لبنان في قمّة المناخ: وعود بيئيّة وتحامل دوليّ

في إطار متابعتها لأعمال قمّة الأمم المتحدة للمناخ، كواحدة من قلائل المنظمات العربيّة المشاركة بالمؤتمر العالميّ الأضخم المعنيّ بالتّغّير المناخيّ، نشرت منظمة "غرينبيس الشرق الأوسط وشماليّ إفريقيا"، على صفحاتها الافتراضيّة فيديو كليب موسيقيّ بعنوان "الملوّث يدفع"، بالتّعاون مع صانع الأفلام السّودانيّ، أمجد النور، الذي يتناول وبأسلوبٍ ساخر، العطب العالميّ بما يتعلق بالعدالة المناخيّة، والمحاولات المستميتة للملوّثين التّاريخين في "الشمال العالميّ" النحو باللائمة على المُتأثرين والمُتضرّرين الأكبر من الضرّر المناخيّ والانبعاثات الدفيئة في "الجنوب العالميّ" وتحديدًا الدول العربيّة، بينما يجنون هم الأرباح الهائلة ويراكمونها على حساب الكوكب المستنزف وسكانه الأكثر هشاشةً.

مؤتمر الأطراف
اليوم، وفيما وصلت أعمال القمّة إلى خواتيمها (مع احتماليّة التّمديد ليومٍ إضافي لها)، يبدو أن ما استشرفه النور، قد تمظهر جليًّا في المؤتمر الذي تنصل فيه الملوّثون التّاريخيون من مسؤولياتهم، رافضين التزام سياسات عادلة تجاه المُتضرّرين. إذ خلُصت مسودة الوثيقة الأخيرة، على بند التّخفيض من إنتاج الوقود الأحفوريّ كخيارٍ طوعّي يمكن للدول أن تمضي به إن أرادت ذلك، ووصفت "غرينبيس" هذا الاتفاق وإن تمّ العمل به من دون تدخل لرئاسة دول الإمارات، بلعب دور تاريخيّ بالتّوصل إلى أيّ اتفاق بشأن التخلّص التدريجي والعادل من الوقود الأحفوريّ، مع حزمة تمويليّة موثوقة تدعم البلدان والمجتمعات الأكثر ضعفاً في هذه المرحلة الانتقالية، بمثابة فرصةٍ تاريخيّةٍ ضائعة.

وإذ يتوقع غالبيّة المراقبين أن يتمّ التمديد للقمّة يومًا إضافيًّا (وهذا ما عهدته سائر مؤتمرات الأطراف)، بانتظار مسودة جديدة، بعد انتقاد العديد من الدول النسخة الأخيرة بالأمس ووصفتها بأنها ضعيفة للغاية لأنها أغفلت "التّخلّص التّدريجّي" من الوقود الأحفوري، ويجب أن يتم إقرار الاتفاقات في مؤتمرات قمة الأمم المتحدة بشأن المناخ بالإجماع بين ما يقرب من 200 دولة حاضرة، ثم يعود الأمر بعد ذلك إلى كل دولة على حدّة لتنفيذ الاتفاق المتفق عليه عالميًّا، من خلال السّياسات والاستثمارات الوطنيّة، بينما لا تزال أقليّة من الدول المنتجة للنفط والغاز، وعلى رأسها السعودية، تعارض، أي تطرق صريح إلى الوقود الأحفوريّ الذي يُعد مصدرًا رئيسيًا لعائداتها. هذا ناهيك بالعراقيل التّي تعترض طريق التّقدم في تحقيق أهداف الطاقة فيما يتصل بالتّكيف مع تداعيات الاحترار العالميّ وتوفير المساعدات الماليّة للدول النامية لإقناع دول الجنوب بقبول الاتفاق.

