كيف سينفذ الجيش قرار نزع السلاح؟

يروي الرئيس الأسبق للجمهورية العماد إميل لحود كيف أنّه عندما كان قائدًا للجيش عام 1993 رفض قرار الحكومة إرسال الجيش إلى الجنوب بعد عملية "تصفية الحساب"، أو "حرب تموز 1993"، التي شنّتها إسرائيل على لبنان ردًّا على إطلاق "حزب الله" الصواريخ نحوها. يقول إنّه رفض القرار وطلب إقالته وتعيين قائد جيش غيره لينفّذَه، وإنّه ذهب بعدها للقاء رئيس النظام السوري حافظ الأسد الذي أثنى على قراره، وإن هذا اللقاء جعله رئيسًا منتظرًا للجمهورية. يحاول رافضو قرار الحكومة بحصرية السلاح التشكيك بدور الجيش ولكن الزمن تغيّر.

هل يستطيع قائد الجيش اليوم أن يرفض تنفيذ قرار الحكومة؟ وإلى أي "أسد" يمكن أن يذهب؟ فالمسألة من أساسها غير واردة وغير مطروحة، وبعض ما ينسب من مواقف إلى قائد الجيش العماد رودولف هيكل، أو إلى الجيش كمؤسسة، لا يعدو كونه محاولة للتقليل من أهمية الدور المكلّف القيام به.

اليوم المسألة مختلفة. والمرحلة معكوسة. الرئيس جوزاف عون لا يشبه الرئيس الياس الهراوي. والعماد رودولف هيكل لا يشبه إميل لحود. في بعض الجوانب يشبه الرئيس نواف سلام الرئيس رفيق الحريري الذي كان رئيس الحكومة في ذلك الوقت. لا "حزب الله" 2025 يشبه "حزب الله" 1993، ولا نظام الرئيس أحمد الشرع في دمشق يشبه نظام الأسد. يومها أيضا اعتبر "حزب الله"، ومعه محور الممانعة داخل السلطة والحكومة والأجهزة الأمنية والجيش، أنّ هناك خيانة، واتهموا الرئيس الياس الهراوي، مع رئيس الحكومة رفيق الحريري، بالتآمر على "المقاومة" ومدّوا أخطبوط هذه المؤامرة إلى داخل سوريا للربط مع اشخاص داخل النظام، كنائب الرئيس السوري عبد الحليم خدام.

نزع سلاح الجيش أم "الحزب"؟

بين عامي 1993 و2025 دار الزمن دورة كاملة. عادت السلطة إلى مواجهة القرار نفسه ولكن بظروف مختلفة كلّيًا. وقتها لم يكن هناك قرار بنزع سلاح "الحزب" بل بتجنيب لبنان أي حرب عبثية جديدة، وتمكين الجيش من السيطرة على الوضع الأمني. تلك كانت فشلًا ثانيًا بعد تجربة الإمام موسى الصدر بعد اجتياح آذار 1978. بقي الجنوب ساحة قتال انتهى باتفاق وقف النار في 27 تشرين الثاني الماضي الذي وافق عليه "حزب الله" ونصّ على نزع سلاح "الحزب" في كل لبنان وتكليف الجيش مهمة طال انتظارها بعد محاولة إلغاء دوره ومصادرة قراره وقرار السلطة معه.

