المصدر: نداء الوطن
الكاتب: شادي معلوف
الثلاثاء 29 تموز 2025 07:06:35
مرّة جديدة حملت فيروز صليب الألم على شكل فَقْد الأحبّة. كما تلك "الأم الحزينة" الواقفة قبل ألفَي عام تحت صليب ابنها، والتي طالما رتّلت السيدة ألمها في كل "موسم قيامة"، هكذا وقفت فيروز أمس بشموخ الأمهات الصابرات "وما من يعزّيها".
كان المحبّون يودّعون زياد الرحباني، وكان الفضوليّون (والفضول في الإنسان مولود غير مخلوق) يطرحون السؤال: "هل ستحضر فيروز؟".
حملت نهاد الأم تسعينها وحضرت. جاءت تلقي نظرة الوداع على فلذة ثانية من كبدها، وكأنّ التاريخ يعيدها إلى الوقفة نفسها قبل 37 عامًا يوم ودّعت كريمتها ليال. لكنّ نهاد الأم كانت البارحة واقفة متلبّسة شموخ فيروز الفنانة على المسرح، وصمود "غربة" في وجه "الموت المتسلّط" على حياتها منذ عاصي الى ليال فزياد، وتصميم "ملكة بترا" التي ظلّت مُمسِكةً بالمملكة حتى تحقيق النَّصر.
هكذا بدت السيّدة أمس، تتراوح بين نهاد تارةً وفيروز تارةً أخرى، وفي البال شريط عمر سقاها مَجدًا لم يُسكرها، ومُرًّا قَبِلته مردِّدة مع سيّدها: «لكن ليس كما أُريدُ أنا بل كما تُريد أنتَ» (متى 26: 39).
أمس أُقفل باب أسود على زياد، واليوم تسير فيروز درب جلجلة جديدة، مُطلقةً حزنها بعد أن ينفضّ مِن حولها المعزّون الحقيقيّون وأولئك الراغبون بالصورة، على السواء.
اليوم تعود نهاد حداد إلى صومعتها المتنيّة، تُمسك يدَي ريما وهلي، والعيون على صورتَين لزياد وليال، وقلبها يردّد: "وإنني أُصلّي".
اليوم تغرق "الأم الوجيعة" في حِدادها، لكنّ الموت لن يغلب إرادة الحياة عندها هذه المرّة أيضًا، لأنها العارفة، خبرةً وترتيلاً، أنّ "فيض النور" قريب، وأنّ سلام روحها قادم لا محالة ساعةَ ستنهض قائلةً: "خزّقولي هالتياب السود"، مطلقةً نحو السماء صوتها الذي جرّحته الأرض، هاتفةً: "كلّي إيمان... المسيح قام!".