على الرغم من إقرار قانون التنافسية … الإحتكار في أعلى مستوياته سلع وبضائع كثيرة مفقودة والأسعار ملتهبة

كتب جاسم عجاقة في الديار:

يُعرّف الإحتكار في علم الإقتصاد على أنه «قدرة لاعب إقتصادي على التأثير على سعر سوق سلعة مُعيّنة»، فإذا كانت هذه القدرة موجودة فهذا يعني أن الإحتكار موجود، أمّا إذا كانت هذه القدرة غير موجودة فهذا يعني أن الإحتكار غير موجود. عوارض الإحتكار تُترجم عادة بفقدان السلع من السوق وإرتفاع أسعارها بشكلٍ غير مُبرّر إقتصاديًا. أيضًا تُشكّل ليونة أو عدم ليونة الأسعار مؤشّرًا ذا ثقة على وجود الإحتكار في إقتصاد مُعيّن.

منذ بدء الأزمة في العام 2019 والتجار (العديد منهم) يُحقّقون أرباحًا غير مشروعة مع إعتماد سعر السوق السوداء لتسعير الرسم الجمركي والضريبة على القيمة المضافة وهو أمر غير قانوني بحكم أنه لا يُمكن المُتاجرة بالضرائب السيادية! فالتجار الذين يشترون قسما من دولاراتهم من السوق السوداء وبحكم أنهم لا يملكون فواتير لشراء هذه الدولارات، يدّعون بأنهم إشتروا الدولار على سعرٍ مُرتفع وهو يُسعّرون الرسم الجمركي والضريبة على القيمة المُضافة على سعر الدولار الرسمي أي 1507.5 ليرة لبنانية. لكن هذا الأمر غير صحيح فقسم منهم يقوم بإصدار فواتير حيث نرى عليها بكل وضوح أنهم يُسعرون الضريبة على القيمة المُضافة على سعر دولار السوق السوداء، وقسم أخر يُصدر الفاتورة وعليها الضريبة على القيمة المضافة على سعر 1507.5 ليرة لبنانية ليرة ويأخذون الفارق كاش، والقسم الأخير لا يُعطي فواتير لزبائنه ولا يأخذ إلا الكاش! وعلى الرغم من أن الدولار في السوق السوداء إنخفض بنسبة تخطّت الثلاثين بالمئة، إلا أن الأسعار إنخفضت بالمقابل بشكل خجول حتى أن البعض منها إرتفع سعره.

وبما أن أكثر من 90% من المبيعات تتمّ بالكاش، تخسر وزارة المال أرقامًا خيالية كضرائب على أرباح التجار التي لا يُمكن تقييمها بحكم غياب مُستندات تُوثّق هذه الأرباح. وبالتالي الطريقة الوحيدة التي يُمكن من خلالها تقييم أرباح التجار، تنصّ على العودة إلى الفترة التي كان فيها «الدعم بالدولار» قائمًا حيث أن التدقيق المحاسبي قادرًعلى مقارنة مُعطيات الجمارك، ومعطيات مصرف لبنان، ومعطيات وزارة المال، ومعطيات وزارة الإقتصاد لتقدير حجم الأعمال الحقيقي وبالتالي قيمة الأرباح الحقيقية والقيام بعملية extrapolation على الفترة الممتدّة ما بعد إنتهاء الدعم.

عدم قدرة الحكومة على تنفيذ الرقابة والملاحقة، نابع من نفوذ هؤلاء التجار وبالتالي هناك شبه إستحالة للقيام بعمليات رقابية تؤدّي إلى نتائج موجعة قادرة على ردع الأخرين!

في هذا الوقت، أقرّ مجلس النواب قانون التنافسية الذي من المفروض أنه قانون إصلاحي يسمح لأي شركة أو شخص بإستيراد ما يريد مباشرة من دون المرور بما يُسمّى الوكيل الحصري. هذا القانون تمّ ربط تنفيذه بتشكيل هيئة وطنية وهو ما يقترح عدم تنفيذ هذا القانون!

