عن حقيقة "العلاقة" بين حزب الله والأميركيين

بين وقت وآخر، يحاول بعض المقربين من الإدارة الأميركية، ممن تربطهم علاقات بنواب من حزب الله أو أحد مسؤوليه، التقدم بمبادرات فردية لمدّ جسور تواصل أو لعب دور الوسيط، في حوار غير مباشر بين الأميركيين وحزب الله.

قبل مدة، وخلال زيارة عائلية إلى الولايات المتحدة، فاتح نائب لبناني على علاقة وطيدة بحزب الله، السفيرة الأميركية السابقة دوروثي شيا، بموضوع استعداد حزب الله للانفتاح على نقاش ملف سلاحه مقابل ضمانات معينة. لم يحمل النائب رسالة رسمية، بل جاء حديثه كمبادرة فردية. سارعت شيا إلى الاتصال بالمبعوث الأميركي ستيف ويتكوف، وأبلغته ما سمعته من ضيفها اللبناني، فجاء ردّه مستبعدًا الأمر: "الآن، وأنا أتحدث معك، يواصل حزب الله تصنيع مسيّراته". لاحقًا، اتصلت شيا بالسفيرة الأميركية في بيروت، ليزا جونسون، وأطلعتها على فحوى الحديث، طالبةً منها متابعة الموضوع من موقعها.

بادرت السفيرة في بيروت إلى الاتصال بالنائب اللبناني، مستفسرةً عن ما طرحه وأبعاده. لاحقًا، زار النائب زميلًا له في حزب الله، وأطلعه على انطباعاته من لقاءاته بالمسؤولين الأميركيين، ناقلًا أن السفيرة جونسون أشارت إلى أن شعورًا تَكوّن لدى الأميركيين بأن حزب الله لا ينوي تسليم سلاحه، وهو الموضوع الذي يحتل صدارة اهتمام واشنطن. أضافت جونسون أن ما يهمها حاليًا هو سحب السلاح من الضاحية الجنوبية لبيروت، ثم من البقاع، ثم من منطقة الليطاني جنوبًا، معتبرة أن مصانع المسيّرات موجودة في الضاحية الجنوبية، بينما تُخزَّن الصواريخ في البقاع.

لم يحمل النائب نفسه أي رسائل رسمية، وتحدث إلى زميله في حزب الله من موقع مبادرة شخصية رفض الحزب التعاطي معها رسميًا، مؤكدًا على لسان مسؤوليه عدم وجود أي تواصل مباشر أو غير مباشر مع الأميركيين.

لماذا يرفض حزب الله التواصل؟

دائمًا ما يقترح أصدقاء مشتركون على حزب الله إمكانية فتح قنوات تواصل، ولو غير مباشرة، مع الأميركيين. محاولات لا تخرج عن إطار جسّ النبض، يُسارع حزب الله إلى رفضها رغم دخول إيران في حوار مباشر مع واشنطن. فلماذا يرفض الحزب الفكرة أصلًا؟ يرى البعض أن حزب الله جزء ضمني من المفاوضات الإيرانية–الأميركية، لكن من الناحية المباشرة، لا يثق الحزب بالأميركيين، ولا يرى أساسًا كافيًا لبناء علاقة، حتى غير مباشرة، معهم.

مصادر متابعة على جانبي حزب الله وواشنطن تساءلت عمّا إذا كانت بعض تصريحات الموفد الأميركي توم باراك، في مقابلته المتلفزة، تُلمّح إلى فتح قنوات حوار مباشرة مع الحزب.

لكن واقع الحال أن حزب الله لا يرى ضرورة لمثل هذه القنوات. ففي اتفاقات وقف إطلاق النار، أو حتى في شأن المقترحات الأميركية التي حملها باراك، كان التفاوض يتم معه عبر رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي ينقل إليه أجوبة الحزب لطرحها على الأميركيين. في موضوع ورقة باراك، حصر الحزب تواصله برئيسي الجمهورية والمجلس النيابي، لنقل هواجسه من المقترحات الأميركية. تدرك واشنطن أن حزب الله طرف أساسي في هذه المحادثات، وأن رده يُؤخذ عبر بري أو رئيس الجمهورية.

انعدام الثقة بالأميركيين 

لا يثق حزب الله بإمكانية بناء علاقة ناجحة مع "من ينطق بلسان الإسرائيلي"، ولهذا رفض الاقتراحات التي حملها باراك في ورقته، والتي جاء بها فيما كانت الحرب الإسرائيلية على إيران في أوجها. رأى الحزب فيها تهديدًا مبطنًا، ومجرد محاولة لاستغلال الضغط الإقليمي.

أبلغ حزب الله المعنيين أن الورقة لا تعنيه، وأنه لا حاجة لاتفاق جديد، بل لتطبيق الاتفاق القائم بشأن وقف إطلاق النار. وفي ذروة الانشغال بالرد، اعتبر أن موقفه تُرجم في خطاب نائب الأمين العام الشيخ نعيم قاسم في العاشر من محرّم، حين جاء الرد مزدوجًا: من خلال الحشد الجماهيري، ومن خلال مضمون الخطاب، الذي لم يُقفل الباب كليًا أمام النقاش، لكنه طالب بضمانات وشكّك في نوايا الأميركيين.

من جهة أخرى، سعى الرؤساء الثلاثة إلى صياغة رد لا يُعتبر حجة لإسرائيل لتصعيد الموقف، ويحافظ في الوقت نفسه على علاقة إيجابية مع الأميركيين. في زيارته الأولى، قالها باراك بوضوح: "إما الرد أو التصعيد"، ثم جاء الموفد السعودي يزيد بن فرحان ليمهد لزيارة باراك الثانية، محذرًا من مغبة التأخير في الرد.

طوال فترة التفاوض، لم يكن حزب الله غائبًا؛ بل كان يُفاوض بفعالية، وتنقل وجهة نظره إلى باراك عبر قنوات واضحة.

في تقدير حزب الله، فإن نهاية الحرب الإسرائيلية-الإيرانية لصالح طهران أضعفت مفاعيل الضغط الأميركي، وترافق ذلك مع موقف لبناني رسمي موحد، إضافة إلى تحذيرات وصلت إلى الموفد الأميركي، من أن أي خطأ في التقدير أو فرض أمر واقع قد يهدد الاستقرار الداخلي اللبناني.

الموقف من باراك 

قرأ حزب الله في مواقف باراك لهجة تهديدية تنذر بمزيد من التوتر في لبنان والمنطقة. وبناءً عليه، يعتبر أن كل الخيارات مفتوحة، لا سيما في ظل وجود رئيس حكومة إسرائيلي يرى في الحرب وسيلة للاستمرار في الحياة السياسية، مثل بنيامين نتنياهو. يعتقد الحزب أن خلفيات المطالب الأميركية تتجاوز قدرات لبنان على التحمل، وأن النموذج السوري بات -من وجهة نظر واشنطن- المثال الذي يُراد تكراره في لبنان.

ورغم أن إيران دخلت في حوار مباشر مع الأميركيين، يمكن القول إن نصف الطريق قد قُطع باتجاه حزب الله. فهل يأتي اليوم الذي تُحذف فيه عبارة "الموت لأميركا" من أدبيات الحزب؟ وهل يتحقق الاتفاق الأكبر الذي يُنهي عقود الصراع في المنطقة؟