المصدر: النهار
الثلاثاء 21 تشرين الأول 2025 06:33:32
إختصرت "العاصفة الجديدة" التي أطلقها الموفد الأميركي إلى لبنان توم برّاك أمس مجمل المشهد اللبناني وأخذته إلى منحى تشاؤمي لا جدل حياله، باعتبار أن المواقف الصادمة الجديدة والمفاجئة لبرّاك، وإن كان لبنان عهد مثلها سابقاً منه، بدت الأشد صرامة وقسوة وخطورة في آن واحد، نظراً إلى عدم إمكان تجاهل دلالاتها والمكانة الوثيقة الصلة التي يحتلها برّاك لدى الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
ومع أن البعض ذهب إلى اعتبار "مضبطة" برّاك المطوّلة التي خطها "بصفة شخصية" على صفحته بأنها خلاصة مهمته العلنية والضمنية في لبنان قبيل تسلّم السفير الأميركي الجديد اللبناني الأصل ميشال عيسى مهمته في بيروت في بداية الشهر المقبل، فإن المضمون الساخن بل الحار للمواقف التي أطلقها برّاك من خلال مضبطته بدا أبعد من مناسبة تسلّم عيسى لمهماته سواء نُحيّ برّاك عن ملف لبنان أم بقي على اتصال وتنسيق مع السفير لاحقاً. وقد اكتسبت مواقفه بعداً أقرب إلى التحذير الشهير الذي أطلقه الموفد الأميركي السابق ريتشارد مورفي قبيل نهاية عهد الرئيس أمين الجميّل "مخايل الضاهر أو الفوضى"، مع فارق جوهري في الإنذار الذي جسّده كلام برّاك لجهة التحذير من مواجهة كبيرة بين إسرائيل و"حزب الله"، ومن دون أن يفوته التحذير أيضاً من سيناريو "فوضى" قد يؤدي إليه تأجيل الانتخابات النيابية المقبلة بسبب حرب محتملة جديدة.
وإذ علم أن مواقف برّاك شغلت الاهتمامات الرئاسية وخصوصاً في اجتماع رئيس الجمهورية جوزف عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري في بعبدا أمس، لفت المراقبين أن بري سارع بعد الظهر إلى الحديث عن مبادرة كان يزمع برّاك إطلاقها لمسار تفاوضي ورفضتها إسرائيل، واستغربوا أن يكون برّاك أطلق ما أطلقه من مواقف منتقدة وحادة حيال السلطات اللبنانية لو كان لبنان وافق فعلاً على مبادرته. وتترقب الأوساط المعنية تالياً جلاء حقيقة الأمر بعد الاطلاع على معطيات رئاستي الجمهورية والحكومة والأميركيين في هذا الصدد.
وكان توم برّاك الذي شدّد على "نزع سلاح حزب الله داخل لبنان وبدء مناقشات أمنية وحدودية مع إسرائيل" اعتبر أن "اتفاق وقف الأعمال العدائية الذي رُعِي في 2024 من قبل إدارة بايدن، وبواسطة وسطاء أميركيين وأمميين، سعى إلى وقف التصعيد لكنه فشل في النهاية".
وبدا لافتاً قوله "يظل مبدأ الحكومة اللبنانية "دولة واحدة، جيش واحد" أكثر من مجرد طموح، مقيداً بسيطرة حزب الله السياسية وخوفه من الاضطرابات المدنية". وأوضح أن "الولايات المتحدة قدمت خطة "محاولة واحدة أخرى"، وهي إطار لنزع السلاح المرحلي، والامتثال الموثق، والحوافز الاقتصادية تحت إشراف الولايات المتحدة وفرنسا. رفض لبنان اعتمادها بسبب تمثيل وتأثير حزب الله في مجلس الوزراء اللبناني. بدلاً من ذلك، علّق مجلس الوزراء اللبناني في شلل طائفي، محاولاً اتخاذ خطوة حسن نية، وهو أمر استبعدته إسرائيل تمامًا".
