عسكريون متقاعدون دعوا لعصيان مدني و"التجمع" ينأى بنفسه

انتشرت دعوة للعصيان المدني موقّعة باسم العسكريين المتقاعدين تنادي بالتوقف عن دفع الضرائب والرسوم احتجاجاً على عدم اعطاء هؤلاء المتقاعدين حقوقهم بعد نشر قانون الموازنة متضمناً مضاعفة كبيرة للرسوم والضرائب. فهل تنجح الدعوة التي لم يتبنَّها "تجمّع العسكريين المتقاعدين" وكيف ينظر نقابيون اليها؟

لم تنجح المشاورات بين المتقاعدين والحكومة في التوصل الى صيغة لزيادة الرواتب تتماشى مع الارتفاع الكبير في تكاليف المعيشة في موازاة اقرار سلة من الضرائب والرسوم سترهق كاهل المتقاعدين العسكريين ونظرائهم في القطاع العام، فضلاً عن السواد الاعظم من اللبنانيين. فالرسوم والضرائب باتت تُستوفى وفق سعر صرف الدولار في السوق والذي يصل الى 89500 ليرة، في حين لم تستعد الرواتب قيمتها الفعلية التي كانت عليها قبل الازمة.

قبل يومين انتشرت دعوة الى العصيان المدني موقّعة من عسكريين متقاعدين بسبب تدهور مريع في القدرات الشرائية لهؤلاء، معلنين توقفهم عن دفع الرسوم والضرائب. تلك الدعوة بدأت بُعيد الاعتصام الاخير للعسكريين امام السرايا الحكومية لمنع انعقاد جلسة الحكومة قبل إقرار تصحيح الرواتب للمتقاعدين بما يتماشى مع ارتفاع الاسعار والخدمات في ظل عدم رفع قيمة الرواتب إلا بمقدار 3 الى 7 أضعاف.

ويؤكد عماد عواضة من "حراك المتقاعدين العسكريين" ان "قرار العصيان المدني لم يأتِ لمجرد تصرف فردي وإنما جاء بعد عدم اكتراث السلطة لحقوق العسكريين والمتقاعدين منهم، وتبين أن كلام رئيس الحكومة وبعض الوزراء بأنهم سيتواصلون مع اللجنة المكلفة التشاور مع الحكومة لم يحصل لغاية تاريخه، وكذلك بسبب الأوضاع المزرية التي وصل إليها المتقاعدون العسكريون اجتماعيا واقتصاديا، فلم يكن أمامهم اي خيار سوى أن يتفقوا على أن يكون هناك عصيان مدني شامل وعدم تسديد الرسوم والضرائب والفواتير رغم أن العديد من الضرائب هي مباشرة".

اما عن العودة الى التحرك الميداني فيشير عواضة الى الجهوزية لذلك وبأشكال مختلفة عن السابق، مطالباً الحكومة بأن تكون "عادلة مع جميع الموظفين والمتقاعدين بعد الوصول الى حائط مسدود مع السلطة، وان غالبية المتقاعدين باتوا تحت خط الفقر".

وعن عدم تبنّي هذا الخيار من قِبل "تجّمع العسكريين المتقاعدين" لفت الى انه "الخيار الوحيد في ظل تعامي السلطة عن حقوقهم وسعيها لاسترضاء الموظفين على حساب العسكريين في الخدمة والتقاعد".

وبحسب الداعين لخطوة العصيان المدني، فإن المبرر الاساسي هو استمرار احتساب الرواتب على سعر الصرف السابق، أي 1500 ليرة لدولار، فيما الضرائب والرسوم باتت على سعر الصرف الحالي وهو 89500 ليرة.

العميد المتقاعد بسام ياسين أشار الى ان الدعوة للعصيان ليست صادرة عن "تجمّع العسكريين المتقاعدين" لكنها خطوة من الخطوات التي قد يتم اللجوء اليها، وأوضح لـ"النهار" ان "العصيان المدني هو أحد الخيارات المطروحة دائماً لكنه الخيار الاخير، والعصيان المدني يستوجب على المدنيين ان يشاركونا فيه ويكون بداية ثورة سلمية تعمّ البلاد وذلك من خلال الامتناع عن دفع الضرائب".

وكشف ياسين ان الخطوة التي ستلي ذلك ستكون اقفال الادارات العامة وتعطيل القطاع العام، اضافة الى مقاطعة كل الاجراءات التي تدعو اليها الحكومة، واصفاً ذلك بـ"المشروع الكبير جداً"، ومتمنياً عدم الوصول اليه.

لم يشهد لبنان عصياناً مدنياً كامل الاوصاف خلال تاريخه الحديث وإنْ كانت هناك أشكال من التحركات ارتقت الى مصاف العصيان، منها امتناع مزارعي التبغ عن تسليم محاصيلهم اعتراضاً على الاسعار المتدنية، أو تحركات الصيادين ضد الاحتكار، وكل ذلك عرفه لبنان في ستينات وسبعينات القرن الفائت، علماً ان تحركات الصيادين وخصوصاً في صيدا كانت احدى شرارات الحرب بعد استشهاد المناضل معروف سعد خلال تظاهرة للصيادين في شباط عام 1975 .

رئيس الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين في لبنان كاسترو عبدالله قال لـ"النهار" ان "العصيان المدني المطروح من قِبل المتقاعدين، سبق للاتحاد ان اكد ضرورة اللجوء اليه قبل نحو عام، وهو السبيل الوحيد لمواجهة السياسة الاقتصادية للحكومات المتعاقبة".

وشدد على ان "السلطة حرمت المواطنين أبسط حقوقهم من مأكل وملبس ومسكن وتعليم وطبابة وادوية. وهكذا لا يكون موضوع المتقاعدين في حسبانهم، لأن حرمان المواطنين حقوقهم هو نهج مستمرة به السلطة الى اليوم".

ورأى ان الحكومة اليوم "تشبه الحكومات السابقة، فهمّهم إفقار الناس وتجويعهم. لذلك، يجب الوصول الى تطبيق العصيان المدني، وبخاصة بعد الضرائب المفروضة، وترك الأملاك البحرية والنهرية للمسيطرين عليها من قِبل الأزلام والمنتفعين من هذه السلطة الطائفية والمذهبية".

ووفق تلك المقاربة فإن الإتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين في لبنان يدعم ويؤيد الدعوات للعصيان المدني في ظل "الظروف الإقتصادية والإجتماعية الصعبة، عدا ان العاملين في القطاع الخاص يزدادون فقراً في ظل الاجحاف الكبير في حقهم، وخصوصاً لجهة الاجور المتدنية، في مقابل حماية السلطة للكارتيلات الكبرى سواء في قطاع المحروقات، والطبابة والإستشفاء والأدوية، ومولدات الكهرباء وصولاً الى المصارف".

فهل ينجح التحرك في ظل معارضة واضحة من "تجمّع العسكريين المتقاعدين"، وكذلك في حال الإمتناع عن تسديد الرسوم فإن الادارات ستمتنع بدورها عن اداء الخدمات وبالتالي تنتفي الجدوى منه.