المصدر: نداء الوطن
الكاتب: غاييل بطيش
السبت 12 تموز 2025 07:59:32
حين تنطفئ أنوار النهار في لبنان، تشتعل حياة أخرى لا تعرف الهدوء، تقودها الموسيقى، وتغذّيها الأضواء والصخب والفرح. وفي قلب هذا الليل المتوهّج، تتربّع الملاهي الليليّة كأحد أبرز معالم السياحة في لبنان، تتحوّل معها المدينة إلى وجهة نابضة بالحياة، تجمع بين الإبداع والاقتصاد، وبين الترفيه والهوية الثقافية. فهل أصبحت الملاهي الليليّة مرآة جديدة للبنان، وركيزة أساسية في خارطة سياحته؟
مع بداية فصل الصيف، تنشط الحياة الليليّة في مختلف المناطق اللبنانية، من بيروت إلى الجبل والساحل، وتتحوّل أماكن السهر إلى مراكز نابضة بالحياة والموسيقى والرقص. فالسهر في لبنان تحوّل إلى صناعة قائمة بحدّ ذاتها تشهد منافسة شديدة بين أصحاب النوادي الليليّة والمطاعم والملاهي. يتسابق هؤلاء في جذب الروّاد من خلال ابتكار أفكار جديدة، واعتماد تقنيات حديثة في الإضاءة والصوت، واستقدام أشهر منسّقي الموسيقى (الـ "DJ") من لبنان والعالم.
ولا تقتصر السهرات على الموسيقى فقط، بل باتت تُرافقها عروض راقصة وبرامج فنية وترفيهية تُضفي أجواء من الحماسة، فيما تُستخدم الألعاب النارية كعنصر إضافي لإبهار الحضور.
هذا التنافس المستمر يدفع بأماكن السهر إلى تطوير خدماتها باستمرار، ما يجعل من لبنان وجهة مميزة لعشاق الليل والسهر، وفي حديث لـ "نداء الوطن"، أكد نديم الدكس، صاحب أحد الملاهي الليليّة، أن هذا القطاع يلعب دورًا أساسيًا في دعم السياحة في لبنان. وشرح قائلًا: "الملاهي الليلية تساهم بشكل كبير في توفير فرص عمل، كما تدخل إلى البلد كميّات كبيرة من الأموال النقدية. فالقطاع السياحي في لبنان يتميّز من غيره، خصوصًا أنه يتصدّر المشهد من حيث التنوّع الموسيقيّ، حيث تقدّم أنماط موسيقية متجدّدة ومواكبة للعالم".
وتابع: "قبل نحو عشر سنوات، كانت الموسيقى الأجنبية تهيمن على الملاهي الليليّة، أمّا اليوم فقد أصبحت الموسيقى العربية تتصدر المشهد إلى جانب أنماط مثل "techno" و "housetech" و "commercial"، ما أضفى تنوّعًا موسيقيًا يميّز الليالي اللبنانية ويمنحها طابعًا فريدًا. هذا التنوّع جعل من لبنان وجهة أولى في الشرق الأوسط، واستقطب أعدادًا كبيرة من الزوار، سواء من المغتربين أو السياح الأجانب".
وأشار الدكس إلى أنّ التميّز لا يقتصر فقط على الموسيقى، بل يشمل أيضًا تصميم مفاهيم الملاهي الليلية، والتي أصبحت عاملًا جذابًا بحدّ ذاته للسياح.
وحول ما إذا أصبحت الملاهي الليليّة جزءًا من الهوية السياحية لبيروت ومدن لبنانية أخرى، أجاب: "بكل تأكيد، خصوصًا بالنسبة للجيل الجديد. فعلى سبيل المثال، إذا جلبنا عشرين سائحًا إلى لبنان، قد يزور خمسة منهم المتاحف والمواقع الأثرية كقلعة بعلبك، بينما يأتي الخمسة عشر الآخرون للاستمتاع بسهرات لبنان الجميلة".
ومع ذلك، لا تخلو هذه الظاهرة من تحدّيات اجتماعية، مثل الضجيج، زحمة السير وبعض السلوكيات السلبية، ما يخلق توتّرًا في بعض المناطق السكنية. لكنه يرى في المقابل أن لهذه الظاهرة آثارًا إيجابية أيضًا، مثل رفع قيمة العقارات وإضفاء حيوية على الأحياء.
من الواضح أنّ الملاهي الليليّة في لبنان تجاوزت كونها مجرّد مساحة للترفيه، لتُصبح جزءًا أساسيًا من المشهد السياحي والاقتصادي. فرغم التحدّيات الأمنية والاقتصادية التي تواجه البلاد، لا يزال هذا القطاع ينبض بالحياة، مستقطبًا آلاف الباحثين عن التجربة اللبنانية الفريدة.
وبين إيقاع الموسيقى وهموم الواقع، يبقى مستقبل هذا القطاع مرهونًا بقدرة الدولة على تأمين الحدّ الأدنى من الاستقرار، ليبقى الليل في بيروت وسواها مشعًّا بالحياة، مهما اشتدّت العتمة.