عشرات القضاة لن يعودوا للعمل: حتى تأمين عيش كريم

ثمة بعض الحقائق التي تستدعي الوقوف عندها، ومن أهمها أن القضاء هو أحد أهم أعمدة نهوض وقيام دولة ما. ومن دونه، تعلن الدولة انهيارها وسقوطها. هنا، لا بد من العودة إلى مقولة الرئيس الفرنسي، شارل ديغول الشهيرة، حين سأل عن أحوال بلاده، فأخبروه بأن الأحوال سيئة، ليسأل بعدها إن كان القضاء بخير؟ فأجابوه بنعم، ليقول بعدها "إن كان القضاء بخير. فرنسا بخير".

التوقف عن العمل
داخل الدولة اللبنانية، تعيش قصور عدل لبنان حالة من التخبط والاحتقان، نتيجة الأزمة الاقتصادية التي رمت بأثقالها على القضاة والموظفين، فحرمتهم من أهم مقومات العيش الكريم.

بعد حوالى الأسبوعين، تنتهي العطلة القضائية، حيث من المفترض أن يعود القضاة إلى مكاتبهم لمزاولة عملهم المعتاد، ومتابعة الملفات القضائية، في حين أن قرار الاعتكاف القضائي بدأ يتردد بجدية تامة بين القضاة أنفسهم.

صباح اليوم، الجمعة 1 أيلول، أعلن مجموعة من القضاة، تجاوز عددهم المئة، من أصل حوالى 570 قاضياً، توقفهم قسرًا عن العمل القضائي. قرارهم هذا، أعلن على المجموعة الخاصة بهم على خاصية "واتس أب"، حيث عمموا بيانهم الذي جاء فيه: "إن القضاة وفي ظل عجز الدولة عن تغطية الاستشفاء والطبابة والتعليم الخاص بهم و بعائلاتهم، وفي ظل انعدام الظروف العمل اللائقة بالكرامة البشرية في قصور العدل، وفي ظل ما وصل إليه وضع القضاء على جميع الصعد، يعلنون آسفين التوقف القسري عن العمل، وذلك لحين توفر مقومات العيش بكرامة..".

الجدير بالذكر بأن القضاة لم يحصلوا بعد على "المنحة المالية" الشهرية، التي تُقدّم لهم من صندوق تعاضد القضاة، وهي نتيجة اتفاق شفهيّ سابق بين رئيس مجلس إدارة صندوق تعاضد القضاة، القاضي علي ابراهيم وحاكم مصرف لبنان السابق، رياض سلامة، حيث جرى الاتفاق آنذاك على تقديم منحة شهرية للقضاة إلى جانب رواتبهم الشهرية.

قيمة هذه المساعدة المالية تتراوح، حسب ما أفاد مصدر قضائي بارز لـ"المدن"، بين 1000 و2000 دولار أميركي، وهدفها الأساسي هو صون كرامة القضاة ومساعدتهم خلال الأزمة الاقتصادية.

تأخر المنحة المالية
في الواقع، وبعد انتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان السابق، رياض سلامة، لم تقدم لهم المنحة بناءً للاتفاق الشفهي القديم، علمًا أن هذه المساعدة سبق وتأخرت خلال الأشهر الماضية، فلم يحصل القضاة عليها في وقتها المحدد. أما تلك التي قُدمت لهم منذ عدة أيام، فهي تعود لشهر تموز الماضي، أي أن مساعدة شهر آب لم تُعط لهم بعد.

لا شك أن حقوق القضاة محقة، بل هي حاجة ملحة تستوجب التدخل السريع من جميع الجهات المعنية لإبقاء الجسم القضائي بخير. ووفقًا لمعلومات "المدن"، فإن صندوق تعاضد القضاة يسعى بشكل دائم لتأمين الطبابة والاستشفاء، إلا أن بعض المصادر القضائية البارزة رجحت بأن الصندوق لن يتمكن من تأمين كافة هذه الحقوق.

أما مطالب القضاة فباتت واضحة، وتتردد بشكل علنّي، وهي الحصول على حقوقهم ليتمكنوا من الحضور إلى قصور العدل ومتابعة عملهم كما يجب. وحسب معلومات "المدن"، فإن المساعدات المرضية والاستشفائية توقفت منذ فترة طويلة عن معظم القضاة. وقد علمت "المدن" بأن بعض المستشفيات الجامعية لا تزال قادرة على استقبال القضاة بتغطية صحية شبه كاملة.

في السياق نفسه، أكدت بعض المصادر القضائية بأن وضع القضاة لم يعد سليمًا، وتسيطر عليهم حالة من التململ نتيجة الأزمة الاقتصادية والصعوبات المعيشية في ظل الغلاء الفاحش، خصوصًا أن تكاليف المحروقات باتت عبئًا عليهم منذ بداية الأزمة.

المسؤولية الأولى اليوم تقع على عاتق السلطة السياسية المتخاذلة، التي انتزعت حقوقهم وأجبرتهم على التلويح بين فترة وأخرى بالاعتكاف القضائي، ومن الضروري اليوم العمل على تأمين كامل احتياجاتهم، لناحية إنارة قصور العدل ومكاتبهم بشكل دائم، تفاديًا لتأجيل الجلسات لفترة لاحقة، إضافة إلى تأمين كافة المستلزمات المكتبية التي يحتاجون إليها كالقرطاسية وغيرها، والأهم تغطية تكاليف الطبابة والاستشفاء.

والمؤكد اليوم، أن الاعتكاف القضائي لا يصحّ التعامل معه كباقي مؤسسات الدولة التي أعلنت إفلاسها منذ عام 2019، لأن توقف القضاة عن عملهم يعني غياب العدالة عن لبنان، الأمر الذي من شأنه أن يفاقم الوضع الأمني في لبنان.