عراقجي: "خيبر شكن" كان حاسماً في الحرب

اعتبر وزير الخارجية الإيرانية عباس عراقجي في مقابلة مع موقع "العربي الجديد"، أن دخول الولايات المتحدة في الحرب كان دليلاً على فشل إسرائيل. وأضاف "كان تصوّرهم البسيط أن إيران ستُعلن الاستسلام بمجرّد تدخل أميركا، لكنهم عندما شاهدوا أن ردّنا باستخدام الجيل الثالث من صواريخ (خيبر شكن) كان أقوى وأكثر حسماً، تراجعوا عن مواصلة الحرب".
وشدد عراقجي في المقابلة التي نُشرت اليوم الثلاثاء، على أن "العلاقات بين إيران وكل دولة من دول الجوار، بما فيها دولة قطر الشقيقة والصديقة، تقوم على عمق استراتيجي، وترابط تاريخي، وامتداد اجتماعي متين لا يتزعزع". وأكد أن "احترامنا سيادة هذه الدول وقطر ووحدة أراضيها قائم وثابت، ويجب ألا تفسر أو تؤوّل هذا الإجراء (قصف قاعدة العديد) على أنه عدوان عليها.

وفيما يلي نص المقابلة:

بعد 12 يوماً من الحرب، جرى التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق نار بين إيران وإسرائيل. ما أبرز بنوده؟ وهل جرى الاتفاق على استئناف المفاوضات مع الولايات المتحدة؟

المبدأ الأول في الوضع الراهن قبل كل شيء أن يتضح ما إذا كان المعتدون يملكون القدرة على تنفيذ ما اقترحوه والحفاظ عليه، أم إن التنافسات الداخلية بين أجنحة السلطة داخل الكيان الصهيوني ستجعلها، كما في السابق، تستخدم وقف إطلاق النار رهينةً لإدارة تحدّياتها الداخلية في جولة جديدة.

ألم يكن ممكناً التوصل إلى مثل وقف إطلاق النار هذا قبل الهجوم على المنشآت النووية؟

لم تبدأ إيران الحرب. طالما كانت بلادنا تتعرّض للعدوان، واعتمدت مبدأ الدفاع أساساً. وحتى بعد ذلك، إذا ما وقع تعدٍّ على السيادة والوحدة الترابية للجمهورية الإسلامية، فسيكون الرد على المنوال نفسه. كما أكدتُ في الموتمر الصحافي في إسطنبول، فإن دخول الولايات المتحدة في الحرب كان دليلاً على فشل إسرائيل وعدم قدرة هذا الكيان على الصمود. كان تصوّرهم البسيط أن إيران ستُعلن الاستسلام بمجرّد تدخل أميركا، لكنهم عندما شاهدوا أن ردّنا باستخدام الجيل الثالث من صواريخ "خيبرشكن" (كاسر خيبر) كان أقوى وأكثر حسماً، تراجعوا عن مواصلة الحرب، وطرحوا وقف إطلاق النار عبر الوسطاء. وقد جاء قبول إيران وقف إطلاق النار على أساس الحفاظ على التفوّق الأخلاقي والمعياري، من أجل تحويل هذا النهج وهذه الرؤية إلى أساس لسياسة جديدة تقوم على القيم الإقليمية والإسلامية. من ثم، فإن من شأن دعم حكومات المنطقة المسلمة وشعوبها هذا التوجه الجماعي والمصيري أن يزيد من عزلة الكيان الصهيوني الذي لا يلتزم بأي أخلاق أو قيم.

في إطار ردّها على الضربات الأميركية، استهدفت إيران قاعدة العديد في قطر. يرى مراقبون أن هذا العمل كان خطأ استراتيجياً بحق الدوحة، خصوصاً بعد كل الأدوار المؤثرة التي أدّتها.

