لبنان أمام أسابيع حَرِجة... و"حزب الله" يَمْضي في "إحراجه"

يَمْضي الرئيس اللبناني العماد جوزف عون تباعاً في تظهير «بُنيةِ» نَية التفاوض مع إسرائيل الذي أعْلاه كخيارِ وحيدٍ لتجنيبِ البلاد المزيد من الاستنزاف «المميت»، بعدما حُشرت بيروت بين «خطين أحمرين» متقابليْن تَبادَلهما كل من إسرائيل و«حزب الله» حول سَحْبِ السلاح، الذي تصرّ عليه الأولى «وإلا» والذي يتمسك الثاني بالـ «لا» الكبيرة لتسليمه وإن مع «طمأنةِ» تل أبيب إلى أن طابعه بات بحت «دفاعي».

وعلى وقع ارتسام سِباق بين التفاوض الذي مازال يتلمّس طريقَه المعقّد للانطلاق الصعب وبين مساريْ ضغطٍ دبلوماسي أميركي وعسكري إسرائيلي، يتعمّق وقوعُ لبنان الرسمي أمام إشكاليةِ درء التأثير السلبي لاختيارِ «حزب الله» عدم «إسنادِ» الدولة في بَلْوَرة إطارٍ لأي طاولةٍ بحيث تكون بيروت صاحبة «التحكّم والسيطرة» على ورقة السلاح، محبّذاً ترْك مكانٍ لإيران في العملية الديبلوماسية التي تتكامل حلقاتُها في إطار «وحدة ساحاتٍ» عَكْسِية والتي باتت تشكّل واقعياً مسرحاً رئيسياً لإعادة تشكيل المنطقة وترجمةِ التحولات الجيو - سياسية التي أطلّت في ضوء نتائج «طوفان الأقصى» وسقوط «جدار برلين» السوري كأحد أبرز ارتدادات ضمور الحزب عسكرياً بعد حرب لبنان الثالثة.
وخلال استقباله اليوم الخميس، آن كلير لو جاندر، المستشارة السياسية للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، ظهّر عون أكثر فأكثر أن المفاوضات، التي يحاذر حَسْم شَكْلها (مباشرة أو غير مباشرة)، صارت المسارَ الوحيد لوقف الاعتداءاتِ واستعادة الأراضي التي احتلّتْها إسرائيل جنوباً وإطلاق الأسرى، وهو ما يَعْني استطراداً أن «المُقابِل» الذي سيكون مطروحاً من تل أبيب وواشنطن لن يكون إلا في إطارِ ملف السلاح، سواء كانت إسرائيل تولّتْ «إضعافه» أولاً بموجة تصعيدٍ تلوّح بها أم لا.

وبحسب أوساط سياسية، فإن هذا ما يفسّر تشدُّد الحزب بإزاء مبدأ التفاوض وخروج عنوان تفكيك ترسانته العسكرية عن سقف اتفاق وقف النار (27 نوفمبر) وتفسيره له على أنه «محصور بجنوب الليطاني» ومع رهْنه مرحلة شمال الليطاني بحوارٍ داخلي لبناني بعد أن تكون إسرائيل طبّقت ما عليها من هذا الاتفاق، الأمر الذي يعقّد مَهمة بيروت التي تَعتبر تل أبيب أن رغبتَها التي عبّرتْ عنها بقرار حكومة الرئيس نواف سلام حصر السلاح بيد الدولة «تنتهي» عند حدود عدم قدرتها على التطبيق وخصوصاً في شمال الليطاني من بوابة الخشية من صِدام داخلي، ناهيك عن الاتهامات التي توجّهها إلى الجيش اللبناني بعدم تنفيذ مهمته كما يَنبغي جنوب النهر.

«الخاصرة الرخوة»

وفي وقت رفعتْ واشنطن منسوب الضغط - «مع مهلة زمنية» - على لبنان من «الخاصرة الرخوة» المالية التي تَعتبر أن «حزب الله» يستفيد منها في إعادة تعافيه المتعددة البُعد، عسكرياً واجتماعياً وحتى سياسياً، لاقى الحزب «المعركة الجديدة»، بإعلان كتلته البرلمانية «انَّ المساعي الأميركيَّة لتشديد الحصار المالي على لبنان بهدف منع إعادة الإعمار وابتزاز شعبه ودولته، والتي تولّى ‏أخيراً بعضاً من فصولها وفد مجلس الأمن القومي وزارة الخزانة الأميركيَّة عبر إملائه الوقح للتدابير والإجراءات ‏المكمِّلة للحرب الإسرائيليَّة على بلدنا، هي مساعٍ مدانة ومرفوضة تأتي في اطار فرض الوصاية الماليَّة، والتحكُّم في ‏عمل القطاع المالي بشقيه الرَّسمي والخاص بغير وجه حقّ»، محذّراً من «أنَّ أي استجابة لهذه الوصاية هي تخلٍّ عن السيادة وطعنٌ ‏للدستور ومخالفة للقوانين وتهديد للاستقرار».‏

وجاء هذا «الميدان» الجديد من «المطاحنة» متعددة الجبهة، ليعزز المخاوف من أن يفوّت لبنان فرصةَ «الربط» مع ما يُنسج للمنطقة تحت سقف «الشرق الجديد».

