قرارات كيدية بإقفال تخصصات وإعادة الرسوم للطلاب في "اللبنانية"

قبل إقرار ملف التفرغ (مطلب محق للمتعاقدين في الجامعة اللبنانية) بات مطلوباً ليس وضع استراتيجية ورؤية وإجراء ورشة عمل وطنية لمستقبل الجامعة اللبنانية، وإعادة إصلاح المسار الخاطئ منذ سنوات، بل أقله إلزام الإدارة المركزية باتباع أسس إدارية قانونية في كيفية التخاطب مع الوحدات. فقد ضجت الجامعة في الأيام القليلة الماضية بقرارات غير مكتوبة لرئيس الجامعة، أبلغ فيها كليات بإقفال المسارات (تخصصات) في مرحلة الماجستير. وعندما اعترض المعنيون على هذا القرار الشفهي، على اعتبار أن العام الدراسي بدأ بفصله الثاني ولا يجوز رمي الطلاب المسجلين في الشارع، كان الجواب أن بالإمكان إعادة رسوم التسجيل لهؤلاء الطلاب.


إقفال مسارات غب الطلب
في التفاصيل، طلب رئيس الجامعة بسام بدران شفهياً إقفال مسارات (تخصصات) في الماجستير (من دون التطرق لمرحلة الإجازة!) لأن عدد الطلاب قليل ما يؤدي إلى هدر بالغنى عنه. وتبين أن هذا الأمر يطال فقط كليات مثل العلوم الاجتماعية والحقوق والآداب والتربية. الأمر الذي يفسر أن ثمة إهمالاً لاختصاصات العلوم الإنسانية، وممارسات كيدية بحق مدراء فروع. وصحيح أن هذه الخطوة في الشكل إصلاحية لتخفيف الهدر (تنحيف الأنصبة المتضخمة)، إلا أنها لو كانت إصلاحية فعلاً لكان يفترض القيام بها، ليس من سنتين (عندما بدأ ولايته)، بل أقله قبل بدء العام الدراسي. أو كان أقله يفترض إبلاغ الطلاب أن تسجيلهم مؤقت ورهن عدد الطلاب الذين سيتسجلون في هذا المسار، تقول مصادر مطلعة. وتضيف، الطامة الكبرى أن إحدى الكليات في طرابلس تبلغت بإقفال أحد المسارات رغم أن عشرة طلاب تسجلوا فيه، فيما العدد المطلوب لفتح الاختصاص كان عشرة. ما يعني أن إقفال المسارات يأتي غب الطلب وبممارسات كيدية، حسب التوزيع الطائفي والسياسي للفروع. 

التشعيب وتضخيم الأنصبة
الإصلاحات في الجامعة مطلوبة منذ سنوات، لكنها بحاجة لتشكيل لجان علمية وأكاديمية ليس لوضع استراتيجية لمستقبل الجامعة فحسب، بل لإعادة تحديد دور الجامعة واختصاصاتها وفق حاجة البلد والقدرة على الانتشار والمنافسة، مع الأخذ بالاعتبار القدرات المالية. وهذا لا يتم من خلال بعض المستشارين كما هو حاصل اليوم، بل من خلال إشراك كل الوحدات والفروع وحتى خبراء من بعض الجامعات الخاصة، تقول المصادر.
لكن وقبل الحديث عن الإصلاحات التي من شأنها تعقيد إقرار ملف التفرغ، نظراً لتضخم العدد فيه، وأتى من دون دراسة لحاجة الجامعة الفعلية، لا يجوز أن تعمد قوى حزبية إلى تسجيل محازبين من خلال دفع الرسوم عنهم بهدف رفع عدد الطلاب، وتبرير فتح شعب واختصاصات لنفخ الأنصبة وتبرير التعاقد. ثم يتم تضخيم ملف التفرغ لعدم إقراره في مجلس الوزراء. وفي الموازاة، يبدأ التظلم من ضرورة إجراء إصلاحات، ليتبين أنها ما زالت غب الطلب. ليس هذا فحسب، بل إن وقف الهدر يبدأ من خلال تعديل مراسيم الوحدات لناحية التشعيب على مستوى الإجازات قبل الماجستير، كي لا تقفل أبواب الجامعة أمام الطالب في منتصف الطريق. والحديث عن التشعيب (تقسيم طلاب الاختصاص الواحد إلى مجموعات) يعم كل كليات الجامعة حيث تستدعي الحاجة وحيث لا داعي لها، والهدف دائماً رفع الأنصبة وتبرير التعاقد، وفق المصادر.

تعيين المدراء قبل انتخابهم
صحيح أن الجامعة منشغلة حالياً بانتخاب مدراء الفروع، ويصعب بدأ أي ورشة إصلاحية قبل تعيين المدراء، إلا أن المكتوب يقرأ من عنوانه. فتعيين المدراء يتم وفق القاعدة الطائفية والسياسية التي تعتبر إحدى أهم مشكلات الجامعة التي تحولت إلى محميات. وصحيح أن مجلس الفرع (رؤساء الأقسام ومدير الكلية وممثلي الأساتذة) ينتخب خمسة أشخاص ويرفع لائحة بهم إلى مجلس الوحدة (العمداء ومدراء الفروع وممثلي الأساتذة) الذي بدوره ينتخب ثلاثة منهم ويرفعها إلى الرئيس، الذي مع وزير التربية عباس الحلبي، يعينان مديراً للفرع من بينهم، إلا أن الأسماء معروفة قبل انتهاء الانتخابات. فالمكاتب التربوية الحزبية حددت الأسماء مسبقاً. وهذه أولى العقبات أمام الإصلاح المطلوب قبل الإقدام على عقد ورشة عمل وطنية، تضم أصحاب الاختصاص، لوضع رؤية واستراتيجية للجامعة وفق حاجة البلد للاختصاصات المطلوبة.

إصلاح الجامعة يبدأ بتعيين مجلس الجامعة يعيد لها استقلاليتها، وإلزام الإدارة المركزية بمخاطبة الوحدات كتابياً من خلال قرارات وتعاميم، وليس شفوياً للتنصل من المسؤولية عندما تفتضح الأمور، كما هو حاصل اليوم. والخطوة الثانية تبدأ مع إعادة تعديل مراسيم الكليات لناحية فتح أو إقفال المسارات أو التشعيب وفق الحاجة الفعلية. ومن ثم وضع أسس علمية لملاكات الجامعة والأنصبة المطلوبة. ويكون تفريغ المتعاقدين (بمعزل عن أن التفرغ حق وواجب وحاجة للجامعة كي تستمر بتأدية رسالتها) ضمن هذا المسار الإصلاحي الذي يخدم الجامعة.