لبنان في مصالحة الرياض وطهران... مسار مفتوح ومزيد من المفاوضات

كتب منير الربيع في الجريدة الكويتية: تتكاثر التساؤلات اللبنانية حول مضمون الاتفاق السعودي- الإيراني، الذي حصل برعاية صينية، وأكثر الأسئلة المطروحة في لبنان، هو إذا ما كان الملف اللبناني حاضراً في المداولات وعلى طاولة المفاوضات.

وبحسب ما تشير مصادر دبلوماسية متابعة فإن الاتفاق يبقى أشمل وأوسع من الساحة اللبنانية حتماً، وهو لا يتعلق بملفات المنطقة فقط، بل بالعلاقات البينية بين الطرفين، وفي إطار توازن القوى، خصوصاً مع إبراز دور الصين، والذي سيكون له انعكاسات متعددة حول آلية التعامل في سوق النفط والغاز، أو بما يتعلق بالسعي الصيني لإزالة العثرات الإقليمية من أمام مشروع «الحزام والطريق». ووفقاً لما تقول المصادر المتابعة فإن الاتفاق شامل ويشمل عدداً من النقاط الأساسية، أبرزها إعادة تفعيل الاتفاقات الأمنية لتعزيز الأمن الإقليمي وعدم التأثير السلبي داخل الدول العربية.

وثانيها إعادة مراجعة للسياسات الإيرانية في المنطقة، واحترام سيادة الدول وعدم المساس باستقرارها، والالتزام بالعهود والمواثيق وعدم نقضها، وعدم دعم الميليشيات في المنطقة.

كل هذه النقاط على درجة عالية من الأهمية، وهي تضع الاتفاق أمام اختبارات كثيرة وأساسية في المرحلة المقبلة، لا سيما أن تطبيقها سيحتاج إلى وقت، في حين ستكون الصين هي الجهة الضامنة لذلك.

ومما لا شك فيه أن الخطوة السعودية النوعية استراتيجياً، تأتي في جزء منها كنوع من الردّ على آليات الابتزاز الأميركي الطويلة الأجل منذ سنوات طويلة، خصوصاً أن الولايات المتحدة كثيرا ما ارتكزت على ترك الأبواب مشرعة أمام النفوذ الإيراني وذلك لدفع السعودية أكثر إلى الالتزام بما تريده واشنطن، في حين لم تحقق واشنطن أيا من الوعود التي قدمتها سابقاً، وحتى عندما ذهبت إلى توقيع الاتفاق النووي مع إيران في عام 2015 لم تكن تراعي المصالح الاستراتيجية لدول الخليج وتحديداً السعودية. كما أن استخدام «البعبع» الإيراني أميركياً كثيرا ما كان قائماً في سبيل جعل السعودية تتقارب أكثر مع إسرائيل، وهو ما استخدم كنوع من الضغط على المملكة للتخلي عن مبادرتها للسلام الشامل، والتي كان قد طرحها الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز في القمة العربية ببيروت عام 2002 وأساسها حل الدولتين.

رداً على كل هذا الآليات جاءت الرؤية الاستراتيجية السعودية الجديدة، في حين كان الرد الفعل الأميركي واضحاً على لسان الرئيس جو بايدن لدى سؤاله عن هذا الاتفاق بالقول، إن أفضل الاتفاقات هي التي تحصل بين إسرائيل ودول الجوار.

 عملياً، لا بد من انتظار كيفية تطبيق نقاط الاتفاق والوقت الذي تحتاجه، علماً بأن الانعكاس الأول له سيكون مرتبطاً بملف اليمن، والشهران اللذان تم وضعهما كمهلة تجريبية ستكون حقل الاختبار الأساسي لنجاح الاتفاق وتطبيقه، وبعض المؤشرات قد بدأت بالظهور من خلال فك الحصار عن تعز بعد ثماني سنوات على فرضه.

بينما سيكون المسار مفتوحاً حول الملفين اللبناني والسوري وهما سيكونان بحاجة إلى المزيد من المفاوضات.

لبنانياً، ينتظر المسؤولون كيفية انعكاس هذا الاتفاق على الساحة الداخلية، ولا سيما ما يتعلق بانتخاب رئيس للجمهورية، وهنا تقول مصادر متابعة، إن استباق «حزب الله» وحركة أمل لترشيح سليمان فرنجية كان مبنياً على معطيات باقتراب حصول الاتفاق، وبالتالي أرادا القول إن ترشيح فرنجية جاء قبل هذا الاتفاق في محاولة منهما لفرض أمر واقع معين والتفاوض على أساسه.

إلا أن السفير السعودي في بيروت وليد البخاري، الذي كان لديه معطيات أيضاً حول هذا التطور، كان قد رد على ترشيح فرنجية على طريقته من خلال تغريدة «الساكنين» وحذف أحدهما مقابل تحريك الآخر، بالإضافة إلى زيارته للبطريرك الماروني بشارة الراعي والاتفاق على مواصفات لرئيس الجمهورية الذي يُفترَض ألا يكون محسوباً على طرف سياسي.

كما أن المعطيات لدى البخاري كانت تصل إلى خلاصة أن «حزب الله» وبري سيكونان مستعدين لفتح الباب أمام مسار التسوية التي تحظى بثقة إقليمية.

 ويشير الاتفاق إلى مسار استراتيجي جديد تسلكه السعودية، سيكون له أبعاد كثيرة في المرحلة المقبلة، لكنه يرتكز على الاستثمار في مساحة التهدئة ونسج العلاقات مع الجميع شرقاً وغرباً، وهو الملعب الأساسي والاستراتيجي لولي العهد السعودي محمد بن سلمان بالانطلاق من رؤية مشروع 2030، والتي تقوم على توسيع هامش العلاقات والاستثمارات والارتكاز على مبدأ التنمية، وهنا تتقدم السعودية على إيران في هذا المجال، ما سيعطيها حيزاً أوسع وأكبر في المرحلة المقبلة. وهذا ما يمكن تلخيصه باتفاق «الحزام والطريق». فالحزام أمني واستراتيجي، والطريق مفتوح على آفاق جديدة.