قانون "الفجوة" نحو فرض 20% على التحويلات... ماذا عن أموال المصارف في الخارج؟

تحول ملف التحويلات المصرفية إلى الخارج بعد عام 2019 إلى أحد أكثر عناصر الأزمة المالية اللبنانية إثارة للجدل. وترتسم أسئلة كثيرة حول مصير هذه التحويلات، وحجم الأموال التي احتفظت بها المصارف في فروعها أو في المصارف المرتبطة بها في الخارج.


منذ فرض القيود غير المعلنة على السحوبات والتحويلات، برزت شبهات واسعة في تهريب أموال لمصلحة نافذين ومصرفيين، مقابل تجميد أموال صغار المودعين. غير أن مصادر مصرفية تشير إلى أن قسما كبيرا من الأموال التي خرجت من لبنان بعد 2019 لم يكن تحويلات اعتباطية أو استنسابية، بل ارتبط بقروض حصلت عليها المصارف اللبنانية من مصارف أجنبية لتمويل التجارة الخارجية، وكانت تقابلها ودائع مخصصة لهذا الغرض. فمع انفجار الأزمة المصرفية وفقدان الثقة بالقطاع المالي اللبناني، اعتبرت هذه القروض الخارجية مستحقة فورا، ما أجبر المصارف على استخدام جزء كبير من أموالها الموجودة في الخارج لتسديد التزاماتها تجاه المصارف الأجنبية. ونتيجة لذلك، لم تختف الأرصدة الخارجية بالكامل، لكنها تراجعت على نحو حاد، وسُجّل انخفاض ملموس في حجم الأموال العائدة إلى المصارف اللبنانية في الخارج.

إلى ذلك، تؤكد المصادر أن "المصارف والفروع الموجودة خارج لبنان تعدّ مستقلة قانونا وماليا. فما من مصرف خارج لبنان تابع كليا لمصرف لبناني على نحو يجعله فرعا خاضعا له بكل أمواله، وتقتصر علاقة المصارف اللبنانية بهذه الكيانات الخارجية على الأرباح أو على نسبة المساهمة. إذ إن لبعض المصارف اللبنانية حصصا في مصارف خارجية من دون امتلاكها بنسبة 100%. وبذلك، لا يمكن قانونا التعامل مع أموال هذه المصارف المستقلة على أنها مودعة أو محتجزة لمصلحة المصرف الأم في لبنان.

في هذا السياق، يوضح الرئيس السابق للجنة الرقابة على المصارف سمير حمود لـ"النهار" أن فروع المصارف اللبنانية كانت موجودة أساسا في دول مثل العراق وقبرص والأردن. غير أنها "تحولت مع الوقت إلى عبء أكثر منها عامل دعم". ويؤكد أن "الأموال التي جمعت كودائع في تلك الدول أعيد توظيفها في لبنان. وعندما طالبت السلطات الرقابية في تلك الدول بتغطية الودائع بنسبة 100% نقدا ومودعة لدى المصارف المركزية المحلية، لم تكن المصارف اللبنانية قادرة على تأمين هذه السيولة. لذلك، لم يكن لديها فائض أموال يتجاوز حجم الودائع المترتبة عليها في فروعها الخارجية، ما أدى إلى إغلاق عدد كبير من هذه الفروع، ولا سيما في العراق وقبرص".

رغم الخسائر، يؤكد حمود أن مصارف كبرى أفادت من بيع فروعها الخارجية، وأبرز المستفيدين كان بعض المصارف اللبنانية الكبيرة حضورا في الخارج. فقد جرى بيع فروع في تركيا، ومصر، والأردن، بما أتاح تحقيق سيولة إضافية ساهمت في تحسين وضعها النقدي حتى اليوم، مقارنة بمصارف أخرى لم تمتلك هذا الخيار.

 

دور مصرف لبنان وتسوية الاعتمادات

يؤكد حمود أن "الأموال الموجودة في الخارج لم تكن كافية لتغطية الاعتمادات المستندية المفتوحة، إذ ان الأرصدة لدى المصارف المراسلة لم تكن تغطي أحجام هذه الاعتمادات. عندها، تدخل مصرف لبنان وأقرض المصارف لتسديد الالتزامات، ما وفر لها هامش راحة كبيرا من ناحية السيولة، وخصوصا للمصارف الكبرى".

هذا التدخل أدى محاسبيا إلى إظهار انخفاض في ديون بعض المصارف "رغم أن هذه الديون لم تنخفض فعليا، بل جرت تسويتها محاسبيا نتيجة الأموال الموضوعة لدى مصرف لبنان. أما المصارف التي حولت جزءا من ديونها إلى الخارج، فقد استخدمت السيولة المتوافرة لديها لإقفال الاعتمادات، مع المحافظة في الوقت عينه على جزء من أموالها الخارجية.

توازيا، فتح القضاء ملف التحويلات إلى الخارج، ولاسيما بعد قرار القاضي شعيب المطالب بإعادة الأموال التي جرى تحويلها بعد اندلاع الأزمة. بيد أن التجاوب مع هذا القرار بقي جزئيا ومحدودا، وفق مصادر مطلعة، ولم يتحول إلى مسار شامل".

وتبرز إشكالية قانونية أساسية تتمثل في غياب قانون واضح يحدد آلية طلب كشوفات الحسابات، خصوصا أن عدد الحسابات المعنية قد يصل إلى الآلاف. فالقاضي، وفق الأصول القانونية، لا يستطيع طلب كشف حساب من دون مبرر قانوني محدد، وفق حمود الذي يضيف: "المصارف قد تتجاوب مع مصرف لبنان إذا طلب هذه الكشوفات في إطار صلاحياته الرقابية، لكنها تتحفظ عن تسليمها مباشرة إلى القضاء، ما يؤدي إلى حالة من التجاذب حول مفهوم هذه الكشوفات وحدود استخدامها".

في المحصلة، لا شك في أن المصارف اللبنانية حولت أموالا إلى الخارج بعد اندلاع الأزمة، وأن تمييزا واضحا حصل بين المودعين، إذ سمح لقلة بإجراء التحويلات فيما رفضت طلبات الغالبية الساحقة من المودعين. ويبدو أن قانون الفجوة المالية يتجه إلى فرض ضريبة بنسبة 20% على الأموال التي حولت إلى الخارج، سواء من أصحاب المصارف أو مديريها أو المودعين المحظيين.

وتشير المعطيات إلى أن الجزء الأكبر من هذه التحويلات لم يكن لمصلحة أفراد، بل استخدم في تسديد ديون مستحقة على المصارف اللبنانية تجاه المصارف الأجنبية ضمن تسهيلات ائتمانية (Lines of Credit). وفي حال عدم الوفاء بهذه الالتزامات حينها، كانت المصارف اللبنانية ستواجه إقفالا كاملا لحساباتها لدى المصارف المراسلة، ما كان سيؤدي إلى شلل تام   .