ورأى أن "نزع سلاح حزب الله، ليس فقط مصلحة أمنية لإسرائيل بل هو فرصة للبنان للتجديد. لإسرائيل، يعني ذلك حدودًا شمالية آمنة. للبنان، يعني استعادة السيادة وفرصة للنهضة الاقتصادية. وللولايات المتحدة، يحقق إطار السلام من خلال الازدهار".
وذهب إلى التحذير من أنه "إذا فشلت بيروت في التحرك، فإن الذراع العسكرية لحزب الله ستواجه حتماً مواجهة كبيرة مع إسرائيل في لحظة قوة إسرائيل ونقطة ضعف حزب الله المدعوم من إيران. وفي المقابل، سيواجه جناحه السياسي على الأرجح عزلة محتملة مع اقتراب انتخابات أيار 2026… وإذا تعرّض حزب الله لهجوم عسكري خطير من إسرائيل وخسر أراضٍ أو سياسياً أو سمعة، فمن المرجح أن يسعى لتأجيل انتخابات أيار 2026 للحفاظ على قاعدته السياسية وإعادة التنظيم… وسيؤدي تأجيل انتخابات 2026 بذريعة الحرب إلى فوضى كبيرة داخل لبنان، ما يغرق النظام السياسي الهش بالفعل ويعيد إشعال عدم الثقة الطائفية".
مواقف برّاك حضرت إلى جانب ملف التفاوض مع إسرائيل في لقاء الرئيسين عون وبري، ولدى خروجه من بعبدا اكتفى بري بالقول: "اللقاءات دائماً ممتازة مع فخامة الرئيس".
غير أنه بادر بعد ساعات إلى ابلاغ صحيفة "الشرق الأوسط" أن الموفد الأميركي توم برّاك، أبلغ لبنان بأن إسرائيل رفضت مقترحاً أميركياً يقضي بإطلاق مسار تفاوضي يستهل بوقف العمليات الإسرائيلية لمدة شهرين، وينتهي بانسحاب إسرائيلي من الأراضي اللبنانية المحتلة وإطلاق مسار لترسيم الحدود وترتيبات أمنية، وتالياً، قال بري إنه "تم التراجع عن أي مسار للتفاوض مع إسرائيل، ولم يبقَ سوى الآلية المتبعة عبر لجنة الإشراف على تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار (الميكانيزم)".
وذكر أن برّاك نقل إلى الجانب اللبناني في الأسبوع الماضي، مبادرة تقوم على أن يجتمع رؤساء الجمهورية جوزف عون، والبرلمان نبيه بري، والحكومة نواف سلام معه لمناقشة انسحاب إسرائيلي من لبنان خلال شهرين، ووقف الخروقات، في إشارة إلى مفاوضات غير مباشرة لحل الأزمة، وكان رد لبنان إيجابياً على المبادرة الأميركية. وقال بري إن "برّاك أبلغ لبنان بشكل رسمي أن المبادرة رفضتها إسرائيل، وبالتالي، لم يعد هناك من مسار ديبلوماسي قائم، إلا العمل ضمن آلية لجنة (الميكانيزم)". وأشار إلى أنه "حصل تطور مهم في آلية عملها، بعدما باتت تجتمع كل أسبوعين، خلافاً للمسار الذي اتبعته في السابق".
وسط هذه الأجواء، تواصل التصعيد الإسرائيلي في الجنوب حيث نفّذ الطيران الحربي الإسرائيلي بعد الظهر سلسلة غارات جوية وصلت إلى ثماني غارات استهدفت مناطق مفتوحة وأودية في مناطق المحمودية، الجرمق، مجرى نهر الخردلي، وهي تقع عند اطراف بلدتي الجرمق ومزرعة الدمشقية إلى الشرق من سهل الميدنة- كفررمان. وألقت الطائرات المغيرة عدداً من الصواريخ التي احدث انفجارها دوياً هائلاً تردّد صداه في مناطق النبطية ومرجعيون والريحان وإقليم التفاح وتعالت سحب الدخان الكثيف التي غطت أجواء المنطقة المستهدفة.