"متلازمة هافانا"... جهود أميركية لإدانة روسيا

تشهد الحرب التي تعيشها الولايات المتحدة الأميركية وروسيا أساليب وأشكالاً متعدّدة منها ما هو واقعي، عبر ساحات القتال المختلفة في الشرق الأوسط وسواها من مناطق موضع النزاع، ومنها ما هو افتراضي يتمثّل بالهجمات السيبرانية التي بلغت ذروتها في كانون الاول من العام 2020 ليطال عددًا من أبرز المؤسسات الحكومية الأميركية، من بينها وزارات الخارجية والخزانة والأمن الداخلي والتجارة والدفاع، واعتبر واحدًا من أكثر الاختراقات تعقيدًا، وربما أكبرها بعد استهداف 50 شركة أميركية.

أما الهجوم الجديد القديم تمثّل بموجات "المايكروويف" الموجّهة أو بات يُعرف بـ"متلازمة هافانا" الذي بدأ في العام 2016 في هافانا بكوبا وبعدها في بكين ومن ثم في روسيا.
عود على بدء، هجمات روسيا الخفية هذه تحمل بين طياتها نُذر عواقب وخيمة إذا ما أثبتت التحقيقات التي تجريها وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية تورّط موسكو بها وألحقت أضرارًا دائمة في أدمغة وأعصاب من استهدفتهم من ضباط ومسؤولين في وكالات حكومية أميركية، حيث سلّطت قضية الضابط السابق للـ CIA مارك بوليمروبولوس الضوء مجددًا على هذا الملف الحساس، رغم مرور سنوات على إصابته بأعراض مرضية دماغية مجهولة السبب. وذلك على إثر تعرّضه لهجوم غامض في موسكو غيّر حياته إلى الأبد.
في وقت أكدت وسائل إعلام أميركية في الأمس، أن وكالة الاستخبارات الأميركية المركزية (CIA) أنشأت أوّل فريق عمل للتحقيق في هذه الهجمات، حيث ستعتمد الجهود على مجموعة واسعة من الموارد في الوكالة ومن ضمنها وجود عمليات للتصدي لأي حوادث مستقبلية وفقًا لمسؤول حكومي أميركي.
في هذا السياق، رُفعت السرية عن تقارير تحدثت عن حالات مماثلة لبعض المسؤولين الأمنيين الأميركيين كان قد سبق لهم وأن خدموا في روسيا وأوروبا الشرقية وكوبا. فقد تبنّت وكالة الـCIA القضية بإجراء التحقيق والبحث اللازمين أملاً بالتوصل إلى نتائج تثبت بالفعل هوية تورّط دول وأنظمة وأفراد في هكذا قضية تتهدّد العالم بأسره وليس الولايات المتحدة الأميركية وحدها.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن دراسة أجرتها الأكاديمية الوطنية الأميركية للعلوم ذكرت أن إشعاع "الماكروويف" الموجّه كان السبب الأكثر ترجيحًا للأعراض التي لوحظت على موظفي الحكومة الأميركية المتضررين.
إزاء ذلك، رجّحت تقارير إعلامية أن أجهزة الاستخبارات الأميركية كانت قد استخدمت بيانات هواتف محمولة لتحديد مواقع ضباط تابعين للاستخبارات الروسية على مسافات قريبة من ضباط وكالة الـCIA الذين أصيبوا بأعراض في بعض الأماكن. وقد أعلنت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن عن مراجعة للتصرفات العدوانية لروسيا، بالتزامن مع تعهدات وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن بالكشف عن المزيد من المعلومات بشأن "متلازمة هافانا" وبمحاسبة اي دولة يثبت ضلوعها بهذه القضية.
كما أن هناك موجات صوتية-رادوية يصدرها المايكروويف يمكن لها أن تدمّر صناعات الإلكترونيات وهذا السلاح تمتلكه الكثير من الدول. لكن ما هو غير مفهوم أن هكذا موجات تستطيع أن تدمّر خلايا الدماغ وتتسبّب بتلفها وينتج عنها الصداع وفقدان حاسة السمع وصعوبات في الإدراك، بالإضافة إلى تساقط الشعر.
في المقابل، يشير مركز السياسات الأمنية الأميركية إلى أن هناك أدلة تؤكد أن هذا ما حصل في كل من موسكو وهافانا وبكين. ويرجّح المركز إلى إمكانية وجود حالات كثيرة من هذه الأعمال الاجرامية التي تعرّض لها دبلوماسيون أميركيون. إزاء هذا التحدي دأبت وكالة الاستخبارات الأميركية المركزية على تشكيل مجموعة عمل لتحديد ما حدث والأهم من ذلك إثباته.
ويرى خبير في السياسات الأمنية أنه يجب على الولايات المتحدة أن تعمل على نشر نوع من معدات المراقبة تقتصر مهمتها على رصد موجات المايكروويف الموجّهة ليس فقط للتثبت من وجودها بل بغية الدفاع عن ضباط الاستخبارات والديبلوماسيين في تلك المنشآت وما تشكّله من تهديد خطير.
كما يجب على عدد من الوكالات بذل قصارى جهده من ضمنها وكالات استخبارية وسواها ممّن تتمتع بخبرات فنيّة وربما الحديث هنا عن وزارة الطاقة.
ولكن كل ذلك لن يغني جوعًا ما لم يتم الكشف عن هذه الهجمات فور حدوثها بغية الدفاع عن الدبلوماسيين، خصوصًا وأن المعدات المتخصصة بالكشف عن هذه الموجات الصوتية غير متوافرة لدى الإدارة الأميركية ولعل المشكلة التي تصعّب هذه المأمورية أن الموجات تستمرّ لجزيئات من الثانية.
ختامًا، شكّل اكتشاف هذا الهجوم تغييرًا نوعيًّا في طبيعة عمل الحكومة الأميركية ووكالة الاستخبارات الأميركية المركزية على السواء، حيث بدأ الديبلوماسيون الأميركيون في الخارج باتخاذ إجراءات لحماية أنفسهم. والآمال معقودة اليوم على التوقّف عن هكذا هجمات بعد اكتشافها إلا أن ذلك لا يمنع من ابتكار أسلحة جديدة ذات أهداف مغايرة.
من المؤكد أن الولايات المتحدة ليست الدولة الوحيدة التي استهدفت بهذه الهجمات ولعلّ الفرص قائمة لتحويل هذه القضية إلى ملف دولي تتعاون فيه الدول كافة، وخصوصًا أصدقاء أميركا وحلفاؤها.