في زمن الزحف.. الكتائب ثابتة دائماً وأبداً

يتميّز حزب الكتائب عن سائر الأحزاب في لبنان بثبات مواقفه وبعدم انجرافه مع أمواج التوافقات "المُحاصصتية" بعكس ما قام به الذين يتباهون بنضالهم في العقدين الأخيرين، ولم تَقلق الكتائب يوماً على عدد المقاعد والحقائب من هنا وهناك حيث تتطابق أقوال الحزب مع أفعاله، إمّا بالإستقالة من حكومة تمام سلام رفضاً للبقاء على الطاولة "شهود زور"، أو بالإستقالة من الندوة البرلمانية عقب إنفجار مرفأ بيروت في مُحاولةٍ لإسقاط مجلسٍ تشريعيٍ لا يُشرّع إلّا فساد منظومة "المافيا والميليشيا".

 

حكومة "سلام"
الكتائب المُعارضة للنهج السياسي التقليدي في لبنان، نفضت عنها غُبار حكومة تمام سلام في حزيران 2016، بعد أن شارك الحزب فيها كحكومة "انتخابات" في الفترة الأخيرة من عهد الرئيس ميشال سليمان قُبيل الإنتخابات الرئاسية عام 2014، إلّا أن رياح التعطيل جرت بعكس مُشتهى سُفن العملية الديمقراطية ودخل لبنان في نفق الفراغ الرئاسي والتعطيل البرلماني لجلسات انتخاب رئيس جديد للبلاد من قبل حزب الله، التيار الوطني الحرّ وحلفائهم، هُنا استمرّت الكتائب عامين في مجلس الوزراء منعاً للفراغ الشامل في البلاد، إلّا أنّ الأمور سارت في المجرى المُعاكس لاحقاً ولم يتردّد الحزب من الإستقالة الحتمية ففعلها برأسٍ مرفوع.

 

"لن ننتخب مُرشّحاً حاملاً مشروع 8 آذار"
في ظلّ الفراغ الرئاسي، تضاعفت التجاذبات السياسية على الساحتين المحليّة والإقليميّة، فمحلّياً وبِظلّ التعطيل نتجت تحالفات هجينة بين أقطابٍ متناقضين بعد إبرام الولايات المُتحدة اتّفاقاً نووياً مع الجمهورية الإسلامية في إيران، من هنا هرع هؤلاء لأخذ الأوامر الخارجية للتنفيذ على أرض الواقع اللبنانية، مُستخفّين بعقول المواطنين عبر محاولة إظهار هذه الصفقة وكأنها "صُنعت في لبنان"، لكن لا رئيس التيار الوطني الحرّ آنذاك كان قراره وطنيا، بل مُمانعا، ولا أخصامه كانوا مَحلّيين لا بل نفّذوا أجندة إقليمية ناتجة عن تسوية إقليمية لم تدم طويلاً. الكتائب برئاسة النائب سامي الجميّل آنذاك كانت صارمة وحازمة في هذا الملفّ حيث رفضت رفضاً قاطعاً أي مُرشّح "حامل مشروع 8 آذار" مُحذّرةً من العواقب الوخيمة لتكريس المُحاصصة بشكلٍ غير مسبوق وإيصال رئيسٍ مشروعه غريب عن منطق السيادة وكان واضحاً أن لو اجتمعت هذه المنظومة على طاولةٍ واحدة فهي ستفشل في إدارة شؤون البلاد لأن لا نيّة لديها إلّا بتوزيع الحُصص ونهش ما تبقّى من مؤسسات داخل الجمهورية اللبنانية، أي أن الكتائب أصابت ورفضت ركوب موجة الإنهزام ورفضت رفضاً قاطعاً تسليم السيادة.

 

التقهقر الإقتصادي، الثورة والإنهيار..
مع بداية عهد عون، حاول المجلس النيابي فرض ضرائب تطال جيوب المواطنين مُباشرةً لتمويل سلسلة الرّتب والرواتب من دون إدخال إصلاحات أو دراسة أثر إقتصادي-إجتماعي لهكذا خطوة قد ينجم عنها خطأ فادح، فطعنت الكتائب بالقانون ونجحت بإبطاله في المجلس الدستوري طارحةً حلولاً عمليّة بديلة منها تشديد الرقابة على الحدود منعاً للتهريب والتهرّب الضريبي لزيادة إيرادات الخزينة واستخدامها لتمويل السلسلة عوضاً عن أخذها من الناس، وحذّرت من الإقتصاص من القدرة الشرائية للمواطن ممّا قد يولّد أزمة ولاحقاً انهيارا، الردّ حينها جاء على شكلِ رسائل مُعلبّة تقول "نحن اتّفقنا، ومعنا حق"، إلّا أن ما حصل في المستقبل أكّد صوابية الكتائب في طرحها هذا واكتشف أزلام الحكم أن الأوان قد فات حيث طبق المثل الفرنسي "Plus tard, dit-on d'abord; et puis ensuite on dit: trop tard". تدهور العلاقات السياسية داخلياً، وفشل الحكومة بتطبيق أيّة مشاريع إصلاحية كانت أو إنمائية دفع الشعب الى الشارع في 17 تشرين الأول 2019 للإنتفاض على ظلم الأمر الواقع، ومن الليلة الأولى دعا رئيس الكتائب المحازبين والمناصرين الى الشارع للتخلّص من هذه الزمرة الحاكمة وتقدّمت الكتلة حينها باقتراح قانون مُعجّل مكرّر لتقصير ولاية المجلس والتوجّه نحو انتخاباتٍ نيابية مُبكرة كون أساس الأزمة هو البرلمان العقيم لكن القانون سقط بسواعد المنظومة ومن اقتنعوا بالطرح لاحقاً؛ هُنا أيضاً أصابت الكتائب بتموضعها السياسي الداعي لتجديد الطقم الحاكم، تطوير النظام السياسي واسترجاع السيادة من أنياب حزب الله، وذلك تطابقاً مع سياسة الحزب وتطلّعاته من دون تناقضاتٍ.

 

الكتائب إذاً لا تُساوم ولا تُهادن، لم تفعلها، لا تفعلها ولن تفعلها والمواقف السابقة كفيلة ببرهنة ذلك، إذاً الثقة بمن أولى الثقة لنفسه وضميره هو واجب للّبنانيين في صناديق الإقتراع، فقالها شارل مالك سابقاً:" إن درع الصمود المحارب ميدانيا هو في الدرجة الأولى الكتائب اللبنانية، وإذا فُكّكت أو مُزّقت أو احتُويت، فُكّك لبنان وغُلب على أمره".