وإذا كانت المطالبة الأساسية خلف هذا القانون هو إلغاء الوكالات الحصرية، يجب معرفة أن المرسوم الإشتراعي رقم 34/67 سمح لعدد من التجار بحصرية تمثيل العلامات التجارية، وبالتالي لا يُمكن لأي جهة أخرى من إستيراد أو توزيع منتجات وسلع من تلك العلامات التجارية. هذا الأمر تُبرّره النظرية بأن الوكيل الحصري يلعب دور الـ Central d’Achat التي تتمتّع بقدرة تفاوضية أكبر مع المُنتج تسمح بتخفيض الأسعار، إلا أن الممارسات التي قام بها (بعض) الوكلاء الحصريون دفعت إلى دمجّ مفهومي الإحتكار والوكالات الحصرية. الجدير ذكره أيضًا أن الوكالات الحصرية لا تطال المواد الغذائية التي إرتفعت أسعارها بفعل الإحتكار بشكلٍ مُرعب! وهو ما يعني أنه حتى ولو طُبّق القانون الذي ألغى (مع إستثناءات) الوكالات الحصرية، تبقى مُشكلة الإحتكار قائمة بفعل الممارسة. فالمادة التاسعة من هذا القانون حددّت معايير هيمنة لاعب إقتصادي في السوق من خلال حجمه في السوق (أكثر من 35%)، وهذا يعني أن ثلاثة لاعبين إقتصاديين بحجم سوق 30% لكل لاعب يحتكرون السوق بالكامل (Oligopoly)! أيضًا كيف يُمكن ضمان لاعب إقتصادي يمتلك 50% من السوق (مثلاً)، أن لا يعمد إلى نقل قسم من أعماله إلى شركة أوف شور مُسجّلة في الخارج؟ أضف إلى ذلك أن حجم المُستوردين الحاليين والذي يقلّ عن عشرين لاعبًا في كل قطاع، يمنع على أي لاعب محلّي جديد من الدخول إلى نادي المُستوردين ناهيك عن القوانين التي حتى الساعة تمنع من دخول بعض القطاعات مثل قطاع المحروقات التي تفرض الشروط إمتلاك خزانات على الشاطئ لإعطاء رخصة الإستيراد!

من هنا نرى أن كسر الإحتكار – إذا ما دخل هذا القانون حيز التنفيذ – لن يكون إلا عبر شركات خارجية مثل شركات صينية أو غيرها وهنا ستعلوا صرخات هؤلاء المُحتكرين لوضع قوانين تمنع هذه الشركات الخارجية من العمل في السوق اللبناني!

 في هذا الوقت يستفحلّ التُجار في العديد من القطاعات بممارسات محظورة قانونيًا (مرسوم إشتراعي 73/83) حيث يقومون بتخبئة السلع والبضائع التي يمتلكونها بهدف بيعها على سعرٍ مُرتفع بعد إقرار الدولار الجمركي في الموازنة. ويكفي النظر إلى قطاع الأدوات الكهربائية لمعرفة مدى حجم الكارثة حيث نرى محدودية المعروض وإرتفاع الأسعار وهو ما يدلّ على عدم فعّالية الرقابة التي تعجز عن معرفة أين توجد مخازن المحال لمداهمتها! وفي معلوماتنا أن التجار يعمدون إلى تخزين بضائعهم في أماكن بعيدة عن مراكز البيع وبشكلٍ مُتخفّ بهدف منع الرقابة!

من جهة أخرى، رفع الدولار الجمركي سيؤدّي حكمًا إلى رفع الأسعار – على الرغم من أن المواطن يدّفع حاليًا الدولار الجمركي على دولار السوق السوداء – وهو ما سيدفع إلى زيادة التهريب إلى الداخل اللبناني. على هذا الصعيد تكثر العروض على الواتسآب والـ SMS لخدمات تطال عمليات الإستيراد بأسعارٍ منُخفضة مع فارق أن لا فواتير جمارك! هذا الأمر أيضًا لن يُخفض الأسعار كما يظنّ البعض، بل سيكون له هدف تعظيم الأرباح لبعض التجار والمهرّبين.

وتبقى المُشكلة الأساسية في تطبيق القوانين التي تُشكّل العائق الأساسي أمام أي محاربة لهذا الإحتكار الذي أصبح خطرًا على الأمن الإجتماعي للمواطن اللبناني.