يندرج إجراء إيران الاستراتيجي، أي الرد على القواعد العسكرية والاستخباراتية الأميركية في المنطقة، ضمن حق الدفاع عن النفس. هذا العمل ضد أميركا لا يعني انتهاك سيادة ووحدة أراضي جيران إيران. ترى الجمهورية الإسلامية الإيرانية، مع احترامها الكامل لمجموع الحقوق السيادية والوطنية لدول الجوار، أن من الضروري أن تردّ بقوة للدفاع عن كيانها. وهذا يعني أن الولايات المتحدة لن تستطيع استغلال أراضي الدول الأخرى ملاذاً آمناً لتحقيق أهدافها وزعزعة استقرار المنطقة. وفي هذا الإطار، جرى توجيه التحذيرات اللازمة بشكل واضح ومباشر. على سبيل المثال، في آخر اجتماع سري، عُقد يوم الأحد الماضي، لوزراء خارجية الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، أشرت إلى هذا الموضوع وسُجل في وثائق المنظمة. العلاقات بين إيران وكل دولة من دول الجوار، بما فيها دولة قطر الشقيقة والصديقة، تقوم على عمق استراتيجي، وترابط تاريخي، وامتداد اجتماعي متين لا يتزعزع. ونحن نحترم سيادة كل منها وسنواصل علاقاتنا الثابتة والشاملة معها بكل عزم وإرادة. وعلى أية حال، هذه قواعد أميركية في المنطقة رأت تلك الدول لأسباب تخصّها، سواء متعلقة بأمنها أو بأمور أخرى، أن تمنح الولايات المتحدة حق استخدامها. لقد أوضحنا لهذه الدول أننا لا ننوي الاعتداء على أراضيها. فاحترامنا سيادة هذه الدول وقطر ووحدة أراضيها قائم وثابت، ويجب ألا تفسر أو تؤوّل هذا الإجراء على أنه عدوان عليها.

بعدما نفذت الولايات المتحدة الضربات على المنشآت النووية، هل أرسلت رسائل إلى إيران، وما مضمونها؟

نعم، أرسل الأميركيون رسائل إلينا باستمرار، قبل العدوان وبعده، وعبر قنوات مختلفة، وهذا طبيعي فثمة نقاط يجب تبادلها. تلقينا رسائلها وأجبنا عليها بما يلزم عبر الوسطاء والقنوات غير المباشرة، وهو أمر شائع في الدبلوماسية. وكان الهدف تجنّب سوء الفهم واحتواء التصعيد، ولتوضيح المواقف بعضنا لبعض. أكدنا لجميع الوسطاء أن إيران لن تعود إلى طاولة التفاوض مع الولايات المتحدة، ولن نستأنف المسار الدبلوماسي ما لم يتوقف العدوان. هذا موقفٌ أبلغناه للوسطاء وشرحناه للأوروبيين أيضاً، وأعتقد أنهم باتوا يدركون موقفنا جيداً، ويجب أن ننتظر لنرى ماذا سيحصل في المستقبل.

إذا لم يصمد وقف إطلاق النار وعادت إسرائيل أو أميركا إلى العدوان، إلى أي مدى تستطيع إيران الصمود في وجه ذلك؟

الجواب واضح. لقد أظهرنا مقاومةً قويةً للغاية، خلافاً لما تصوّره الكيان المعتدي من أن ضرباته القاضية في الأيام الأولى ستُجبر إيران على الاستسلام، وهذا لم يحدث، بل كل يوم تزداد القدرة النارية لإيران وتقوى عزيمتها. ازدادت دقة صواريخنا، وأثبتت الأحداث أن إيران ما زالت قوية. كان صمود شعبنا ممتازاً، ومستوى التلاحم بين الشعب والحكومة مأمول للغاية. رأى الشعب الصدق في حكومة إيران، التي ذهبت إلى طاولة المفاوضات، والطرف الآخر هو من خان طاولة التفاوض. ثبتت الحكومة في الميدان التفاوضي ودافعت عن حقوق الشعب ولم تتراجع، كما أنها وقفت بقوة في ميدان القتال والدفاع. وهناك فعلاً وحدة وطنية ملموسة وصمود شعبي كبير، رغم مشكلات الحرب وما رافقها من معاناة وسقوط شهداء وجرحى ومخاوف، لكنني واثق بأن النظام والدولة سيظلان صامدين حتى النهاية دفاعاً عن وحدة إيران وسيادتها واستقلالها ومصالح شعبها وإنجازاته.

