المصدر: نداء الوطن
الكاتب: أحمد الأيوبي
الجمعة 8 أيلول 2023 07:29:27
طغت أجواء التمديد المتوقّع في جلسة يوم غد السبت في 9 أيلول الحالي وفق ما بات معلوماً في غياب المفتي دريان على أن يقوم نائب رئيس المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى عمر مسقاوي (من خارج جدول الأعمال) بطرح رفع سنّ تقاعد مفتي الجمهورية إلى الـ76، ما يتيح للشيخ دريان البقاء في منصبه حتّى عام 2028، وقد أصبح هذا التعديل بمثابة الأمر الواقع وهو لا يلقى اعتراضاً واسعاً لاعتبارات كثيرة منها ما يتعلّق بإدارة المفتي الأزمات الكبرى على المستوى السني بشكل خاص، وتحديداً أزمة أحداث خلدة برمزيتها وخطورتها، فضلاً عن دوره المحوري في دعم المشاركة في الانتخابات النيابية الأخيرة في وجه دعوات المقاطعة وغير ذلك من مواقف أبقت الواقع السني في دائرة الحصانة الوطنية. حتى أنّ معارضي المفتي دريان لا يعترضون بقسوة على التمديد له بل يبدون التفهّم لمثل هذه الخطوة وإن كان بعضهم غير مقتنع بمبرّراتها، لكنهم لا يعتبرونها تشكل خطراً على مقام الإفتاء أو على مصير دار الفتوى، بل إنّهم يعتقدون أنّ بإمكانهم إدارة أشكال من التفاهم مع المفتي دريان حول مجمل الملفّات، لهذا لا تصدر أصوات حادة حول مسألة التمديد.
الإعتراضات والهواجس
لكنّ الاعتراض الحامي الدائر الآن في محافل التأثير والقرار السنية هو ذلك التعديل المقترح على المرسوم رقم 18 تاريخ 13/01/1955 وتعديلاته الذي ينظم شؤون دار الفتوى بما فيها الانتخابات والشغور وغير ذلك، ويقضي حالياً بتولّي أمين الفتوى الشيخ أمين الكردي مهام المفتي بالوكالة في حال شغور المنصب، بينما يريد التعديل المقترح أن يزيح أمين الفتوى من دائرة الصلاحيات بتولّي الإفتاء بالإنابة لتكون بيد رئيس مجلس الوزراء، إمّا بتشكيل لجنة تدير شؤون دار الفتوى أو تعيين نائب للمفتي يتولّى صلاحياته بالإنابة.
يتوقف كثيرون من أعضاء المجلس الشرعي عند طلب هذا التعديل ويسألون: لماذا يوضع منصب مفتي الجمهورية الذي هو بموجب القانون «رئيس المسلمين» جميعاً، بيد رئيس الحكومة، الذي يخضع وصوله لهذا المنصب للكثير من الاعتبارات، وفي ظلّ الخلل في التوازن السياسي القائم، وعندها تكون مؤسسات دار الفتوى عرضة للاستباحة بشكل غير مسبوق، بل إنّ هذا التعديل يضرب استقلالية الدار ويجعلها مشاعاً أمام الساسة ويفقدها مرجعيتها الوطنية الوازنة.
ويسأل أعضاء في المجلس الشرعي عن سرّ تدخل رئيس جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية فيصل سنّو في وضع اقتراح التعديل وعن صفته التي تسمح له باستدعاء أعضاء المجلس وحثِّهم على توقيع عريضة التعديلات التي لا تحمل إلا صبغة «الانتقام الشخصي» من الشيخ أمين الكردي، نتيجة اعتراضه على سياسات سنّو في المقاصد بإخراجها من طابعها الإسلامي والانحراف بها نحو «الفرنسة» بعد إزالة القرآن الكريم من شعار الجمعية والالتباسات الكثيرة حول إبقاء أو إزالة أسماء الصحابة عن مدارس ومؤسسات المقاصد.
