غابات عكار تحت تهديد النار... حريق القبيات يلتهم 20 هكتاراً و"يفتتح" الموسم!

إنها ساعات مأسوية عاشتها محافظة عكار كما هي الحال في كل موسم حرائق. والسؤال الذي يتكرر دوماً في مثل هذه الحالة على لسان البيئيين والأهالي الى متى هذه الدوامة؟ وأما آن الأوان لفتح  تحقيقات جدية في المسببات الفعلية لهذه الحرائق وتحديد ما اذا كانت مفتعلة ومن الفاعل؟

مسلسل مستمر من الحرائق منذ ما بعد ظهر الأحد إنطلاقاً من محلة مقل البغل، وامتداداً الى محمية بطحة الشوح أعالي جرد القبيات، وكذلك الامر في المناطق المتداخلة عقارياً في بلدتي سيسوق وبزال، كما في بلدة عكار العتيقة ومنطقة وادي خالد وغابة الصنوبر الفريدة في بلدة برقايل.
عشرات الهكتارات من الأراضي الزراعية والمساحات الحرجية وبساتين الزيتون، كانت ضحية جنون النار المتنقلة والتي رتبت تداعيات بيئية وطبيعية كارثية وخسائر كبيرة لا يمكن تعويضها.
وحتى الآن لا يزال الفاعل مجهولاً!

القبيات: إبادة 20  هكتاراً من الثروة الطبيعية

ففي القبيات ووفق تقديرات أولية، قاربت المساحات المحروقة 20 هكتاراً من الأراضي الحرجية المكسوة بالصنوبر البري والكوكلان والشوح الكيليكي والأرز واللزاب... ألوف الأشجار رمدتها النار وقلبت المشهد من لوحة خضراء رائعة الى بساط من الرماد بالأبيض والأسود.
وقد ساهم تدخل فرق الإطفاء في الدفاع المدني والجيش والمتطوعين من الناشطين البيئيين وشباب القبيات في السيطرة على جحيم النار الذي شكل خطراً داهماً على حياة فرق الإطفاء التي حاربت باللحم الحي، وسط ظروف صعبة للغاية في عمق هذه الغابات حيث تعذر وصول خراطيم مياه آليات الاطفاء... وشكل حضور طوافة الجيش عاملاً حاسماً في تحويل مجريات الأمور لمصلحة السيطرة شبه التامة على هذه النار التي كانت تتمدد بسرعة كبيرة بفعل الرياح. واستخدمت جرافات لفتح الطرق امام آليات الإطفاء وطمر بؤر النار.

يقول أحد المتطوعين لـ"النهار": "عشنا ظروفاً صعبة في مواجهة تحدي النار المستعرة، لكن الارادة وعزيمة الشباب كانتا الأقوى، وأمكن إهماد الحريق بجهود جبارة، إلا أن الخسارة كبيرة جداً، وليس بالإمكان تعويض محمية بطحة الشوح التي تحولت أشجارها الدهرية أشباحاً سوداء".

بزال وسيسوق

وفي بزال وسيسوق في منطقة جرد القيطع، لم يختلف المشهد إذ شكلت الحرائق تحدياً مماثلاً أمام فرق الاطفاء والدفاع المدني لوقف لهيب النار التي اجتاحت بساتين الزيتون والأراضي الزراعية والغابات القريبة، وساهمت طوافة الجيش في إطفاء هذا الحريق الذي التهم أرزاق الناس ورئتهم الخضراء .

برقايل

وفي برقايل اندلعت النار بشكل مفاجئ في غابة الصنوبر الصغيرة والفريدة التي شكلت على الدوام ملاذاً لعائلات المنطقة للتنزه وتمضية الاوقات في ظل أشجارها الباسقة، وأتت على القسم الأكبر منها.
وزيرة البيئة
 وزيرة البيئة تمارا الزين، أشارت في خلال تفقدها آثار الحرائق في غابة القبيات واجتماعها  ببلدية القبيات وفاعليات المنطقة، اشارت  "أن الحرائق لا تندلع غالباً من دون تدخل بشري".

وشددت على "فتح تحقيق شفّاف وشامل لتبيان مسببات الحريق ومحاسبة كل من يثبت تقصيره أو تورطه"، مؤكدة "أن اي تهاون سيتم التعامل معه بحزم ووفق الاطر القانونية المرعية".

"مجلس البيئة"

وقال رئيس "مجلس البيئة" في القبيات الدكتور انطوان ضاهر
 :"أما الآن وقد تحولت غابة بطحة الشوح في أعالي القبيات إلى فحم ورماد:
-  نريد أن يلقى القبض هذه المرة على المفتعل الذي تسبب بالكارثة عن قصد أو عن سوء حساب.
-  أن يمنع منعاً باتاً الاستفادة من الحطب المحروق الذي يحب أن يبقى في أرضه وألا يحصل ما حصل في حريق المرغان من "قبة باط" من المسؤولين الذين غطوا اجتياح الغابة المحروقة بعد سنة من الحفاظ عليها. إن السماح باستباحة بطحة الشوح سيترجم بمزيد من حرائق الغابات بهدف الاتجار بالحطب. عدا أن لهياكل الشجر المحروق الواقفة أهمية قصوى في مساعدة نبتات الشوح الصغيرة التي سوف ترى النور على أن تنمو محمية من الشمس ومن الريح، كما أن هذه الهياكل ستسمح بعودة الحشرات التي تتبعها عودة العصافير وباقي الحيوانات. 

-  أن تتشكل غرفة عمليات في البلدية من جهة، ومركز قيادة مكافحة النار على أرض الحريق بقيادة الدفاع المدني من جهة أخرى، على أن بكون تنسيق وتكامل ما بين غرفة العمليات ومركز القيادة. 
- أن يدخل موضوع السهر على الغابة المحروقة بعد إطفاء الحريق ضمن خطة مكافحة الحريق، وذلك لخمسة أيام على الأقل بعد الإطفاء. 
- أن يمنع منعاً باتاً حرق اليباس ما بين نيسانإبريل وتشرين الثاني نوفمبر.
- أن نعمل جميعاً على أن تصبح حماية الطبيعة في أول سلم أولويات الدولة، وهي حالياً في أسفله أمنياً وقضائياً".

في الخلاصة، أننا في بداية موسم الصيف وإذا كانت الأمور ستسلك هذا المنحى من الحرائق، فإننا سنكون أمام موسم كارثي أين منه المواسم السابقة، وهذا يتطلب من الجهات الرسمية المعنية والبلديات كافة جهوزية تامة وتوفير الدعم الكامل لمراكز الدفاع المدني وتجهيزها بالآليات والمعدات اللازمة بأقصى سرعة. وكذلك على مأموري الأحراج تفعيل دورهم في المراقبة والمتابعة.
وعلى البلديات ان ترفع من مستوى جهوزيتها بالتعاون مع الجمعيات البيئية وهيئات المجتمع الاهلي المحلي. والابلاغ الفوري عن كل متعد على غابات المنطقة وأشجارها، وأن يحاسب كل متورط امام القانون من دون تردد .وإلا فإن الأمور ستحسم لمصلحة  تجار الحطب المستفيدين بشكل مباشر من هذه الكوارث على حساب بيئة عكار وطبيعتها وغاباتها المميزة بغطائها الحرجي والنباتي والتي تشكل موئلاً للطيور والحيوانات البرية.