إلى أي مدى يؤثر العدوان الإسرائيلي والأميركي سلباً على عزيمة إيران بمواصلة برنامجها النووي، وخصوصاً تخصيب اليورانيوم في المستقبل؟

سيكون التأثير إيجابياً. فهذا يعزّز إرادتنا ويجعلنا أكثر عزماً وصلابة. لقد بذلنا جهداً كبيراً للوصول إلى هذه التكنولوجيا وقدّم علماؤنا تضحيات جسيمة، بل فقدوا أرواحهم من أجل هذا الهدف. تحمّل شعبنا العقوبات لأجل هذا، وفُرضت حرب على أمتنا بسبب هذه القضية. مؤكّد أن لا أحد في إيران سيتخلى عن هذه التكنولوجيا. كان برنامج إيران النووي شفافاً وتحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

هل من الممكن أن يدخل البرنامج النووي الإيراني، بعد هذه الاعتداءات، في حالة من الغموض وتعيد إيران النظر في علاقاتها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية؟

من المبكّر تناول هذه القضايا الآن، غير أن الاعتداء الذي استهدف منشآتنا النووية ستكون له بالقطع آثار جسيمة وعميقة في مسار إيران خلال الفترة المقبلة، وهذا أمرٌ لا مفر منه. لقد سعينا سنوات طويلة لنبرهن للعالم أننا ملتزمون بمعاهدة عدم الانتشار النووي (NPT) ونرغب في العمل ضمن إطارها، لكن للأسف هذه المعاهدة لم تستطع أن توفر الحماية لنا أو لبرنامجنا النووي. هذه نقطة يجب أخذها بعين الاعتبار. وقد ساهمت التقارير التي أعدتها الوكالة بصورة كبيرة في الوصول إلى الوضع الراهن، ونحن غير راضين عن أسلوب تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ونعتقد أن وراءها دوافع سياسية. وهذه أيضاً نقطة مؤثرة. كما أن مسألة كيفية حماية منشآتنا النووية في المستقبل يجب أن توضع في الاعتبار. لماذا لم تسفر عشرون عاماً من الشفافية وبناء الثقة عن نتائج إيجابية؟ سيحظى هذا الموضوع  بالاهتمام. وأتصور أن نظرتنا إلى البرنامج النووي ولنظام عدم الانتشار ستشهد تغييراتٍ لا يمكنني الآن الحكم على اتجاهها.

وسط الحرب والعدوان، أطلقتم حراكاً دبلوماسياً مكثفاً، ما الهدف من ورائه؟

من الطبيعي أن يكون هدفنا الأول المساهمة في تعزيز أمن البلاد بفضح المعتدي أمام العالم وإدانته، والتواصل مع الدول الأخرى لحثّها على اتخاذ مواقف قوية ضد العدوان وضد الإجراءات التي اتخذتها أميركا والكيان الصهيوني، بما يحقق نوعاً من الردع السياسي أمام هذه الهجمات ويمنع تكرارها مستقبلاً. تستطيع الدبلوماسية أن تلعب دوراً فعالاً في هذا الجانب، وأعتقد أننا نجحنا، فدول المنطقة كلها تقف إلى جانبنا وتدين العدوان، والدول الإسلامية تدعمنا، وكذلك دول كثيرة. بطبيعة الحال، الغربيون والأوروبيون والأميركيون مع كامل الوقاحة لا يكتفون بعدم دعمنا، بل يحاولون تبرير عدوان إسرائيل بشتى الذرائع. ومع ذلك، نبذل جهدنا لإيصال حق الشعب الإيراني إلى أسماع العالم، وعلى بقية الدول أن تدرك مواقفنا لتتخذ الموقف الصحيح. هذه مهمّة الدبلوماسية في زمن السلم والحرب، ومن الطبيعي في زمن الحرب أن نتابع هذه المساعي بمزيد من العزم والإصرار.