ثمة محاولة اليوم لنزع سلاح الجيش بدل نزع سلاح "الحزب" من خلال التهويل عليه والإيحاء بأن الحكومة في جلسة 5 أيلول، التي رحّبت فيها بخطة الجيش لبسط سلطة الدولة على كامل أراضيها ونزع سلاح "الحزب" وغيره، تراجعت عن قرار حصرية السلاح الذي اتّخذته في جلستي 5 و7 آب. ويمكن التوقف عند محطات أساسية رافقت هذا القرار وتزامنت معه:

• حصل تهويل كبير من جانب "الحزب" لمنع انعقاد جلسة 5 أيلول بعدما فشل في منع اتخاذ القرار في جلسة 5 آب وتأكيده في جلسة 7 آب. ولكنه فشل في هذه المحاولة. هدّد بأن الجيش سينقسم وبأنّه غير قادر، وأراد إسقاط الحكومة، وطالبها بالتراجع عن قرارات جلستي 5 و7 آب، واتّهم رئيسي الجمهورية والحكومة بالخيانة والعمالة للأميركيين ولإسرائيل. وأعلن رفضه الالتزام بتسليم سلاحه حتى لو كلّفته العملية الدخول في حرب ضد الجيش.

من الاستقالة إلى حفظ السلم الأهلي

• لم تنفع عملية التهويل بل دفعت الحكم والحكومة إلى التمسك بالقرارات وبموعد الجلسة وبعرض خطة الجيش لحصرية السلاح، وإن كانت أضيفت بنود أخرى ثانوية على جدول الأعمال لتأمين حضور الوزراء الشيعة. ولكن عندما حضر قائد الجيش العماد هيكل إلى القصر الجمهوري ودخل قاعة مجلس الوزراء انسحب الوزراء الشيعة تباعًا. وبعد الجلسة التي استكمل فيها هيكل عرض الخطة وتأكيد الحكومة عليها تمّ التهديد باستقالة الوزراء الشيعة. ولكن المفاجأة جاءت مباشرة بعد الجلسة من رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي رحب بالقرار وقال إن الرياح السامة بدأت تنجلي وما حدث في موضوع خطة الجيش يحفظ السلم الأهلي.

• نتيجة الجلسة: رحب مجلس الوزراء اللبناني بخطة الجيش لحصر السلاح بيد الدولة. المداولات بشأنها ستبقى سرية. قيادة الجيش سترفع تقريرًا شهريًا بهذا الشأن للحكومة. تعهّد الرئيس نواف سلام بتنفيذ قرار حصر السلاح الصادر في جلسة 5 آب. الخطة تشمل منع نقل السلاح في كل لبنان.

• السبت 6 أيلول التقى في دارة النائب فيصل كرامي في بقاعصفرين عدد كبير من النواب والوزراء السنة إلى جانب مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان ومن بينهم من كانوا في صفوف الداعمين لـ "حزب الله". المفاجأة كانت في تأكيد كرامي ودريان على قرار حصر السلاح بيد الشرعية نازعين أي غطاء عن سلاح "حزب الله" وداعمين لدور الجيش اللبناني في موقف يتلاقى مع سياسة المملكة العربية السعودية تمّ التعبير عنه بقول كرامي: "التطاول على رئاسة مجلس الوزراء مرفوض. هذا العهد عهد إصلاح ولا بدّ من دعمه. المرجعية الوحيدة لحمل السلاح هي الدولة. الجيش اللبناني هو الضامن الشرعي. ثقتنا بمؤسستنا العسكرية ثابتة، ودورها مركزي في حماية الوطن ووحدة أراضيه".

عودة آلية "الميكانيزم"

