قائد شرطة بيروت: الخطة الأمنية حقّقت انخفاضًا في نسبة الجريمة

هي بيروت العاصمة، النموذج المصغّر عن لبنان والانعكاس الأدقّ لأزماته. دفعت هذه المدينة أثمانًا في السنوات الأخيرة للانهيار الاقتصادي وتبعات انفجار 4 آب. وأحد أغلى الأثمان، كان أمنها: غاب الأمن وارتفعت نسبة الجريمة، وتحوّلت شوارع المدينة، ملاعب كبرى للتسوّل، أما ظاهرة الدرّاجات النارية، فلم تنطو فقط على مخاطر على السلامة العامة، بل انطوت على مخاطر على الأمن نفسه، مع تنقّل مطلوبين بجرائم قتل ومخدّرات، بل وتنفيذ جرائم السلب بقوة السلاح، عليها... من هنا كان لا بدّ من وضع بيروت أمنيًا "تحت المجهر". فهل بدأت الخطة الأمنية الأخيرة لشرطة بيروت في الموسم السياحي، تعكس "نفضة" العهد الجديد، على مستوى الأمن بدءًا بالعاصمة؟

مع تعيين قائد شرطة بيروت عماد الجمل، ضمن التعيينات الأمنية الحديثة، حقّقت بيروت بالأرقام تراجعًا ملحوظًا في نسبة الجريمة. وهو ما يكشفه الجمل في حديث خاص لـ "نداء الوطن"، أحاط فيه بمجمل أزمات بيروت على مستوى الخطة الأمنية الجديدة ومشاكل السير والتسوّل والدرّاجات النارية وغيرها...

ندخل ثكنة الحلو، حيث مركز قيادة شرطة بيروت. في أحد الطوابق ورشة صيانة، لا تقارن بالورشة الكبرى التي تجريها القيادة، العالِمة بأنّ مشاكل بيروت تعاظمت، و "البيارتة"، التجار "تاريخيًا"، يتوقون للأمان، ليس لازدهار اقتصاد مدينتهم وحسب، إنّما لأنّ اللبناني الذي "يحبّ الحياة"، يستحقّ أن يعيشها بأمن وطمأنينة، وهذه المدينة تستحقّ بعد النفق المظلم للانهيار الذي أدخلتها فيه المنظومة، بالمعنيين المجازي والحقيقي لمدينة لا إنارة فيها، وكل ظروف الانهيار تعزّز الجريمة فيها، أن تحظى بالطمأنينة.

يدرك القائد عماد الجمل حاجات المدينة وتوق أهلها لـ "تصفير" الجريمة فيها. فما مدى جهوزية شرطة بيروت في الموسم السياحي؟ وماذا عن نسب الجريمة بالأرقام منذ استلامه المهمة؟

جرائم السلب بتراجع 80 %

ندخل مكتب قائد شرطة بيروت، العميد عماد الجمل. نراه منكبًا على أوراق أعدها لنا عن إحصاءات أمنية في الأشهر الثلاثة الأخيرة، أي منذ استلامه مهمّة قيادة شرطة العاصمة، على قاعدة "دعوا الأرقام تتحدث عن عملنا".

وبالأرقام، منذ تاريخ 1/4/2025 حتى تاريخ 30/6/2025، أي في الأشهر الثلاثة الأخيرة، سجل 38205 محاضر (قرابة 40 ألف محضر) في سرية سير بيروت: 26186 منها، أي أكثر من نصفها، كانت محاضر "ممنوع الوقوف"، و 1510 محاضر، لمخالفة "زجاج حاجب للرؤية"، و 1338 محضرًا، "سيارات محجوزة"، و 4045 محضرًا، "دراجات محجوزة".

وبتحليل الأرقام، يمكن القول إنّ أبرز مشاكل العاصمة اليوم، هي تحوّلها إلى "باركينغ كبير للسيارات"، وكذلك أزمة الدرّاجات النارية المخالفة، حيث فاق عدد الحجوزات في 3 أشهر، 4000 درّاجة. وما خفي وراء الدرّاجات كان أعظم وهو ما نتناوله بالتفصيل في مقالنا في الجزء الثاني منه.

نكمل في تحليل الأرقام، حيث ثبّتت تراجعًا ملحوظًا في نسب الجريمة: وسجلت "جريمة السلب بقوة السلاح" انخفاضًا ملحوظًا (جزء كبير منها ينفّذه مسلحون عبر درّاجات نارية ضد مشاة أو ركاب درّاجات آخرين)، وذلك بنسبة 79 % في حزيران 2025 مقارنة مع أيار 2025 وبنسبة 87 % مقارنة بشهر حزيران 2024.

أما "جريمة النشل" (سرقة محفظة)، فسجّلت انخفاضًا ملحوظًا خلال حزيران مقارنة بأيار 2025 بنسبة 23 %، و25 % مقارنة بحزيران 2024، في حين أن السرقة العادية (سرقة بخطة معدّة سلفًا) انخفضت بنسبة 15 %، و8 % مقارنة مع شهر حزيران 2024.