هل انتهت لقاءاتكم مع الأوروبيين في جنيف إلى أي توافق أو نتائج معينة؟

كانت الاجتماعات مفيدة لجهة تعريف الأوروبيين أكثر بمواقفنا، على الرغم من أنهم يدعمون إسرائيل. ومن جهة سحب الاتهامات التي كانت توجّه إلينا، أرى أنه كان في غاية الأهمية؛ فالرؤية القائلة إنه لا يوجد حل عسكري لهذه المسألة مع إيران أصبحت راسخة في أوروبا، وتكرّست هذه القناعة عقب التطورات أخيراً، وأصبح واضحاً أن هذه الاعتداءات لا تحل المشكلة في نهاية المطاف. وهذه المفاوضات، رغم أنها لم تحل المشكلة بالكامل، ساهمت في تعزيز الفهم المتبادل بين الجانبين. ولهذا السبب، أعلن الطرفان استعدادهما لمواصلة هذه الحوارات. وكما قلت سابقاً وأكرر الآن، لا أسمّي هذه العملية مفاوضات، بل حواراً بين إيران وأوروبا. تجرى المفاوضات عادة بهدف التوصل إلى اتفاق؛ لا نحن نبحث عن اتفاق مع أوروبا، ولا الأوروبيون يملكون القدرة على ذلك. يجب أن يتضمّن الاتفاق الذي نسعى إليه رفع العقوبات، وهذا خارج قدرة أوروبا. ومع ذلك، يظلّ الحوار دائماً أمراً إيجابياً، لا سيما في ظروفه الطبيعية. وأرى أن الحوار المتواصل بيننا وبين أوروبا يساهم في تقليص سوء التفاهم.

هل قدّم الأوروبيون مقترحات محدّدة لكم خلال مباحثات جنيف؟

كانت هناك مقترحات عامة، سواء بشأن وقف المواجهات، أو حول مستقبل الملف النووي الإيراني. لكن أوروبا ليست طرفاً رئيسياً ذا تأثير حاسم في هذه القضايا، ودورها يقتصر على الحوار.

هل أنت راضٍ عن نتائج زيارتك روسيا؟

نعم، للغاية. عقدت لقاءً ممتازاً مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. لقد اتخذت روسيا مواقف قوية وواضحة في إدانة العدوان الأميركي وعدوان الكيان الصهيوني. روسيا دولة مؤثرة في مسألة الملف النووي الإيراني، ولدينا تعاون معها في مجالاتٍ عديدة، من مفاعل بوشهر إلى المحطات النووية المستقبلية، وقد كانت عضواً في مجموعة "5+1" (الاتفاق النووي لعام 2015)، وكنا نتشاور معها على الدوام، ونتبادل وجهات النظر ونستفيد من مقترحاتها. وفي ظل تصاعد هذه الأحداث، كان لا بد من التشاور والتنسيق الدقيق بيننا، ومواصلة المسار المشترك.

كيف تقيّمون موقف دول المنطقة على المستويين الرسمي والشعبي تجاه هذا العدوان؟

كان الموقف جيداً على المستويين. دانت جميع الدول العدوان، بعضها بلهجة شديدة وبعضها بلهجة أكثر هدوءاً، لكننا شهدنا موقفاً موحّداً تقريباً في كل المنطقة والعالم الإسلامي. كان البيان الذي صدر عن وزراء خارجية الدول الإسلامية في إسطنبول قوياً جداً، وأضاف بنداً خاصاً لإدانة العدوان الأميركي، إذ تزامن ذلك مع انعقاد اليوم الثاني للاجتماع في اليوم نفسه. أعتقد أن مواقف الحكومات كانت إيجابية، وعلى المستوى الشعبي والرأي العام في الدول العربية أو الإسلامية أو في مناطق أخرى، شهدنا تضامناً غير مسبوق مع الشعب الإيراني. هذا يظهر بوضوح في التغريدات والمقالات والمقابلات واللقاءات المختلفة. وأتصوّر أنّ التقارب بين الرأي العام العربي والإسلامي والشعب الإيراني حصل أكثر من أي وقت مضى، وهذه إحدى بركات الأحداث. أنا سعيد جداً لأن عدوان إسرائيل كان له على الأقل هذه الفائدة الكبرى، وهي توحيد الرأي العام العربي والإسلامي بشكل غير مسبوق، وازدياد التضامن الإقليمي. لسنواتٍ، سعت بعض الأطراف إلى تخويف المنطقة من إيران وتصويرها خطراً وتهديداً، أما اليوم فقد زال هذا الخوف وبات العدو الحقيقي معروفاً للجميع. فقد حاولت إسرائيل سنوات أن تعكس هذه المعادلة، وتروّج أن إيران تهديدٌ للمنطقة، لكن هذه الخطة فشلت نهائياً. أودّ أن أشكر وسائل الإعلام العربية، لا سيما المعلقين والكتّاب في العالم العربي الذين أدّوا دوراً مهماً في شرح هذه المواقف وتوضيحها، ونحن نقدّر ذلك وسنواصل العمل على تعزيز هذه الوحدة والتضامن الذي تشكّل اليوم.