لماذا غيّرت السعودية طريقتها في تقديم المساعدات؟

في خطوة لافتة، أعلنت المملكة العربية السعودية، الأربعاء، تغير طريقة تقديمها للمساعدات لحلفائها حول العالم، واشتراطها إجراء "إصلاحات" بدلا من "تقديم منح مباشرة وودائع دون شروط".

جاء الإعلان عن هذه الخطوة على لسان وزير المالية السعودي محمد الجدعان، الذي قال خلال مشاركته في منتدى دافوس الاقتصادي العالمي إن المملكة تغير طريقة تقديم المساعدات لحلفائها وتشجع دول المنطقة على إجراء إصلاحات اقتصادية.

وأردف الوزير السعودي: "اعتدنا تقديم منح ومساعدات مباشرة دون شروط، ونحن نغير ذلك. نعمل مع مؤسسات متعددة الأطراف لنقول بالفعل إننا بحاجة إلى رؤية إصلاحات".

وأشار الجدعان إلى أننا "نفرض ضرائب على شعبنا ونتوقع من الآخرين فعل الأمر نفسه وأن يبذلوا جهدا. نريد المساعدة لكننا نريد منكم الاضطلاع بدوركم".

وخلال السنوات القليلة الماضية تحركت السعودية ودول خليجية أخرى مثل الإمارات وقطر بشكل متزايد نحو الاستثمار بدلا من تقديم مساعدات مالية مباشرة.

وأكد محللون أن الخطوة السعودية بالغة الأهمية وجاءت في توقيت يعاني فيه الاقتصاد العالمي من عدة أزمات.

يقول فهد بن جمعة المحلل الاقتصادي والعضو السابق في لجنة الاقتصاد والطاقة بمجلس الشورى السعودي إن الخطوة ضرورية لإنه في "كثير من الحالات كانت الأموال لا تصل إلى الجهات التي تحتاجها".

ويضيف بن جمعة في حديث لموقع "الحرة" إن "المساعدات يجب أن تذهب لصالح الشعوب والخدمات المدنية وليس غير ذلك".

ويعتقد بن جمعة أن "الخطوة مهمة جدا وتثبت أن هناك تغييرا في سياسات المملكة وفي كيفية توجيه الأموال لخدمة مواطني البلد المستفيد وليس الوصول لأشخاص محددين".

من بين الإصلاحات التي يجب توفرها قبل إرسال الأموال، يقول بن جمعة إنه يجب "الأخذ بنظر الاعتبار حاجة البلد المستفيد وما إذا كان مثلا يعاني من نقص في البنية التحتية أو نقص في الدعم الاجتماعي".

كذلك يرى بن جمعة أن "هنالك بلدانا فقيرة أو بحاجة لمساعدات إنسانية أو في مجال البنى التحتية والتعليم والصحة، وهذه الأموال يجب أن تذهب لدعمها وتعزيزها أو إنشاء مراكز جديدة، بدلا من توجيه المال لرئيس دولة ما وهو يقوم بالتصرف بها حسب أهوائه".

بدوره يقول الأكاديمي والخبير الاقتصادي السعودي محمد بن دليم القحطاني إن "الخطوة جاءت في وقت مهم جدا، حيث يشهد العالم ركودا تضخميا والاقتصاد العالمي يعيش حالة عدم اليقين".

ويضيف القحطاني لموقع "الحرة أنه ونتيجة لذلك فإن "الأموال لن تمنح كما في السابق بشكل مجاني، لإن هذا يضر بالاقتصاد".

ويبين القحطاني أن "ما نعيشه اليوم هو تراكمات لعشوائية توزيع هذه الأموال، وخصوصا من قبل الدول الغنية التي تمتلك السيولة"، مشيرا إلى الدول المتقدمة ومن بينها السعودية باتت تعتمد اليوم ما يعرف بحس الإنفاق الاستراتيجي".

يوضح القحطاني طبيعة الإصلاحات التي ستشترطها الرياض قبل منح الأموال ومنها أن يمتلك البلد "حكومة رشيدة وقيادات نشطة حكيمة بعيدة عن الفساد تنظر للاقتصاد العالمي بعين الاعتبار".

تظهر الأرقام المنشورة على موقع "منصة المساعدات" الحكومي السعودي أن المملكة قدمت أكثر من 64 مليار دولار أميركي على شكل مساعدات لنحو 167 دولة حول العالم، الجزء الأكبر منها كان على شكل مساعدات تنموية.

احتلت مصر، المرتبة الأولى في إجمالي مبالغ المساعدات بنحو 13.7 مليار دولار، تلتها اليمن بنحو 10 مليارات وباكستان بـ7 مليارات.

وذكرت وسائل إعلام سعودية رسمية في وقت سابق من الشهر الحالي أن المملكة قد تعزز استثماراتها في باكستان التي تعاني ضائقة مالية إلى عشرة مليارات دولار، إضافة إلى أنها ستزيد سقف الودائع في البنك المركزي الباكستاني إلى خمسة مليارات دولار.

ووقعت السعودية في يونيو الماضي اتفاقات بقيمة 7.7 مليار دولار مع مصر، بما في ذلك بناء محطة طاقة بقيمة 1.5 مليار دولار، وقالت إنها تعتزم قيادة استثمارات بقيمة 30 مليار دولار لمساعدة حليف قديم يواجه ضعف العملة المحلية ونقص العملة الأجنبية.

كما أسست المملكة شركات في مصر والأردن والبحرين والسودان والعراق وعُمان سعيا إلى استثمارات تصل إلى 24 مليار دولار هناك.

ويؤكد القحطاني أن "المملكة وفي ظل رؤية 2030 أصبحت ترى العالم من منظور استراتيجي يعود بالنفع على اقتصادها بالمقام الأول ومن ثم على الاقتصاد العالمي".

ويبين أن "الدول تسعى خلال مؤتمر دافوس إلى ترميم اساسيات العولمة لكن بطريقة جديدة، ونحن دخلا مرحلة جديدة من العولمة الاستراتيجية المقننة في الإنفاق والمبادرات وتوزيع المساعدات وضبط البوصلة من اجل انتشال الدول الفقيرة".

ويقول القحطاني أيضا إن "القيادة السعودية حريصة على أموال البلاد وجودة العمل وأن يكون هناك إنفاق استراتيجي.. ليس لدينا أي مشكلة في إعطاء الأموال والدعم، ولكن يجب أن يكون هناك بالمقابل مسودة بآلية الإنفاق وإدارة تراقب هذا الإنفاق".

ويتابع "نحن دولة تعطي دولة أخرى وليس دولة تمنح الأموال لأشخاص، في السابق كان الأشخاص هم من يتحكمون بهذه الأموال وبالتالي تذهب هنا وهناك.. لكن اليوم الأموال ستذهب لمشاريع تنموية ومشاريع مستدامة".

من جهته لا يعتقد بن جمعة أن حجم المشاركة والمساعدات السعودية ستتأثر انخفاضا بعد هذه الخطوة، لكنه أشار إلى المملكة "بالتأكيد ستطلب توفر الشروط قبل إرسال الأموال".

"هذا لا يعني تقليص الدعم السعودي، بل توجيه بالاتجاه الصحيح.. وببساطة البلد الذي لا يلتزم لن يحصل على الدعم" يختتم بن جمعة.