إجراءات استثنائية لحماية الموسم السياحيّ

الخطة الأمنية التي طلبتها المديرية العامة بتوجيهات من وزير الداخلية أحمد الحجار وتعليمات من مدير عام قوى الامن الداخلي، اللواء رائد عبدلله بهدف تأمين أمن العاصمة في الموسم السياحي، للمصطافين وأهلها، أثبتت نجاعتها، بحيث انخفض عدد الجرائم المرتكبة في نطاقنا بشكل ملحوظ، وهدف الخطة وهدفنا أيضًا، إبقاء بيروت مدينة فيها "الحدّ الأدنى من الجريمة"، يقول الجمل.

وإجراءات قيادة شرطة بيروت، سواء ضمن الخطة الأمنية أو خارجها، هي، كما أوضح الجمل "تأمين الأمن للمواطن، ليعيش بربوع وطنه، عوض أن يفكر بالمغادرة".

وتعليقًا على الأرقام، يقول :"انخفضت الجريمة في بيروت، وإجراءاتنا التي نمارسها بشكل يومي، هي في صلب وظيفتنا وليست منّة من أحد، فوظيفتنا هي إرساء الأمن في بيروت". وتعليقًا على توقّعات البيارتة من فترة قيادته شرطة المدينة، يكتفي بالقول: "الأيام كفيلة بجعل أهالي المدينة وقاطنيها وزوارها، يشعرون بتغير ملموس، فهذه وظيفتنا التي نسعى لتحقيقها، وهي تحقيق الأمن والاستقرار للمدينة".

ومن الجهة العملية، إذ تطبق الخطة من مطار بيروت الدولي وصولًا لوسط بيروت، فإن شرطة بيروت، منوط بها تحقيق الأمن ضمن نطاقها الإقليميّ بدءًا بالمدينة الرياضية، وصولًا لوسط بيروت.

في السياق، يوضح الجمل أن "من صلب مهامنا إجراء دوريات يومية في كل أنحاء بيروت، وجرت العادة أن نكثفها مساء، أما ما أضفناه بهدف تطبيق الخطة، فهو تعديل أماكن تمركزنا، تكثيف الدوريات، قرب المطاعم، الفنادق وغيرها، وكل هذا بناء على تحليل المعلومات الأمنية، وبالتنسيق مع كل الأجهزة الأمنية في بيروت، من استقصاء بيروت، إلى فرع المعلومات بيروت، إلى مفرزة بيروت القضائية".

 

1650 كاميرا في بيروت: إلى التفعيل مجدّدًا

لكن يبقى الهاجس الأهمّ تفعيل كاميرات الرادار، ويبلغ عددها تقريبًا، 1650 كاميرا في بيروت، 70 % منها معطلة بفعل أعطال متراكمة خلال الانهيار وبعضها تعطل بعد انفجار مرفأ بيروت عام 2020، فيما أصبح  90 % منها خارج الخدمة بسبب الحاجة لتفعيل Update جديد لنظامها.

وتعطل الكاميرات، لا يعطّل بدوره تبليغ صاحب مخالفات السرعة وغيرها من المخالفات، إذ لا يتم اليوم تسجيل أرقام السيارات المخالفة أساسًا طالما أنّ كاميرات الرادار لا ترصدها، بل إنّ الأهمّ من ذلك، هو أن تعطل تلك الكاميرات "يمنعنا من ضبط جرائم عديدة".

ويشرح الجمل "إنّ للكاميرات دورًا "أمنيًّا" فعّالًا، حيث تمكّننا من مراجعة الكاميرات لو كانت اليوم عاملة، للتثبّت من جرائم النشل والقتل وغيره".

وفي حين تقع مسؤولية إصلاح الكاميرات لدى بلدية بيروت وبالشراكة معها، يكشف الجمل أن وزير الداخلية أحمد الحجار مهتمّ شخصيًّا بإصلاح أنظمة كاميرا الرادار في بيروت، وكذلك المدير العام لقوى الأمن الداخليّ اللواء رائد عبدلله.

 

 

المرأة في شرطة بيروت: أول الإصلاحات

وأول الإصلاحات "الجندرية" في بيروت، في العهد الجديد، تجلّت بفرز قرابة 180 عنصر أمن من النساء (جميعهنّ من الدورة الجديدة لقوى الأمن)، من مديرية قوى الأمن لقيادة شرطة بيروت، بمهام متعدّدة، لكنّ المهمة التي شكّلت علامة فارقة، تجلّت بدخول قرابة 70 امرأة لشرطة السير في بيروت، وهو ما تناوله المواطنون عبر السوشال ميديا، بشكل إيجابي مرحّبين بهذه الخطوة.

في السياق يعلّق الجمل، "إنها تجربة جيدة، تعكس انصهار المرأة في العمل الأمني، والمساواة مع الرجل، وتجعل بيروت العاصمة سبّاقة كعادتها في تكريس هذه المساواة".

وفي الجزء الثاني من المقابلة مع قائد شرطة بيروت، نتوسّع معه للحديث في ظاهرة التسول، والهم الأكبر، الدرّاجات النارية!