تجارب إستهداف الإفتاء في العراق وسوريا
لا يخفي مؤيّدو التمديد للمفتي دريان أنّ التعديل الثاني لا يجب أن يمرّ بهذا الشكل المتسرِّع بل يجب إخضاعه لميزان المصلحة العامة خاصة مع استحضار التجارب المحيطة بلبنان، حيث تعرّض الإفتاء في العراق للإلغاء وتفريغ الوقف السني من قدراته وصلاحياته وسلب عقاراته وأمواله، وكذلك في سوريا حيث ألغى النظام منصب مفتي الجمهورية (السني) ليُحِلَّ محلّه «المجلس الفقهي العلمي» الذي يضمّ جميع المذاهب المشمولة بمظلة الإسلام من أقليّات وغيرها، وهاتان واقعتان لا يمكن تجاهلهما، خاصة مع التصريح الشهير للسفير الإيراني في لبنان مجتبى أماني عندما وصف الشيخ دريان بأنّه «فضيلة الشيخ مفتي أهل السنّة».
يستحضر المتأبّطون شرّاً في هذا السياق الطموحات الشيعية بتحويل منصب مفتي الجمهورية اللبنانية مداورة بين السنة والشيعة، وتقسيم الأوقاف على هذا الأساس، ولا يقبلون تسفيه أو تسخيف هذه الهواجس لأنّها باتت قاب قوسين أو أدنى، وإخضاع دار الفتوى لهذا النوع من التعديلات في هذه الظروف الحرجة يضعها في مهبّ العواصف والمخاطر.
إحتمالات الطعن
يحذّر أعضاء في المجلس الشرعي ومرشحون له من أنّ التمديد يمكن الطعن فيه في مجلس شورى الدولة بعد استشارة قانونيين لأنّ الهيئة الناخبة التي انتخب المفتي بموجبها أعطته مدة انتخابه لعمر 72 سنة وهي غير الهيئة الناخبة التي انتخبت هذا المجلس فليس من صلاحية هذا المجلس التمديد، كما لا توجد أسباب قاهرة مبرّرة للتمديد والدليل إجراء انتخابات المجلس الشرعي الحالية والبلد ليس في حالة حرب أو قوى قاهرة تمنع إجراء انتخاب مفتٍ جديد.
لكنّ الأغلبية من أعضاء المجلس الشرعي ورؤساء الحكومات السابقين، باستثناء الرئيس سعد الحريري، والمكوِّنات الكبرى، وأبرزها العشائر العربية يذهبون نحو تأييد التمديد للمفتي دريان، لكنّ التعديل الآخر بمنح رئيس الحكومة حقّ تعيين لجنة أو نائب للمفتي يقوم بسدّ الشغور يلقى اعتراضاً ويشكّل مادة تجاذب حادة يخشى معها أن تكون له تداعيات خطرة ويجري تحميل الموقّعين عليه مسؤولية النتائج الخطرة التي يمكن أن يُسفر عنها.
إتّسمت إدارة المفتي دريان لدار الفتوى بالإيجابية، وخاصة بعد تعليق الرئيس الحريري عمله السياسي، وقد استوعب جميع المكوِّنات السنية بشكل معقول، كما أنّه حافظ على خطاب الشراكة الإسلامية المسيحية وعلى العلاقة الوثيقة مع الدول العربية، وخاصة السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي، لذلك لا يشكِّل التمديد له إشكالية كبرى، باستثناء بعض ما يخاصمونه على المستوى الشخصي وهم قِلّة، لكنّ الإشكالية الكبرى تكمن في ما يسمّيه البعض تعديل فيصل سنو بأبعاده المُريبة، حيث يجري العمل لدى شريحة من أعضاء المجلس على فكّ الارتباط بين التمديد المقبول والتعديل المريب، ما يجعل الولاية المجدَّدة للمفتي دريان أكثر أماناً واستقراراً وقدرة على الإنجاز.