قتيلا باب التبانة: من يريد تفجير الوضع الأمني في طرابلس؟

كتب جنى الدهيبي في المدن:

تجلس والدة علي أحمد وسط جاراتها في باب التبانة، مفجوعة ومتشحة بالسواد، تبكي تارةً وتناجي من حولها سائلة: من قتل ابني؟ لماذا قتلوه؟

وأثناء انتظارها وصول جثمان نجلها البالغ 29 عامًا، وهو أب لـ3 أطفال، لوداعه قبل دفنه، كانت أزقة باب التبانة في محيط شارع سوريا منذ صباح الثلاثاء، تضمر غليانًا وغضبًا بعد ليلة حاميةٍ أسفرت عن سقوط أحمد قتيلًا مع طفلٍ من آل السيد يبلغ 4 سنوات، على خلفية إشكال عائلي لا علاقة لهما به.

القصة الظاهرية للاشتباك الدموي، كانت بين عديلين، أحدهم من آل عيسى وهو قاتل الطفل، والآخر من آل الدشم. المفارقة أن القتيلين لا علاقة لهما لا بالاشكال ولا بأطرافه. سوى أن الطفل كان يعبر مع عمه على دراجة نارية فأصابت رصاصة القاتل قلبه، ثم نزل عشرات المسلحين إلى شارع سوريا، وأطلقوا النار عشوائيًا، وكذلك القنابل اليدوية، فأحترقت بعض السيارات وطال الرصاص شرفات المنازل، فسقط علي قتيلًا أيضًا إلى جانب إصابة 3 آخرين بجروح، وفق إفادة شهود عيان لـ"المدن"، وهو ما أكده لاحقًا البيان الصادر عن قيادة الجيش.

وحسب بيان الجيش، نفذت قوة منه عملية دهم لتوقيف مطلقي النار، وأعتقلت المواطن (ا.ع) وتجري المتابعة لتوقيف باقي مطلقي النار.

لكن ما حقيقة الوضع على أرض الواقع؟
في أحد مفارق شارع سوريا، اليوم الثلاثاء، تقف مجموعة من الشبان عند الرصيف المقابل لدبابة الجيش. يضحكون تارةً ويغضبون طورًا. جميعهم في العشرينات من أعمارهم، وجميعهم أيضًا عاطلون عن العمل، أو يعملون جزئياً. بعض هؤلاء، من أقارب الطفل والشاب المقتولين. نقترب منهم لسؤالهم عن عودة الهدوء بعد الإشكال الدامي، فيرد أحدهم ساخرًا: نأخذ استراحة فقط. يتحدث الشبان عن فاتورة للثأر لمنطقتهم المنكوبة. يعبّر بعضهم عن الغضب من السلوك الأمني تجاههم، لكن لدى سؤالهم: من أين تأتون بكل هذا السلاح؟ يرفع أحد الشبان قميصه، ودون خشية من وقوف عناصر للجيش على مسافة أمتار منه، دالًا على المسدس في خصره، ويقول ساخرًا أيضًا بما معناه: هذا الشيء الوحيد الذي نستطيع شراءه بسهولة أكثر من ربطة الخبز أو الفجل.

حزام الخيبة
توازيًا، يجول أهالي باب التبانة نساء ورجالًا في أحيائهم، وهم مثقلون بالخيبات والقلق. تنصح إحدى السيدات عدم الاقتراب من مكان اشتباك أمس، "لا نعرف من أين ستأتي الرصاصة الطائشة".

هل هذا ترهيب وتنميط لمنطقة عاصرت عقودًا من النكبات والدماء والمجازر؟ بالطبع لا. يعبّر أهالي باب التبانة عن استنكارٍ شديد لواقع مريع يفرض عليهم عشية الانتخابات. ويتساءل أهالي المنطقة بخوف وريبة: إذا كان الإشكال الدموي شأنًا فرديًا خاصًا بين عديلين.. فهل ظهور السلاح بهذه الطريقة وسط السكان الآمنين هو أيضًا مسألة فردية خاصة؟

من يعرف باب التبانة الغارقة بفقرها وتهميشها، يدرك أن ثمة تحولًا كبيرًا بمشهدها مقارنة مع المواسم الانتخابية الماضية. في السابق، كانت تغزو صور المرشحين والقيادات السنية شرفات المنطقة المنخورة بالرصاص. أمّا هذا الموسم الذي تغيب عنه القيادات التقليدية وتكثر فيه اللوائح، اختفت الصور كليًا وبدأ يعلو صوت الرصاص. وراهنًا تبددت الذرائع السياسية لإشهار السلاح، وتقدمت ذرائع الخلافات العائلية، من دون أن يعني ذلك عدم وجود أيدي سياسية خفية تسعى لتفجير الوضع الأمني في طرابلس بأي ثمن.

سياسيًا، لا شك أن كثيرين ممن عهدوا الاستثمار في طرابلس، أمنيًا وانتخابيًا، قد لا يترددون بذلك في موسم انتخابي سمته في طرابلس: الضياع والفوضى. ومع تصاعد وتيرة الإشكالات الفردية في المدينة، والتي تدفع سريعًا لظهور السلاح، يتساءل كثيرون عن محاولات تغذية الفوضى شمالًا قبل الانتخابات، بهدف التأثير على مصيرها، أو نتائجها. وهو ما سيتجلى في الأسابيع المقبلة.