ووسط انطباعٍ متزايد بأن مهلةَ نهاية السنة التي منحتْها واشنطن للبنان لإظهار جديةٍ عملية في سحب السلاح وسدّ منافذ الانتفاع المالي لحزب الله ترتبط بذكرى مرور عام على تولي الرئيس دونالد ترامب الرئاسة ورغبته في ولوج السنة الثانية من ولايته بسجلّ إنجازاتٍ «منتهية» على صعيد «إخماد الحروب»، ولا سيما في الشرق الأوسط كي ينطلق «قطار السلام»، لم يكن عابراً تعاظُم قلق أطراف لبنانية من مَخاطر أي إمعان في التردّد بإزاء ملف السلاح.

وفي السياق، برز تأكيد رئيس حزب «القوات اللبنانيّة» سمير جعجع أن «الحكومة اللبنانية لم تُظهر أي مثابرة ولا أي تصميم على نزع سلاح حزب الله»، منتقداً خلال مقابلة مع صحيفة «ذا ناشيونال» غياب الإرادة السياسية في ملف السلاح، ومؤكّداً أنّ «مستقبل لبنان القريب يجب ألّا يكون محصوراً بين خيارَي الحرب الأهلية أو حرب إسرائيلية جديدة على البلاد، ومحذراً من أنّ يتخلّف لبنان عن ركب منطقةٍ تتغيّر بسرعة بسبب حالة الجمود السائدة فيه».

وتابع "لبنان الآن، وبكل شفافية، بدأ يتأخر. الاتجاه الاستراتيجي العام في المنطقة يسير في اتجاه، والسلطات اللبنانية تضيّع الوقت في المناكفات والمخططات الصغيرة التي لا تؤدي إلى شيء. والدليل أنّ رئيس سوريا في البيت الأبيض، بينما رئيس لبنان في بلغاريا – مع كامل الاحترام لبلغاريا – لكنني أتحدث عن التأثير".

تثبيت خيار التفاوض

في موازاة ذلك، كان عون يسعى إلى تثبيت خيار التفاوض وتظهير ما يعوق استكمال انتشار الجيش اللبناني جنوب الليطاني. وهو أبلغ إلى لوجاندر - التي كانت سفيرة فرنسا في الكويت وغادرتها في 2021 - ان «استمرار الاحتلال الإسرائيلي لأراضي لبنانية ومواصلة الأعمال العدائية وعدم تطبيق اتفاق نوفمبر 2024 يعرقل إكمال الجيش مهمته، رغم أنه يواصل عمله في المناطق التي انتشر فيها جنوب الليطاني لاسيما لجهة مصادرة الأسلحة والذخائر والكشف على الأنفاق والمستودعات (...) خلافاً لكل ما تروّج له إسرائيل (...) وكل ما يقال عن تقصير في عمل الجيش هو محض افتراء».

وأكد ترحيبه «بأي مشاركة أوروبية في حفظ الاستقرار بعد انسحاب اليونيفيل بالتنسيق مع الجيش الذي سيرتفع عديده مع نهاية هذه السنة إلى 10 آلاف عسكري، لأن مثل هذه المشاركة ستؤمن غطاء أوروبياً داعماً للجيش الذي سيكثف عمله في الجنوب بعد الانسحاب الإسرائيلي».

ورداً على استيضاحات لو جاندر، أكد عون «أن خيار التفاوض الذي أعلنه منذ أسابيع كفيل بإعادة الاستقرار إلى المنطقة الجنوبية وكل لبنان لأن استمرار العدوان لن يؤدي إلى نتيجة والتجارب المماثلة في دول عدة أظهرت أن التفاوض كان دائماً الحل المستدام للحروب التي لا طائل منها».

من جانبها، أكدت لوجاندر أن فرنسا ستعمل من أجل تثبيت الاستقرار في الجنوب وتفـعيل عمل «الميكانيزم» وفق الرغبة اللبنانية.

والتقت مستشارة ماكرون أيضاً رئيسيْ البرلمان نبيه بري والحكومة نواف سلام على أن تَستكمل اليوم لقاءاتها مع عدد من القادة السياسيين قبل انتقالها إلى سوريا.

وإذ يُنتظر أن يصل في الساعات المقبلة السفير الاميركي الجديد ميشال عيسى الى لبنان، وسط مناخاتٍ عن أن دور براك سيُطوى مع تسلّم الأول مهماته، استمرّت اسرائيل في مراكمة «مضبطة الاتهام» لـ «حزب الله» وسط استعدادات ميدانية «حربية» وتكثيف لاعتداءاتها في جنوب لبنان.

وبرز تقرير في صحيفة «معاريف» عن «ان سلاح الجو يعمل على تقليص زمن استجابة المروحيات القتالية المنتشرة في الشمال إثر مخاوف من هجوم محتمل لحزب الله».

ووفق الصحيفة، تهدف الإجراءات إلى «تأمين رد فوري على أي تسلل أو محاولة اعتداء على المستوطنات الحدودية، ومنْع تكرار سيناريو مشابه لما حدث بمحيط غزة».

وعلى وقع هذه التقارير، أغار الطيران الحربي فجر اليوم الخميس، على منطقة الخانوق في بلدة عيترون ثم على الأطراف الغربية لبلدة طيرفلسيه، قبل أن يستهدف سيارة في منطقة تول في النبطية. واتهم الناطق باسم الجيش الاسرائيلي «حزب الله» بتخزين صواريخ بين المدنيين حيث نشر صورة تشبيهية لمسبح وتحته صواريخ مع تعليقٍ مرفق بهاتشاغ طيرفلسيه «وين وإمتى رح تفقع بوج المدنيين - الدروع البشرية».