كتب بنفسه عن الموت... مروان نجار يترك إرثا دراميا مؤثرا

غيب الموت الثلاثاء الكاتب والمنتج اللبناني مروان نجار عن 76 عاما إثر صراع مع المرض، بعد مسيرة استمرت عقودا طويلة قدم خلالها العشرات من الأعمال للتلفزيون والمسرح في لبنان، وأطلق فيها ممثلين كثيرين سطع نجمهم في العالم العربي.

وذكرت وسائل إعلام لبنانية أن نجار المتحدر من شمال لبنان والمولود في منطقة الأشرفية بالعاصمة بيروت سنة 1947، توفي صباح الثلاثاء بعدما كان يصارع المرض في الفترة الأخيرة من حياته.

بدأ نجار دراسته الجامعية في ستينات القرن الماضي في الجامعة الأميركية في بيروت، وتعلم النقد الأدبي. كما كان يعطي خلال فترة دراسته دروسا خصوصية للطلاب في اللغة العربية.

وانطلق في مسيرته المهنية من خلال الصحافة، إذ عمل خلال السبعينات في صحف ومجلات عدة، بينها “الأسبوع العربي”. كما عمل في قسم الأرشيف في “دار الصياد” قبيل اندلاع الحرب اللبنانية سنة 1975. وأصدر كتابا حمل اسم “أمراء الحرب” خلال ما عرف بـ”حرب السنتين” في لبنان بين 1975 و1976، كما أن كتاباته حينها تسببت بطرده من المنطقة التي كان يقطنها، وفق تأكيده.

وخاض نجار غمار الكتابة التلفزيونية بدعم من المخرج أنطوان ريمي وزوجته هند أبي اللمع عبر مسلسل “ديالا” الذي تولت الممثلة اللبنانية الراحلة بطولته سنة 1977، لتتكر بعدها سبحة الأعمال التي كتبها وأنتجها في التلفزيون والمسرح والسينما.

وتضاعفت شهرته التلفزيونية خلال فترة الحرب اللبنانية في الثمانينات، إذ قدم أعمالا حققت نجاحا كبيرا بينها “هيك ربونا” (“فارس ابن أم فارس”) و”الأستاذ مندور”. ورسخ بعدها حضوره في الكتابة التلفزيونية في التسعينات مع مسلسلات عدة، أبرزها “طالبين القرب” الذي أطلق نوعا دراميا غير مألوف حينها على الشاشات اللبنانية، كان يقوم على قصص مستقلة تعرض في حلقة واحدة أو بضع حلقات.

وساهم هذا المسلسل في إطلاق مسيرة عدد كبير من الممثلين اللبنانيين الذين استحالوا نجوما على الساحة الدرامية العربية، بينهم باسم مغنية ويورغو شلهوب وفيفيان أنطونيوس وبديع أبوشقرا.

وبقي نجار لسنوات طويلة أحد أهم منتجي الدراما في لبنان، ونجح في حجز موقع له بين كبار الكتاب والمنتجين بأسلوبه غير العادي، رغم انتقادات كانت توجه له على خلفية اعتماده لغة كان يصفها البعض بأنها لا تشبه السائد في المجتمع.

واستمر مروان نجار في عطاءاته الدرامية في العقد الأول من القرن الحالي، مع التركيز على المواهب الشابة المغمورة، خصوصا عبر مسلسل “من أحلى بيوت راس بيروت” الذي يعالج مشكلات الشباب الجامعيين، وأعمال أخرى بينها “حلم آذار” (2005) و”الطاغية” (2007).

وكان للمسرح أيضا حصة كبيرة في مسيرة نجار الذي كان متابعا نهما لأحدث الإنتاجات المسرحية في برودواي ولندن. ومن أشهر مسرحياته في الثمانينات والتسعينات “لعب الفار” (1982) و”عريسين مدري من وين” (1986)، و”جوز الجوز” (1992) و”كرمال المحروس” (1994).

وفي السنوات الأخيرة، غاب نجار عن صدارة المشهد الدرامي مع تغير الذوق الفني لدى المشاهدين وغزو المسلسلات الأجنبية، خصوصا التركية للشاشات المحلية، فضلا عن صعوبات مالية إنتاجية أعاقت تقديم مشاريع جديدة. لكنه بقي وجها مألوفا عبر إطلالات تلفزيونية متكررة على الشاشة اللبنانية.

وكان نجار ناشطا أيضا في السنوات الماضية عبر الشبكات الاجتماعية، حيث كان يدلي باستمرار بآراء سياسية وفنية أثارت جدلا مرات عدة.

كذلك، كتب نجار أغنيات كثيرة رافقت مسلسلاته ومسرحياته ولا تزال عالقة في أذهان المشاهدين اللبنانيين.

وفور شيوع نبأ الوفاة، غصت صفحات الشبكات الاجتماعية في لبنان برسائل التقدير، مع تغريدات من مشاهير ومستخدمين آخرين حيوا مسيرة الكاتب الذي طبع مرحلة هامة من الذاكرة التلفزيونية اللبنانية.

وودعه الكثيرون بما كتبه هو نفسه في التاسع عشر من يناير الماضي، أي قبل أقلّ من شهر على رحيله، إذ كتب على صفحته على فيسبوك “أصعب ما في الموت أنه كلما أمعن في تغييب الأعزاء عن سطح الأرض عمق حضورهم في الوجدان، مكرسا حاجتنا إلى تواصل مستحيل معهم. حاجة تدعوني إلى تفقد أشقائي الثلاثة الحاضرين في وجداني. فليعذرني من يجد في وجدي أنانية، لكن ربما خففت العبارة من ألم الغياب”.