• السبت وصل إلى لبنان قائد المنطقة الوسطى الأميركية الجنرال براد كوبر. وصباح الأحد وصلت الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس، حيث شاركا في اجتماع لجنة الإشراف على تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار في رأس الناقورة. فحوى الاجتماع تطبيق مجريات وقف إطلاق النار ودعم الجيش اللبناني لتطبيق قرارات جلسات الحكومة في 5 و7 آب وفي 5 أيلول، في تجاوز لكل الإيحاءات بأنّ الخطة التي قدّمها الجيش كانت من دون تحديد آليات أو مهل زمنية لنزع السلاح، وبأنّها لم تحظَ بموافقة أميركية منذ البداية، لأنّها استندت إلى تعديلات لبنانية أُدخلت على ورقة توم برّاك. وللتقليل من أهمية الخطة ودور الجيش والدعم الأميركي بدأت تسريبات ملفّقة حول دور كوبر مع أورتاغوس وحول إبعاد السفير توم براك عن مهمته في لبنان تمامًا كما حصل بعد تكليفه وبدء الحديث عن معاقبة أروتاغوس، ليظهر لاحقًا أنّ كلّ هذه الإدعاءات ساقطة وليست إلّا من قبيل تعمير أحلام واهية للتفلّت من قرار حصرية السلاح. فالمواقف الأميركية لا تبنى على العلاقات الشخصية بين الموفدين أنفسهم وبينهم وبين اللبنانيين، بل على قرارات مركزية صادرة عن الإدارة العميقة للملف اللبناني. وهي قرارات بدأت بانتخاب الرئيس جوزاف عون، وبتسمية الرئيس نواف سلام، وبتشكيل الحكومة، وبقرار حصرية السلاح وصولًا إلى وضعه موضع التنفيذ. وفي هذا الإطار يدخل تفعيل عمل لجنة مراقبة وقف النار أو "الميكانيزم" التي ستكلّف واشنطن جنرالًا جديدًا للإشراف على عملها.

لا سلام ولا كلام بين سلام ورعد 

• صباح الإثنين شنّ رئيس كتلة "الوفاء للمقاومة" النائب محمد رعد هجومًا على الحكومة وقراراتها وقال: "سلاح الحزب شرعي أكثر من شرعية الحكومة. المقاومة لم تُهزم، قبلت اتفاق وقف النار من موقع أنّ يدها هي العليا في ساحة الميدان. ما حصل بعد عشرة أيام من هذا الاتفاق هو التحوّل الذي حدث في سوريا وقلب موازين المنطقة. الحكومة ارتكبت خطيئة مشينة بحق البلد وبحق المقاومة. "حزب الله" مستعد لمناقشة موضوع السلاح في أهميته ودوره وثقله ومدى حاجة لبنان إليه، من ضمن استراتيجية حقيقية سيادية وطنية تحفظ لبنان".

• بعد الظهر كان الرئيس نواف سلام يردّ عليه بعد استقباله وفد البرلمان العربي: "استقرار لبنان ليس حاجة لبنانية فحسب، بل حاجة عربية جامعة. الحكومة ماضية في تنفيذ قراراتها لجهة حصرية السلاح بيد الدولة على كامل الأراضي اللبنانية".

فشلت محاولة تظهير أن الحكم والحكومة كانا في أزمة، وأن صياغة لغوية أخرجتهما منها. الواقع يشير إلى أنّ "الحزب" هو في قلب الأزمة ولديه مشكلة في المواجهة، وفي الانصياع.

الجيش و"الميكانيزم"

في دخول سريع على خط الأزمة قصفت الطائرات الإسرائيلية مواقع لـ "حزب الله" في جرود الهرمل وقتلت خمسة من مقاتليه. قبل قرارات الحكومة كانت غارات على مخازن أسلحة لـ "الحزب" في محيط النبطية. وقبلها كانت غارات على الضاحية. بغضّ النظر عن منطلقات قرارات الحكومة يبقى مسار تطبيق اتفاق وقف النار مطبّقًا كما كان قبلها. وبغضّ النظر عن التوقيت والمراحل، فإن توقيتًا محدّدًا يمكن أن تفرضه آلية تطبيق وقف النار كما كان يحصل في محطات سابقة. إسرائيل تبلّغ عن مراكز لـ "الحزب". اللجنة المشرفة تبلّغ الجيش. الجيش يتحرّك، بموافقة "حزب الله" أو من دونها. إذا لم يحصل ذلك تتولّى إسرائيل العملية. بذلك تكون قرارات الحكومة متوازية مع هذا المسار الذي يدخل من ضمنه دور الجيش لتنفيذ المهمة المكلف بها.