ماذا يريد "الحزب" من كريم سعيد؟

قطع الأرزاق من قطع الأعناق... وفق هذه المقولة يتحرّك "حزب الله" في محاولة لقطع الطريق على المساعي الجارية لوقف عمل جمعية القرض الحسن، التي تحولت إلى مؤسسة مالية غير شرعية، وأصبحت مع الوقت أحد رموز القوة التي يتفاخر بها "الحزب"، ويصنفها ضمن إنجازات حماية بيئته، وفصلها جزئيًا عن تداعيات الأزمات التي عانى منها اللبنانيون عقب الانهيار أواخر العام 2019.

لكن المفارقة في تحرّك "حزب الله" في اتجاه محاولة إنقاذ الجمعية أنه يستخدم "الأهالي" متاريس حيّة للاختباء وراءها، ورفض أي إجراء لوقف عمل "القرض الحسن".

طبعاً، "الأهالي" ليسوا الورقة الوحيدة التي يلعبها "الحزب" في هذا الملف، إذ يستخدم أيضًا، ورقة الضغط المعنوي التي يجيدها. وهذا ما يفسّر التركيز على حاكم مصرف لبنان دون سواه في هذه القضية، ولماذا حرص الشيخ نعيم قاسم شخصيًا على تحذير كريم سعيد علنًا. والتهمة جاهزة دائمًا، الخضوع للإملاءات الأميركية، والتي يعتبر "الحزب" أنها اإملاءات إسرائيلية بلسان أميركي.

ما هو لافت في هذا الموضوع، أن "الحزب" يواصل ضغوطاته على حاكم المركزي، رغم علمه أن الأخير ليس الجهة المخولة إقفال "القرض الحسن"، وأن قرارًا من هذا النوع يحتاج إلى قرار سياسي، تنفذه وزارة الداخلية.

هذا التوجّه نحو سعيد بصفة شخصية، يريدُ منه "الحزب" أن يحقق الأمور التالية:

أولًا- ترهيب حاكم المركزي، وتحويل المواجهة التي يُفترض أنها مع الدولة، إلى مواجهة شخصية يأمل "الحزب" أن تعطي نتائج أكثر. وفي حسابات "الحزب"، أن الدولة "مجموعة" يصعب ترهيبها في الوقت الحاضر، في حين أن التركيز على شخص، كائنًا من كان هذا الشخص، قد يكون ناجعًا أكثر في عملية الترهيب.

ثانيًا- تخفيف الإجراءات التي سبق واتخذها مصرف لبنان، ومنها قرارات مراقبة وتنظيم قطاعي الصرافة وتحويل الأموال. وهذا يؤكد أن هذه القرارات فعالة، وليست شكلية كما حاول البعض الادعاء.

ثالثًا- قطع الطريق على إجراءات جديدة قد يتخذها مصرف لبنان في المستقبل، في إطار مكافحة الاقتصاد غير الشرعي وتبييض الأموال. ويخشى "الحزب" بصورة خاصة أن تلامس الإجراءات شبكة أعمال بناها كواجهة للتبييض وتمويل نشاطاته. وبالمناسبة، فإن المقربين من "الحزب" يروّجون أن هناك حوالى 100 ألف شخص يتقاضون رواتب ثابتة من "الحزب". هذا الترويج يهدف إلى تضخيم الكارثة الاجتماعية التي قد تصيب بيئة "الحزب"، لكن مثل هذا الترويج، يعطي فكرة عن حجم تمدّد دويلة "حزب الله"، ويقود إلى نتائج معاكسة، لأنه يحفز اللبنانيين اكثر على دعم قرارات وضع حد لهذا الوضع الشاذ.

رابعًا- إيجاد صيغة على الطريقة اللبنانية لتشكّل مخرجًا لا يقود إلى وقف عمل "القرض الحسن"، لكنه يوهم الرأي العام بأن الجمعية استُبدلت، وأن الأمور أصبحت "شرعية".

حتى اللحظة، لا يبدو أن أيًا من هذه الأهداف سيتحقق. والمفاوضات التي قد يخوضها النائب علي فياض مع حاكم مصرف لبنان، لا يمكن أن تخرج عن إطار القوانين والشرعية، لأن سعيد يعرف، أن نقطة قوته الأساسية في موقعه الحسّاس، تكمن في حرصه الاستثنائي على العمل ضمن القوانين المرعية الإجراء، وأي خلل في هذا المسار، سيقود إلى كارثة على مستوى السلطة النقدية. كما إن شخصية سعيد، لا تشي بنجاح أي مفاوضات، يسعى من يقوم بها إلى شرعنة الخروج على القانون.

في النتيجة، وبعيدًا من التهويل والتضخيم، لا أحد يريد إلحاق الأذى بالناس وبالبيئة المحيطة بـ "الحزب"، وما ينبغي بحثه حصرًا، هو كيف يمكن تطبيق القانون، والعودة إلى كنف الانتظام المالي والقانوني، من دون أن يتأذى من اضطر إلى التعاون مع جمعية غير شرعية، مُدرجة على لائحة العقوبات بتهمة التبييض لتمويل الإرهاب.