كونسورتيوم نفطي لدولة تتفكك

كتبت روزانا بو منصف في النهار:

على رغم الاهمية التي اتسمت بها مشاركة دولة قطر في كونسورتيوم التنقيب عن النفط الى جانب توتال اينرجي الفرنسية وايني الايطالية عبر توقيع اتفاق في السرايا الحكومية يجعل قطر شريكة بنسبة 30 في المئة، فان رمزية ما حصل تتصل باستكمال ملف ترسيم الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل الذي لم يلاقه لبنان حتى الان بالزخم اللازم على المستوى الداخلي سياسيا من اجل تمكين فرص الاستثمارات في البلد وتشجيعها.

هي صورة ايجابية ازاء مشهد التفكك والانحلال الذي شهد لبنان فصلا جديدا منه في انقسام السلطة القضائية وتفتتها فيما المدارس معطلة والليرة الى انهيار اكبر. لكن ما حصل لا علاقة له بالمشهد اللبناني . والمؤشرات على ذلك اتت في تهنئة الموفد الاميركي الذي انجز ترسيم اتفاق الحدود آموس هوكشتاين فيما ان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي توجه بالشكر صراحة الى الولايات المتحدة . اذ تقرر دخول قطر في الشراكة انطلاقا من المساعي والجهود التي بذلت من اجل اتجاه الاتفاق والتمهيد لتوقيعه ولا يعبر ضرورة عن ثقة راهنة باهل السلطة ولا برغبة الارادة قطرية او خليجية للعودة الى الاستثمار في لبنان . اذ لا يزال اقتناع مسؤولين دوليين قويا بان هذا الامر لا يجب ان يحجب المسار الضروري والملح الذي على لبنان اعتماده في انتظار الوعد بان يكشف التنقيب عن كميات تجارية كافية للاستفادة والتصدير . كان موضوع ترسيم الحدود ولا يزال من بين بضعة امور لا تزال تثير اهتمام الخارج بلبنان لا بل لا تزال تربطه بالعالم الذي تعب منه ومن مسؤوليه ولا مبالاتهم ازاء مصالح البلد. ويخشى الا يستطيع توقيع الاتفاق مع قطر في درء هذه التهمة عن المسؤولين ولا في التأثير ايجابا على المستوى الاقتصادي والمالي لان توقيع اتفاق ترسيم الحدود مع اسرائيل مر من دون ان يترك هذه المفاعيل على رغم اهميته القصوى وتداعياته البعيدة المدى . كما يخشى ان هناك دولا لديها نفط ولكنها معزولة عن العالم كليا وفنزويلا تشكل نموذجا بمعنى انه لا يعني اذا اصبح لبنان دولة نفطية ، وهو امر لن يحصل غدا او بعد غد بل بعد سنوات اذا ظهرت كميات كافية تمكنه من ان يكون دولة نفطية، فان مآسيه ستنتهي بل انما سيصبح دولة نفطية بكلفة عالية جدا لان من سيأتي للاستثمار سيرغب في مردود عال جدا من اجل ان يقبل في الاستثمار . وهو امر يعني ان لبنان سيخسر اموالا كثيرة جدا لان وضعه صعب فيما انه يناهض تنفيذ الاتفاق المبدئي الذي وقعه مع صندوق النقد الدولي وكذلك اجراء الاصلاحات التي تسمح بان يستعيد بعض الصدقية . وفنزويلا بلد فقير على رغم انها بلد نفطي وكذلك هي الحال بالنسبة الى دول افريقية عدة تمتلك ثروات نفطية.

هذا الكلام بالنسبة الى هؤلاء المسؤولين انما هو من اجل عدم سماح اللبنانيين لاهل السلطة بايهامهم او بيعهم بانهم يضعون البلد على طريق الخلاص، وذلك في حال كان يهمهم الرأي العام اللبناني في الداخل او الخارج في الاساس. فحتى بالنسبة الى قوى السلطة التي اعيد انتخاب زعاماتها ، فان اعادة انتخابهم من اللبنانيين هو مؤشر عن سذاجة فائقة وضعف بمقدار ما يعبر عن قوتهم في توظيف نقاط ضعف اللبنانيين بعد افقارهم وتجويعهم.

الايجابية في مشاركة قطر انه يمكن القول انه لا يزال هناك بصيص امل على قاعدة ان البلد ليس متروكا كليا . وهو ليس كذلك في الواقع لكنه يكاد يشبه الى حد بعيد وضع قطاع غزة الذي يقوم على مده بالمساعدات الانسانية للاستمرار والبقاء فحسب . في حين ان ملف النفط في البحر مرتبط ببعد اقليمي ودولي . ولكن حصوله بعد ايام قليلة على حفلة تدمير قضائي وسياسي للتحقيق في انفجار مرفأ بيروت 2020 قد يكون توقيتا جيدا لمحاولة اعطاء انطباع تنفي فيه القوى السياسية عن نفسها تبعة تدمير البلد ومؤسساته لا بل اعطاء صورة معاكسة علما ان حفل التوقيع على الكونسورتيوم النفطي مقرر منذ زمن ليس بقصير . ولذلك يعتقد ان مفعول ذلك سيبقى ضئيلا قياسا الى معارك الرئاسة التي استهدفت تزامنا مع توقيع الشراكة مع قطر تدمير ما تبقى من حاكمية المصرف المركزي في وقت يشهد سعر الليرة اللبنانية قعرا جديدا ما بعد القعر الذي وصل اليه ، وكذلك تدمير قيادة الجيش من قوى مسيحية بالذات وضد قوى مسيحية اخرى يعتقد انها لديها فرصة في الوصول الى الرئاسة الاولى وتتم محاربتها على هذه الخلفية فيتم القضاء على المؤسسات التي لا تزال قائمة كذلك . وهذا الهجوم اظهر مخاوف من احتمال الاتفاق على قائد الجيش للرئاسة نتيجة عدم القدرة على التوافق على اي شخصية اخرى نتيجة كثرة الاعتراضات والطموح الشخصي القاتل .

وفي انتظار ان يبدأ الحفر والتنقيب عن الغاز في البحر، لا يعتقد المسؤولون الدوليون ان لبنان يستطيع الانتظار . اذ ان الاسبوع المنصرم اثار المخاوف الكبيرة من انزلاقات غير محسوبة وغير متوقعة على مستويات عدة ولا تزال هذه المخاوف قائمة بقوة. فيما ان المحافظة على الوضع القائم المستمر بالانهيار غير ممكن بعدما فقد لبنان مقومات الصمود ويكاد لا يكون موجودا كدولة .