سبيله، قبل أن يعمم القاضي عويدات قرار منعه من السفر.

قرار عويدات
وبالعودة قليلاً إلى عام 2020، فقد أصدرت النيابة العامة التمييزية قراراً يقضي بتوقيف الموظفين، والتحقيق معهم بجرم "اتهامهم بالإهمال الوظيفي والقصد الاحتمالي لجريمة القتل"، نتيجة تفجير مادة النيترات داخل المرفأ في الرابع من آب، خصوصاً أنهم يشغلون مناصب رفيعة داخل المرفأ.

 وبعد أكثر من عامين على توقيفهم، قرّر المدعي العام التمييزي، القاضي غسان عويدات، إخلاء سبيل جميع الموقوفين في هذا الملف، والادعاء على المحقق العدلي، طارق البيطار بجرم "اغتصاب السلطة وإنتحال صفة"، مما أدى إلى توقف التحقيقات مرة أخرى.

ويعني هذا، أن المنظومة الحاكمة لم تكتف بعرقلة ملف التحقيقات فقط، بل تحاول إرجاع كل الموظفين إلى المرفأ وكأن شيئاً لم يكن، وقبل أن يصدر القرار الاتهامي عن البيطار الذي سيحدد فيه براءتهم أو تورطهم.

وعلى هذا الأساس، تواصلت "المدن" مع وزير العدل، هنري الخوري، لتوضيح حقيقة هذا الأمر، فأكد أن مهمة هيئة التشريع والاستشارات هي تقديم آراء قانونية فقط لا غير، وبالتالي قرار عودتهم لمزاولة عملهم هو من مسؤولية الوزير حمية فقط.

من جهة أخرى، حاولت "المدن" التواصل مع الوزير حمية، ولكننا لم نحصل على أي رد منه حول هذه القضية.

ملاحقة الأهالي
ولا نحتاج لكثير من الشرح لوصف حجم المهانة التي تلحق بالقضاء اللبناني، بل يكفي القول أن هذا القضاء نفسه، قرر ملاحقة أهالي ضحايا المرفأ والتحقيق معهم عوضاً عن ملاحقة كل متهم أو متورط في هذه القضية.

وعوضاً عن معاقبة كل مسؤول أو موظف وافق على إدخال مادة النيترات إلى المرفأ وتخزينها بطرق عشوائية، قرر القضاء التحقيق مع ويليام نون وبيتر بو صعب بجرم اتهامهما "بمحاولة إحراق قصر العدل ببيروت"، بعد أن قاما يوم الخميس 1 حزيران بحرق الإطارات أمام مدخل الحديد لقصر العدل، اعتراضاً على عرقلة هذا الملف ومنع تحقيق العدالة.

وصباح اليوم الأربعاء، 7 حزيران حقق معهما حوالى ساعة ونصف الساعة في تحري بيروت، ليقرر بعدها النائب العام الاستئنافي، القاضي زياد أبو حيدر تركهما بسند إقامة وفرض عليهما توقيع تعهد بعدم التعرض لقصر العدل وعدم إشعال الإطارات أمامه.

اليوم وأكثر من أي وقت مضى، تثبت المنظومة السياسية أنها لا تريد سوى طمس حقيقة ما حصل في الرابع من آب، وشطب هذا التاريخ من ذاكرة الأهالي، ظناً منها أن ملاحقة الأهالي يعني تمكين السلطة السياسية من اسكاتهم ومنعهم من مطالبة العدالة لضحاياهم.