التزامات لبنان المناخيّة
وفيما تتفاوض حاليًّا حوالى مئة دولة مؤيدة للاستغناء التّدريجيّ عن الوقود الأحفوريّ، في دبي وفي اليوم الأخير من مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ، سعيًا للتوصل إلى اتفاق يمثل سقفًا أعلى في ظل معارضة بلدان منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك) وعلى رأسها السّعودية.. يحاول لبنان جاهدًا المشاركة في النقاش العالميّ بصورة إيجابيّة تُراعي واقعه كدولة تقع في إطار المنطقة السّاخنة والتّي تعيش مغبة التّغير المناخيّ المباشر (راجع "المدن")؛ وتحديدًا مع زيادة وتيرة وشدة الأحداث المناخية المتطرفة، وارتفاع درجات الحرارة بـ 4.9 درجة مئوية، وانخفاض هطول الأمطار بنسبة قد تصل إلى 22% بحلول عام 2100 (بحسب التّقرير الرابع حول تغير المناخ في لبنان).

ومع إعلان لبنان التزامه مضاعفة قدرة الطاقة المتجدّدة ثلاث مرات بحلول عام 2030 (مضاعفة التزاماته ثلاث مرات)، كشف وزير البيئة في حكومة تصريف الأعمال، ناصر ياسين، خلالCOP28 في دبي، عن خطوات استباقيّة يقوم بها لبنان لمواجهة التّحديات المتعلقة بتغير المناخ. وفي إطار هذه الجهود، أُعلن عن منشأة استثمارية خضراء رائدة في لبنان، بالتعاون بين وزارة البيئة وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائيّ وجهات أخرى.

وأكدّ وزير البيئة، لصحف محليّة وعلى هامش مؤتمر المناخ في دبي، أهمية هذا التّقدم البيئيّ البارز. وأشار إلى أن هذه المنشأة الاستثماريّة تعمل بالتعاون مع "صندوق تمكين الاقتصاد في لبنان" وتتبع معايير مالية أوروبيّة، مما يضمن الشفافيّة والحوكمة. وفي سياق آخر، أشار إلى أهمية التّقرير الوطني الرابع حول تغير المناخ الذي قدمته لبنان مؤخرًا، والذي يحلل بدقة تأثير انبعاثات الكربون والضعف البيئي، ويقدم توقعات مناخية. وركز على دور المنشأة الاستثمارية الخضراء في تحقيق هذه الأهداف من خلال استثماراتها الاستراتيجية في قطاعات مثل الطاقة المتجدّدة، والنقل المستدام، وإدارة النفايات، والزراعة.

وتحدث الوزير ياسين عن حوارات مثمرة مع البنك الدولي وصندوق الاستثمار المناخي الأخضر، مؤكدًا على التعاون لتعزيز التّمويل البيئي ودعم المبادرات في لبنان. وأعلن عن اجتماع ناجح مع المديرة الإقليمية في البنك الدولي، ميسكي برهاني، يستكمل جهود التعاون في المشاريع المستقبليّة، مع التركيز على إدارة النفايات ومكافحة الحرائق الغابات. وفي ختام المداولات، أعلن عن إطلاق تقرير أولي حول تغير المناخ والتنمية في لبنان في بداية العام المقبل.

وعلى هذا النحو، وفي هذه اللّحظة المفصليّة التّي يقف فيها العالم عند مفترق طُرق، يفصله عن نهاية فظيعة لكوكب الأرض، أو حلّ مستدام يحمي الكوكب وسكانه وأمل بغدٍّ أنظف وأفضل، ينبثق المأزق التّاريخيّ بين عالمي الشمال والجنوب مُجدّدًا، وتتكشف محنة الدول الأضعف التّي اُستنزفت من حيث الموارد والبشر، ويُضحى بها مُجدّدًا، لتأمين معيشةٍ أفضل لسكّان الشمال العالميّ.

أما السّورياليّ فهو أن الدول الكبرى والأغنى مثل الولايات المتحدة الأميركيّة والصين، المسببان بـ41 بالمئة من الانبعاثات الدفيئة، لا تزال تتنصل من هذه المسؤوليّة، بينما تحاول الدول المُفلسة والمنكوبة مثل لبنان، (إن أحسنا الظّنّ بها طبعًا)، مضاعفة التزاماتها المناخيّة والبيئيّة. تكريسًا للعدالة المناخيّة.